خطبة حول حديث (حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ) (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ )
أكتوبر 5, 2024خطبة عن ( الحياةُ الدنيا لهوٌ ولَعِبٌ ،والدّارُ الآخرةُ خيرٌ للذينَ يتّقونَ)
أكتوبر 12, 2024الخطبة الأولى (إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَحْداث لَعِبْرَةً)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (13) آل عمران، وقال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (44) النور
إخوة الإسلام
الأيام دائرة، والمنايا حاضرة، والمواعِظُ قارعة، والحوادِثُ زاجِرة، وهنا مصارِعُ مُوقِظَة، وهناك خُطوبٌ مُنذِرة، وفتنٌ وتقلُّبات تُوجِبُ التفكُّر والتذكُّر والعِظَة والعِبرة؛ فأين أهلُ الاتِّعاظِ والادِّكار، وأين أهل الاعتبار والانزِجار؟، فطُوبَى لمن نفعَتْه التذكِرة، وأيقَظَته العِظَة، فأخذَ الحَيطَةَ والحَذَر، ويا خسارةَ من حجبَه هواه، فما ازدادَ بالحوادث إلا غفلة، وبالعِظات إلا قسوة، قال تعالى: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران:7]، وقال تعالى: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) [الأعلى:10،11]،
فأهل العظة والتذكر والاعتبار هم الفئة الناجية، وهم أهل الخشية لله، ومن الملاحظ أن هناك علاقة بين الاعتبار والخشية في القرآن الكريم، فقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) النازعات:26، فالذي يعتبر هو الذي امتلأ قلبه من خشية ربه، وأيضاً لا يعتبر إلا أصحاب العقول، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) يوسف:111، وهذا العقل لا بد من المحافظة عليه، حتى نستطيع الاعتبار به، قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق:37، ولا بد لنا من بصر وبصيرة واعية لنتعظ ونعتبر، قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ) النور:44،
أيها المسلمون
وحياة البشر هي مجموعة من الحوادث والوقائع، وعلى الرغم من ذلك، فقلة من الناس هم الذين يستطيعون الاستفادة من هذه الأحداث، في أخذ العبرة والعظة منها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه القرآن ليربي أصحابه، بالأحداث والوقائع للأمم والشعوب والمجتمعات السابقة، بهدف أخذ العبرة والعظة، واستيعاب سنن الله في هذا الكون، والتفريق بين الخير والشر، والحق الباطل ، وتثبيت الإيمان في القلوب، والاقتداء بأصحاب العزيمة والارادة القوية، واستشعار عظمة الله وقدرته، وفضله على عباده المؤمنين، وشدة بطشه وعذابه وانتقامه من الكافرين والمنافقين والظالمين والمتكبرين؛ قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (6): (14) الفجر
وكانت هذه التربية القرآنية للمؤمنين تزيدهم إيمانا، وتقوى عزائمهم، وتشحذ من هممهم، رغم العذاب والاضطهاد، فمهما كانت قوة البلاء، فالمسلم يعلم أن له رباً عظيماً، وإلهاً رحيماً، بيده مقاليد السموات والأرض، يبتلي عباده فيرفع مكانتهم، ويزيد في ثوابهم، ثم يمكن لهم، ففي صحيح البخاري: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا. فَقَالَ « قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ،وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»،
واستمر القرآن الكريم في تربية المؤمنين بالأحداث في كثير من آياته، وأخذ المسلمون الدروس والعبر، واستفادوا منها في تزكية نفوسهم، وصناعة مستقبلهم، فقص القرآن الكريم عليهم قصة أصحاب الأخدود، فقال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (4): (9) البروج
أيها المسلمون
ويجب علينا نحن -المسلمين- اليوم، أن نستفيد من الأحداث الجارية، في إعادة ترتيب وتقييم أوضاع أمتنا الاسلامية، وأخذ الدروس والعبر مما يحدث، وتقييم أدائنا، ومراجعة مواقفنا، وتصحيح أخطائنا، لنعيد للأمة الاسلامية ريادتها ومجدها المسلوب، وحضارتها الضائعة، نعم أقصد: (الحرب على غزة، وغيرها من بلاد المسلمين)،
فالأيامٌ مرت كأنها أعوام، وهي مثقلة بالأوجاع والآلام، إنها حربٌ قضَّت المضاجع، وأثخنت في المستضعفين المواجع، وألهبت فينا الآلام، فالحرب على غزة لم تكن كسائر الحروب، بل كانت خرقاً صارخاً لكل معاني الإنسانية، ومصادرةً للقيم والأخلاق، وقد رأى العالم كله أبشع معاني الفتك والتدمير، والقتل والإبادة، من ترسانةٍ حربيةٍ هائلة، وأسلحةٍ محرمة، وتدميرٍ جماعيٍّ، يدُكُّ المدن، ويهلك الحرث والنسل، فلا يفرق بين الأم والطفل، والمدرسة والمسجد ، والبيوت والمستشفيات، إنها حرب مجنونة، تبرأت من كل معاني الرحمة والعقل، ولقد رأى الجميع ما تقشعر له الأبدان، من آثار القتل والعدوان، على شعبٍ أعزل ومحبوسٍ ومحاصر، والنتيجة دمارٌ هائل، وآلاف القتلى والجرحى، كل ذلك تحت سمع العالم وبصره، في حادثةٍ أحرجت منظمات العالم الدولية، وأسقطت الأقنعة، وكشفت زيف الشعارات البراقة.
وبالرغم من كل هذه الجراحات، ففيما أجراه الله وقدره حكماً بالغةً، وآياتٍ باهرة، ودروسًا وعظاتٍ، وإخفاقاتٍ ونجاحات، وإيقاظاً للمسلمين، ووعيًّا بحقائق يجب أن يكون لوعي المسلمين بها أبلغ الأثر في حياتهم الحاضرة والمستقبلة.
ومن هذه الحقائق والدروس والعبر: أن الإيمان في قلوب المؤمنين، أقوى من كل قوى البشر، وأن الميزان ليس بكثرة العدد، ولكن بقوة الإيمان والصبر والجلد، فقد قال الله تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة:249]، وقال تعالى: (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ) [آل عمران:160]. فشعب غزة المحاصر، استطاع أن يصمد أمام جيشٍ مدججٍ بأحدث ما وصلت إليه آلة الحرب، من تكنولوجيا القتل والتدمير، مع تجاوز أخلاقيات الحروب، ومع ذلك ينتصر الإيمان، ويعجز الظالم عن تحقيق الأهداف، قال تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) [الأحزاب:25]. إن آلة الحرب لا تصمد أمام قوة الإيمان ،ولا يمكن هزيمة شعب باع نفسه لله، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (111) التوبة، فبالإيمان وحده تنتصر الأمة، والمرابطون في أكناف بيت المقدس صابرون صامدون ما هانوا ولا استكانوا، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (146): (148) آل عمران
ومن هذه الحقائق والدروس والعبر: إعلان هوية الأمة، فحين يستنصر المجاهد بالله، ويقاتل باسم الله، ويلفظ الشهيد أنفاسه بتوحيد الله، ويصرخ الجميع (حسبنا الله)، ففي هذا دليل أن هذه الأمة تستمد قوتها من الله تعالى، ولذلك فحين انكسر المسلمون في أُحُد، قال الله تعالى لهم: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (137): (144) آل عمران، وقال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (104) النساء
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَحْداث لَعِبْرَةً)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن هذه الحقائق والدروس والعبر التي أظهرتها أحداث غزة: تلاحم الشعوب الاسلامية وترابطهم، وتداعيهم لنصرة إخوانهم في الدين، بالجهاد والدعاء والمال، فلقد استجاشت ولاءات المسلمين لبعضهم، وأجمعوا على كلمة واحدة، وبقدر ما قرحت العيون من بكاء آلامنا، بقدر ما قرت من تلاحم صفوفنا، لقد وصلت الشعوب المسلمة إلى مرحلة من الوعي والإدراك يجب أن نتعاطى معه بقدر من المسئولية، بل إن من المبشرات أن تعي الأمة وتدرك حقيقة ما يجري، وما يدبر لها من مؤامرات، وأن قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين، وليست قضية شعبٍ أو عرقٍ أو حزبٍ أو منظمة. وعمق المأساة، وضخامة الحدث، يدعونا لاستثماره، والإفادة منه؛ وأن نزداد تلاحماً واتحاداً وتوافقاً وإخاءً، ورصاً للصفوف، وتوحيداً للجموع، وتوثيقاً للإخاء، قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال:46].
ومن الحقائق التي ينبغي الوقوف عندها: توعية الناس بالفارق العظيم بين منهج الإسلام في العلاقات الدولية والانسانية، وبين منهج الحضارة الغربية المعاصرة، وقد رأينا ذلك واضحا وجليا من خلال التعامل مع الأسرى من كلا الطرفين المتحاربين، فهذا يزيد بصيرة المتأمل بطبيعة الحضارة المعاصرة، حين تتخلى عن عبادة الله، والسير على منهاجه إلى عبادة التقدم المادي، والركون إلى نظم البشر، والذين لم يتخلوا عن طبيعتهم في الاستيلاء والاستحواذ والظلم والتجاوز، فأي عاقلٍ متجرد يرى المناظر الدامية، ثم يرى أصحاب القرار يدافعون عن المعتدي، ويتلمسون له الأعذار، ويحرمون صاحب الحق من المقاومة ودفع العدوان، ويسوون بين الضحية والجلاد،
ومن هذه الحقائق والدروس والعبر: أن من الأمور الهامة التي ينبغي أن نقوم بها عند النوازل والفتن والأحداث، أن نكثر من العبادات والطاعات: من صلاة، وصيام، وصدقة، ودعاء، وذكر، وصلة رحم، وتعاون، وبذل وعطاء، وتقديم معروف، وكف أذى، فالفتن والأحداث تذهب بعقول الكثير حتى توردهم المهالك، ولا يثبت إلا من عصمه الله، ولجأ إليه وساهم في إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وإذا رأى الله سبحانه وتعالى منا توبة صادقة، وإخلاصا في العمل، وصدقا في التوجه، وإرادة في التغيير إلى الأفضل، فإنه سبحانه وتعالى يعجل بالفرج، ويبدل الأحول، ويصبغ النعم، ويدفع النقم.
أيها المسلمون
إن أخذ العبرة والعظة من الأزمات، يساعد على تطوير وعي الأجيال الجديدة، وإنارة الطريق إلى المستقبل، وفي ذلك دعوة إلى إعمال العقل والتفكر والتدبر في الكون وكل ما يدور من حولنا. وأمرنا الله تعالى بالنظر في سير من قبلنا، للوقوف على العبر واستخلاص الدروس، التي ترشدنا في حياتنا، قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي اْلأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 137-138].
الدعاء