خطبة عن حديث (أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ)
يناير 13, 2025خطبة عن (الْغَفْلَةُ عَنِ الْمَوْتِ)
يناير 14, 2025الخطبة الأولى (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (102) هود، وقال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (45)، (46) النحل، وقال تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (131)، (132) الانعام، وقال تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (15): (17) الطارق، وقال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (14) الفجر،
إخوة الإسلام
قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (102) هود، فقد حذّر الله تعالى عباده من أسباب سخطه وبطشه وعذابه وانتقامه، فقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28]، وقال سبحانه: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة:95]، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِى لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (102) هود، فإذا أسرف الناس في الظلم والفجور، نزل بهم عذاب الله وغضبه وانتقامه، وحل بهم بطشه وعقابه، فهذه سنة كونية، سارية نافذة، لا تتغير ولا تتبدل على مر العصور والأجيال، فقد يكون العذاب طوفانًا يغمر الناس، أو زلزالًا يزلزل الأرض، أو جفافًا أو أعاصيرًا أو صواعقًا، أو أمراضًا جسدية أو روحية، أو قلقًا وحروبًا، أو تفرقًا وتمزقًا، قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40].
فالمجتمع حين يغرق في الشهوات، وتفشوا فيه المنكرات، ويألف فيه الناس الوقوع في الموبقات، وتقوم الحياة فيه على الذنوب، وفعل الفواحش والآثام، ويعم فيه الظلم والفساد، والكبر والبطر والأشر، فإنه يسقط من عين الله، فينزل الله به العذاب والعقاب، قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:44-45], وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} (59) الكهف، وقال تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف:182-183]، وقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم:42]،
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (45)، (46) النحل، وقوله تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (131)، (132) الانعام، وقوله تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (15): (17) الطارق،
ففي هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر، وأهل التكذيب، وأصحاب المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة، وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم، وعدم ورود العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده، وأعجب العجب في البشر: أن يد الله تعمل من حولهم ، وتأخذ بعضهم أخذ عزيز مقتدر، فلا يغني عنهم مكرهم وتدبيرهم، ولا تدفع عنهم قوتهم وعلمهم ومالهم، ومع ذلك يستمر أهل الكفر في كفرهم، وأهل الغفلة في غفلتهم، وأهل المعاصي في معاصيهم، ويظل أهل المكر في مكرهم، يظلون آمنين، ولا يتوقعون أن يؤخذوا كما أخذ من قبلهم، ومن حولهم، ولا يخشون أن تمتد إليهم يد الله في صحوهم أو في منامهم، أو في غفلتهم، والقرآن الكريم يلمس وجدانهم من هذا الجانب، ليثير حساسيتهم للخطر المتوقع، وحقا ما قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ لَيُملي للظَّالمِ حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْه)، فهم ليسُوا بمُعجِزينَ لله في حالةٍ مِن هذه الأحوالِ، بل هم تحتَ قَبضتِه، ونواصيهم بيَدِه، ولكِنَّه رؤوفٌ رَحيمٌ لا يُعاجِلُ العاصينَ بالعُقوبةِ، بل يُمهِلُهم ويُعافيهم ويَرزُقُهم، وهم يُؤذونَه، ويُؤذونَ أولياءَه، ومع هذا يفتَحُ لهم أبوابَ التَّوبةِ، ويدعوهم إلى الإقلاعِ عن السَّيِّئاتِ التي تضُرُّهم، ويَعِدُهم بمغفرةَ ما صدَرَ منهم من الذُّنوبِ؛ فلْيَستَحِ المُجرِمُ مِن رَبِّه أن تكونَ نِعَمُ اللهِ عليه نازِلةً في جميعِ اللَّحظاتِ، ومعاصيه صاعِدةً إلى رَبِّه في كلِّ الأوقاتِ، ولْيَعلَمْ أنَّ اللهَ يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، وأنَّه إذا أخذ العاصِيَ أخَذَه أخْذَ عزيزٍ مُقتَدِرٍ؛ فلْيَتُبْ إليه، ولْيَرجِعْ في جميعِ أمورِه إليه؛ فإنَّه رَؤوفٌ رحيمٌ، فالبِدارَ البِدارَ إلى رحمتِه الواسعةِ، وبِرِّه العَميمِ، وسُلوكِ الطُّرُقِ المُوصِلةِ إلى فَضلِ الرَّبِّ الرحيم، ألا وهي تَقواه، والعمَلُ بما يُحبُّه ويَرضاه.
ومن الملاحظ أن الدول الكبرى في هذا العالم هي قائدة الظلم والطغيان والجبروت, استخدمت أموالها التي مكنها الله جلّ وعلا منها في ظلم البشرية في مشارق الأرض ومغاربها, وخصوصاً فيما يتعلق بالأمة الإسلامية، فالأمم الكافرة باغية محادة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – ومحاربة للمسلمين، ودنَّست كتاب الله وأهانته، فهي قريبة من كل شرّ، بعيدة عن كل خير، وحامية الإرهاب في العالم، وذلك بسبب قوتها المادية، فهي تمد ذراعها كما يحلو لها, لا تأبه بأحد، قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى*إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) [العلق:5: 8] وهي بسبب هذا وغيره أصبحت فتنة لكثير من المسلمين، قال الله سبحانه مخبراً عن موسى عليه السلام: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس:88], فقال الله تعالى: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) يونس (89)،
فما أصاب الدول الظالمة والمفسدة هو قدر كوني، وعقوبة من الله جلّ وعلاّ؛ لطغيانها, وعصيانها, وجبروتها, وظلمها, وبعدها عن الله جلّ وعزَّ، فالله تعالى لا يظلم، قال تعالى: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) الكهف:49، والمجرم لا يترك، قال تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) الشعراء:227،
فعندما نرى هذه الرياح العاصفة تدمر أمريكا أو بعض ولاياتها، نعلم أنها عقوبة من الله تعالى، وعظة للغافلين والمفتونين من المسلمين، فالأحزاب قد تحزبوا اليوم على المسلمين بقيادة أمريكا, كما تحزب المشركون بقيادة قريش, فأرسل الله عليهم هذه الريح والجنود, لتذكر الغافلين بقدرته سبحانه، وتلك سنة الله في أمثالها بل وفيمن كان دونها في البغي والظلم.
أيها المسلمون
ويقول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (14) الفجر، فهؤلاء الذين استبدُّوا في الأرض، وظلموا في البلاد، فأكثروا فيها الظلم والفساد، فالله سبحانه وتعالى هو بالمرصاد لمن يعصيه، نعم يمهله قليلا ، ثم يأخذه أخْذَ عزيز مقتدر، فهوَ (بِالْمِرْصَادِ): للمكذبين ،لا يخفى عليه أمرهم، فهو يسمع ويرى، قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42]. فهو سبحانه يرصد عمل كل إنسان، ويحصيه عليه، ويجازيه به، دون أن يخفى عليه سبحانه شيء في الأرض ولا في السماء.
وفي قوله تعالى: {رَبَّكَ} توحي كذلك بالطمأنينة للمؤمنين، وأن الأمر يبقى بيد الله الذي لا يغيب عنه ظلم الظالم، وأنهم مهما علوا في الأرض، وتجبروا فيها، فلن يفلتوا من أمر الله في الدنيا قبل الآخرة، وأن المؤمنين مهما ابتلوا، وفتنوا، وذلوا، فإن العاقبة لهم في الدنيا قبل الآخرة، ما تمسكوا بدين الله، واعتصموا به، فهذه سنة ماضية إلى يوم القيامة ،لا تتوقف ولا تتغير ولا تتخلف، ومطلوب من المؤمنين أن يقوموا بحق الله عليهم في مواجهة الظالمين، وهو سبحانه سيعينهم وينصرهم، إذا ساروا بحسب منهجه الذي وضحه لهم، بأن يقيموا دولتهم الإسلامية كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين أقام الدولة الإسلامية في المدينة، ومن ثم يعدّوا ما استطاعوا من قوة، ويجاهدوا أعداء الله ليعمّ الإسلام الأرض وتكون كلمة الله هي العليا ،وكلمة الذين كفروا السفلى، ففارس والروم لم يبعث الله عليهم عذاباً من عنده ،وإنما عذبهم بالمؤمنين الذين أيّدهم بنصره.
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}: فاعلم أيها الظالم إن لك يوما لن تفلت فيه من عذاب الله تعالى، وقد يغتر الظالم بظلمه سنوات، ولكن الله يمهله ولا يهمله، فكيف كانت نهاية الجبابرة والطغاة والظالمين؟، وكيف انتهى الأكاسرة والقياصرة والفراعنة؟، فمسكين أنت أيها الظالم! فكم أنت مخدوع بإمهال الله تعالى لك، مسكين أنت أيها الظالم! فلن يُغنيَ عنك ملكُك الخادع، وغرورك الزائف، ولن ينفعَك مالُك، ومسكين أيها الظالم حين يَطمِس الله تعالى على بصرك وبصيرتك؛ فلا تعتبر بمن سبقوك، وأنت ترى عروشهم قد نكستْ، ومُلكهم قد زال، ولا يُذكرون إلا وقد لَحِقتْ بهم اللعنات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن العاقل من اعتَبر بغيره، ولم يكن هو عِبرةً لغيره؛ فإن الله عز وجل قد جعل من بعض خلقه الظالمين والجاحدين والغافلين عِبرةً لغيرهم من الخلائق؛ لينزَجِروا بهم، كما قال الله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: 137]، واللهُ تعالى يختم أخبار هلاك الظالمين من الأمم المُكذِّبة لرسلهم بقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (13) آل عمران، وبقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (21) الزمر، وبقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (3) الرعد، وذلك لِنعلمَ أن المراد من ذلك هو العظةُ والاعتبار، وأن القدرة الإلهية تحسم القضية، والواقع فيه خيرُ شاهد على انتقام الله تعالى من الظالمين،
فيا أيها المظلوم، استبشر بيوم ترى فيه ظالمَك ذليلًا صاغرًا، يتمنى أن تمور به الأرض مَورًا، ويا أيتها الثكلى، قَرِّي عينًا، فدموعُك الحارقة قد تلقَّتْها القدرةُ الإلهية وحوَّلتها إلى بَرْد يُثلِج الصدور، ويا أيها الضعيف، أنت قويٌّ بالقوي العزيز، الجبار المُتجبر، المنتقم الذي لا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء، ففي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (67) الزمر، وفي صحيح مسلم : (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يَأْخُذُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ – وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا – أَنَا الْمَلِكُ» حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-) وفي رواية: «يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ».
الدعاء