خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )
ديسمبر 28, 2024خطبة عن (كيف تكون سعيدا؟)
ديسمبر 30, 2024الخطبة الأولى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (13) آل عمران، وقال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) (66) النحل، وقال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (44) النور، وعن فرعون: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (24): (26) النازعات.
إخوة الإسلام
قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً): يَعْنِي فِي ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، ﴿لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ﴾، أي دلالة لذوي الْعُقُولِ وَالْبَصَائِرِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تعالى وتوحيده، وهذه دعوة للتفكر والتدبر والتأمل والاعتبار، ولا ينتفع بالعبرة إلا العقلاء، أصحاب النظر الكريم، والرأي السديد، والعقل الرشيد، من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن كان في قلبه خشية من العزيز الحميد،
والعبرة أنواع: ومنها: العبرة في بيان قدرة الحق سبحانه: وأعظم ما يكون ذلك بالنظر في مصنوعات الله، والتفكر في مخلوقاته، فالصنعة تدل على الصانع، ودقة الخلق تدل على عظمة الخالق، ورب العزة سبحانه يدعونا لنتأمل في خلقنا، وفي خلق السموات والأرض، وخلق النبات، والبحار، والحيوان،
ومن أنواع العبرة: الاعتبار بهلاك الظلمة والطغاة: فتأمل في عاقبتهم واعتبر: فهذا فرعون أغرقه الله في اليم، قال تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} (الذاريات:40)، وجعل من جثته وجيفته آية وعظة، وعبرة لكل الطغاة بعده، قال تعالى: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} (يونس:92)، فما أعظمها من عبرة ولكن أين من يعتبر؟، قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (يونس:92).
أيها المسلمون
واليوم -إن شاء الله تعالى- نتناول بعض الآيات التي فيها العبر، يقول علماء التفسير في قوله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (13) آل عمران، والآية تتحدث عن غزوة بدر: ففي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا﴾، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أن لْعَدُوَّ قَلِيلٌ قَبْلَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِمَا رَأَى، فَلَمَّا الْتَقَوْا بِبَدْرٍ قَلَّلَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ قَلَّلُوا فِي أَعْيُنِنَا حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً، فَأَسَرْنَا رَجُلًا فَقُلْنَا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا، وقال بَعْضُهُمُ: (الرُّؤْيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي: يَرَى الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْهِمْ، قَلَّلَهُمُ اللَّهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ لِيَجْتَرِئَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ، ولا ينصرفوا عنهم، فَلَمَّا أَخَذُوا فِي الْقِتَالِ كَثَّرَهُمُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ، لِيَجْبُنُوا، وَقَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَجْتَرِئُوا عليهم)،
وكثيرًا ما تحقق هذا الوعد، فقد ذكره القرآن في قصة طالوت وجالوت، ومعركة بدر، وفي الخندق، في كل هذه المعارك والغزوات النبوية كان ميزان القوة لصالح الكفر، ولكن الله تعالى رجح ميزان الإيمان، قال تعالى: (قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (249): (251) البقرة، فأصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة، يرون أن الطائفة المنصورة هي التي معها الحق، ولو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب الظاهرة، والعدد والعدة، لجزم بأن الغلبة للفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم منه، لا يدركه إلا أهل البصائر، والإيمان بالله، والتوكل عليه، والثقة بكفايته، وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين،
أيها المسلمون
ويقول علماء التفسير في قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) (66) النحل، والعبرة في خلق الأنعام (الإبل والبقر والغنم) هي من نواح كثيرة، فهي في خلقها عبرة، وفي جمالها حين تريحون وحين تسرحون، وفي تذليلها للإنسان وإلفها له، ومن أرواثها يكون السماد الصالح، ومنها يتخذ الدفء والغطاء، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها يتخذ متاعا إلى حين، ولبنا سائغا للشاربين، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (إِذَا أَكَلَتِ الدَّابَّةُ الْعَلَفَ وَاسْتَقَرَّ في كرشها وطحنته كان أسفله الفرث وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنَ وَأَعْلَاهُ الدَّمَ، وَالْكَبِدُ متسلطة عَلَيْهَا تُقَسِّمُهَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجْرِي الدَّمُ فِي الْعُرُوقِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَيَبْقَى الْفَرْثُ كَمَا هُوَ). فهذه الآية الكريمة من أكبر الأدلة على وحدانية الله تعالى، ونفاذ قدرته، وعجيب صنعته، حيث استخرج من بين فرث ودم في بطون الأنعام ، لبنا خالصا سائغا للشاربين، وفى الآية إشارة إلى أن اللبن نعمة من نعم الله على خلقه، وفي سنن أبي داود: (أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِلَبَنٍ فَشَرِبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ. وَإِذَا سُقِىَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ. فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ اللَّبَنُ ». فاللبن هو أول ما يغتذي به الإنسان، وتنمى به الجثث والأبدان، وبه قوام الأجسام ، وقد جعله الله تعالى علامة على هداية هذه الأمة، ففي صحيح مسلم: في حديث الاسراء: (فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ – بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ)
أيها المسلمون
ويقول علماء التفسير في قوله تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (44) النور، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»، فمن دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى، أنه يقلب الليل والنهار، بمجيء أحدهما بعد الآخر، واختلافهما طولا وقِصَرًا، والتقليب على قسمين: التقليبُ الحسِّي: بأنَّ الله يَقْلِب الأرضَ: بَدَلًا مِن أنْ كانتْ ضياءً ونهارًا إلى ليلٍ، ثم إلى نهارٍ، وهكذا. والتقليب المعنوي: ما يَحصُل في هذه الأيام مِن الحوادثِ والتغيُّرات، والعِزِّ والنَّصْر، والإذلال والخذلان؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران:١٤٠]. ومِن التقليب أيضًا تقليبُ الفصول؛ حيث يطول اللَّيلُ والنَّهارُ مَرَّةً في وقت الشتاء، ومَرَّةً في وقت الصيف، كل هذا من التقليب، ففي ذلك التقليبِ عِبرةً لأولي الأبصار؛ فصاحب البصيرة، يعرف ما في تقليب اللَّيلِ والنَّهارِ من قدرة الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾ [القصص:٧١]، ولهذا بيَّن الله مِنَّتَه على عباده؛ فقال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص:٧٣].
وكذلك ما يَحصُل في اللَّيل والنَّهار من الحوادث وتقلُّبات الأمور، فتَجِدُ هذا الْمُلْكَ لهذا الرَّجل؛ ثم ينقلب ذلك الْمُلْكُ إلى ذُلٍّ وأَسْرٍ، وتَجِدُ هؤلاء القومَ في عِزٍّ ونَصْرٍ وتمكينٍ، وإذا الأمرُ بالعكس، كُلُّ هذا مما يَستدِلُّ به الإنسان العاقل ذو البصيرة، على ما لله تعالى مِن قُدرةٍ في تقليب الأمور، ومن حِكْمةٍ في تدبيرها، فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر، ويقف المؤمن خاضعاً والقلب، مستكيناً وهو يتفكر في قدرة الله القوي العظيم في تقليب الجو: برودة ودفئاً، وصحواً وغيماً، وصفاءً وقترة، ففي كل ذلك عبرة لمن يعتبر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ويقول علماء التفسير في قوله تعالى عن فرعون: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (24): (26) النازعات. أي أن فرعون عندما تمادى في تكذيبه وعصيانه وطغيانه، كانت نتيجة ذلك أن أخذه الله – تعالى – أخذ عزيز مقتدر، بأن أنزل به في الآخرة أشد أنواع الإِحراق، وأنزل به في الدنيا أفظع ألوان الإِغراق وقدم سبحانه عذاب الآخرة على الأولى، لأنه أشد وأبقى، ففرعون قال: أنا ربكم الذي لا ربَّ فوقه، فانتقم الله منه بالعذاب في الدنيا والآخرة، وجعله عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين، ففي فرعون وما نزل به من العذاب لموعظةً لمن يتعظ وينزجر، فكل من تكبر وعصى، وبارز الملك الأعلى، عاقبه الله في الدنيا والآخرة، والمقصود من هذه القصة، تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتهديد المشركين، بأنهم إذا ما استمروا في طغيانهم، كانت عاقبتهم كعاقبة فرعون،
وكل زمان فيه فرعون، وفيه قارون، وفيه نمرود، وفيه أبو جهل، وإن تسمّوا بأسماء مختلفة، فقصة موسى عليه السلام مع فرعون في القرآن الكريم تتكرر في كل زمان ومكان، كما يتكرر انتصار الحق دائما، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا جَهْلٍ وَقَدْ جُرِحَ وَقُطِعَتْ رِجْلُهُ – قَالَ – فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ بِسَيْفِي فَلاَ يَعْمَلُ فِيهِ شَيْئاً. قِيلَ لِشَرِيكٍ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ يَذُبُّ بِسَيْفِهِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى أَخَذْتُ سَيْفَهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى قَتَلْتُهُ – قَالَ – ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ قَدْ قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ – وَرُبَّمَا قَالَ شَرِيكٌ قَدْ قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ – قَالَ «أَنْتَ رَأَيْتَهُ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «آللَّهِ». مَرَّتَيْنِ. قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «فَاذْهَبْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ». قَالَ فَذَهَبَ فَأَتَاهُ وَقَدْ غَيَّرَتِ الشَّمْسُ مِنْهُ شَيْئاً فَأَمَرَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ فَسُحِبُوا حَتَّى أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ – قَالَ – وَأُتْبِعَ أَهْلُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً وَقَالَ كَانَ هَذَا فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ. وفيه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «هَذَا فِرْعَوْنُ أُمَّتِي».
الدعاء