خطبة عن (اترك التَّكَلُّمُ فِيمَا لاَ يَعْنِيك)
يونيو 23, 2024خطبة عن (أسباب نعمة التوفيق) مختصرة
يونيو 23, 2024الخطبة الأولى (إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في الأدب، وأحمد في المسند واللفظ له: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ».
إخوة الإسلام
إن الله سبحانه وتعالى ركّب في الإنسان العديد من الخصائص والغرائز والأحاسيس، ومنها: أن الإنسان يتأثر بما يجري حوله، ويتفاعل بما يشاهده ويسمعه، فهو يضحك ويبكي، ويفرح ويحزن، ويرضى ويسخط، ويصبر ويثور ويغضب، فالغضب طبع بشري فطري، لا يمكن دفعه، ولكن يمكن دفعه والحد من آثاره، وأول ذلك أن يتدرب المرء على أن يكظم غيظه، ويدفع غضبه،
والناس منهم من يكظم غيظه وغضبه، ويوقفه عند حده، ومنهم من يعفو عمن أساء إليه، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير، بالإحسان إليه، ولذلك امتدح الله تعالى عباده المؤمنين، الذين يملكون أنفسهم عند الغضب، ويغفرون ويصفحون، ويحلمون ويعفون، بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (37) الشورى، وقال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (134) آل عمران، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس متفاوتون في غضبهم، ففي سنن الترمذي: يقول صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمُ الْبَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمْ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ أَلاَ وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ أَلاَ وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْءِ)، ويخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن أجر الكاظم لغيظه، ففي سنن الترمذي: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ»، وفي مسند أحمد: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى»
وفي هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم: يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بعدم الغضب، ويرشدهم إلى دفعه، ووسائل علاجه، فيقول: (وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ، وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ، وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ)، فهذا إرشادٌ نبوي عظيمٌ، بِالسُّكوتِ والصمت حالَ الغضبِ، وحَبْسِ اللِّسانِ وإلْجامِه؛ لأنَّ الإنسانَ قد يقولُ في غضَبِه أقوالًا شَنيعةً، تُورِثُهُ النَّدَمَ في حَياتِه وآخرتِه، فالاسترسال في الغضب، قد يخرج الإنسان عن طوره، وحلمه وهدوئه، وربما جره إلى أمور لا تحمد عقباها، فالغضب يصدر عنه من قبيح القول ما يوجب الندم عليه، فنار الغضب تتأجج، فإذا سكت المغضب، وعالج نفسه ودفع غضبه، أخذت النار في الخمود، وعاد الانسان إلى هدوئه، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَوْصِنِي. قَالَ «لاَ تَغْضَبْ». فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ «لاَ تَغْضَبْ»، وقد فسر بعض العلماء أمر النبي عليه الصلاة والسلام بعدم الغضب على وجوه عديدة ومفيدة ومنها: (لا تغضب) أي لا تعرض نفسك لما يثير غضبك، (من باب العمل بالوقاية خير من العلاج)، أو (لا تغضب) أي: لا تغضب فوق الحد المطلوب، فيحدث مالا تحمد عقباه, أو (لا تغضب) أي: لا تفعل ما يأمرك به الغضب, أو (لا تغضب)، أي: سيطر على غضبك، ولا تجعل غضبك يسيطر عليك, لذا فقد أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن الذي يملك نفسه عند الغضب، ويتحكم في انفعالاته هو القوي الشديد، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ», فجهاد النفس أشد وأثقل من جهاد العدو, فلو صرعت عدوك، فأنت لست شديدا, وإنما تكون شديدا، إذا تحكمت في نفسك عند الغضب،
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أن الغضب نزغة من نزغات الشيطان، قد يقع الانسان بسببها في السيئات والمصائب، مما لا يعلمه إلا الله، ولذلك جاء في الشرع الحكيم علاجات للتخلص من هذا الداء العضال، وللحدّ من آثاره الوخيمة، ومن ذلك: اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فالشيطان هو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب، يقول الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأعراف (200)، فالإنسان الغاضب عندما يستعيذ بالله تعالى من الشيطان، فإنما يعتصم ويحتمي بعظمة الله تعالى، ويلوذ بها، ويستحضرها في نفسه، لما في ذلك من طرد للشيطان ودحره، وإبطال مكره، ومن ثم، يسكن الغضب، وتهدأ ثورته بإذن الله تعالى، وفي الصحيحين: (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ،لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ. ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ». فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ». فَقَالَ وَهَلْ بِي جُنُونٌ)، وفي السلسلة الصحيحة للألباني: (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضبَ الرجلُ فقال: أعوذُ باللهِ سكنَ غضبهُ)
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: الصمت والسكوت عند الغضب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ) رواه أحمد، فالسكوت هو الحل لتلافي أخطاء المغضب،
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: تغيير المغضب للحالة والوضع: ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ كَانَ يَسْقِى عَلَى حَوْضٍ لَهُ فَجَاءَ قَوْمٌ فَقَالَ أَيُّكُمْ يُورِدُ عَلَى أَبِى ذَرٍّ وَيَحْتَسِبُ شَعَرَاتٍ مِنْ رَأْسِهِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا. فَجَاءَ الرَّجُلُ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَوْضَ فَدَقَّهُ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ قَائِماً فَجَلَسَ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ لِمَ جَلَسْتَ ثُمَّ اضْطَجَعْتَ. قَالَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لنَا «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَجِعْ»، فإذا غير المغضب حاله ووضعه، فقعد أو قام أو اضجع أو مشى، كان أبعد عن الهيجان والثوران، وصار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة، والأفعال المؤذية. والعلم الحديث أثبت أن تغيير وضع المغضب يقلل من تدفق الدم إلى الدماغ ،فتقل بذلك حدة الغضب
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: أن يلتصق المغضب بالأرض، ففي سنن الترمذي وغيره: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا صَلاَةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَخْبَرَنَا بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ وَكَانَ فِيمَا قَالَ: (.. أَلاَ وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالأَرْضِ». والغرض من ذلك تجميد كل حركة يمكن أن تنجم عنها آثار غضبية مادية،
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: الوضوء: ففي سنن أبي داود وغيره: (قَالَ أَبُو وَائِلٍ الْقَاصُّ: دَخَلْنَا عَلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّعْدِيِّ فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَوَضَّأَ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ».
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: الاستغفار: فعلى المغضب أن يكثر من الاستغفار، ومن ذكر الله تعالى، فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب، وذهاب فورة الغضب، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد (28)، ففي ذلك تذكير للنفس الغاضبة بعظمة الله جل في علاه وقدرته، وحث لها على الخوف منه سبحانه، ولاسيما متى كان غضب الإنسان على من هو قادر على عقابه، والانتقام منه، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: (أول الغضب جنون، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب)، ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: تذكر جزاء الكاظمين للغيظ، والعافين عن الناس، ففي صحيح الجامع للألباني: (لا تغضب ولك الجنة)، فتذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب، ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده، لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب، ومما ورد من الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة) رواه الطبراني وصححه الألباني، وفي رواية: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء) رواه أبو داود وحسنّه الألباني
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: التأسي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الغضب: ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه قَالَ (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ). وفي صحيح البخاري: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه – قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. قَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم -. فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»، ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله، وإذا انتهكت محارم الله، وهذا هو الغضب المحمود، فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت، وقال: أتشفع في حد من حدود الله؟، وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها، فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله.
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين، الذين مدحهم الله في كتابه، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (134) آل عمران، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (37) الشورى، فمن أخلاقهم أنهم: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ).
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: التذكر عند التذكير: ففي صحيح البخاري: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ فَقَالَ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ – صلى الله عليه وسلم – (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ. فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ).
ومن وسائل دفع الغضب وعلاجه: تذكر ويلات الغضب ونتائجه السيئة: فمن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب: (الطلاق)، فينتج عنه تشريد الأولاد، والندم والخيبة، ومن نتائج الغضب: الحقد والحسد، وكذا الأضرار الجسدية: كتجلّط الدم، وارتفاع الضغط ، وقد يؤدي إلى سكتة مميتة، أو مرض السكري وغيره.
فاحذروا الغضب: فهو مفتاح كل شر، فكم فتح الغضب أبوابا للسجن، وفتل أحبالا للشنق، وسل السيوف، وأضرم نارا للحرب، وكم قطع أواصر القربى، وبه فصم عرى الأبوة والبنوة ، فالغضب كالحريق، أوله شرارة، وآخره دمار.
الدعاء