خطبة عن (الحياء) من أخلاق المسلم
نوفمبر 10, 2018خطبة عن قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)
نوفمبر 10, 2018الخطبة الأولى ( إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : « هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ ». فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَ اللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِى عَنْهُمْ ». قَالَ جُبَيْرٌ فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قُلْتُ أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلاَ تَرَى فِيهِ رَجُلاً خَاشِعًا . وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: ” لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرَّوِايَةِ ، إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ ” .
إخوة الإسلام
إن من أعظم الناس تقوى وخشية لله-عز وجل- هم العلماء ، كما قال الله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } فاطر 28،أي: إنما يخشاه حق الخشية العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى ، كلما كانت المعرفة به أتم ،والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم ، وأكثر. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير. وعن عكرمة، عن ابن عباس قال :العالم بالرحمن : من لم يشرك به شيئاً، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه ، ومحاسب بعمله. وقال سعيد بن جبير: الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل. ومن المعلوم أن أهل الخشية متفاوتون في خشيتهم ،بتفاوت علمهم ومعرفتهم بالله-تعالى-فكلما زاد العبد معرفة بربه ، زاد خشية وإنابة إليه. وقال الحسن البصري: العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه ، ثم تلا الحسن: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }
أيها المسلمون
فالعلم هو أساس ومنطلق معرفة الحق ،وسلوك الصراط المستقيم، وهو المصباح الذي يضيء للإنسان الطريق ،كي يبتعد عن الشبهات ،والشهوات ، والأهواء. ولذلك إذا لم يصاحب العلم إخلاص وتقوى وخشية ،يُدفَع بها الهوى ، لم يكن للعلم فائدة، بل يصبح وبالاً على صاحبه ،قائداً له إلى نار جهنم، عياذاً بالله تعالى. ولكي يزكو العلم ،ويعود بالنفع على صاحبه، ويقوده إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، فينبغي ربطه بعمل القلب. والقرآن الكريم يبيِّن تلك العلاقة العضوية ،بين العلم النافع ،وعمل القلب في قوله الله تعالى : {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْـحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الحج: 54]. ومعنى الآية الكريمة :أن الذين أوتوا العلم النافع ،والذي يفرقون به بين الحق والباطل، متيقنون أن ما أنزله الله – تعالى – على نبيه صلى الله عليه وسلم هو الحق، فيصدقوه وينقادوا له؛ لأن القلب هو موطن الإقرار والخضوع والإخبات لله، عز وجل ، وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : «لَيْسَ الْعِلْمُ لِلْمَرْءِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ الْخَشْيَةُ» ، فكثرة الرواية تدل على صحة الذاكرة وقوتها ،بينما الخشية تدل على صحة القلب وسلامته، وكم أوتيت الأمة من قبل منافقين علماء اللسان ، أصحاب قلوب مداهنة خائنة متكاسلة عن العمل والخشية . قال شيخ الإسلام: ” وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ . وَهُوَ حَقٌّ ، وَلا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَالِمٍ يَخْشَاهُ “، وفي هذا السياق قال مالك – رحمه الله -: «إن العلم ليس بكثرة الرواية؛ وإنما العلم نور يجعله الله في القلب» ، فالقلب موضع الإيمان والنية والعمل؛ لأن كل حركة أو موقف لا يكونان إلا بإرادة قلبية. ولذلك ينبغي أن نعتني بأعمال القلوب، ونضعها في أعلى سُلَّم الأولويات، ونهتم بتزكية قلوبنا وترويضها على الصدق والإخلاص والإخبات والرضا والخشية والإنابة إلى الله – عز وجل – لأن العالم إذا نوى بعلمه طلب الدنيا والرياء حبط عمله وتبدَّلت المثوبة في حقه عقوبة وعذاباً، نسأل الله – تعالى – السلامة، وهو ما يدل على الأهمية الخاصة لعمل القلب.
أيها المسلمون
وقال سفيان الثوري، عن أبي حيان[التميمي]، عن رجل قال: كان يقال : العلماء ثلاثة: -عالم بالله عالم بأمر الله: الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض. -وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود والفرائض. -وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى الله عز وجل. وقد تبين لنا أن أصل العلم خشية الله عز وجل، وأهل الخشية والخشوع هم أصحاب العلم الخاص وإن كان أحدهم لا يقرأ ولا يكتب ؛ وذلك لما وقر في قلوبهم من خشية الله ،وتعظيمه وإجلاله ،وإقبالهم على كتابه الكريم ،فدفعهم ذلك إلى القيام بطاعة الله -عز وجل-على أتم وجه وأحسنه. وروى الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ». وفي سنن الدارمي 🙁عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِماً حَتَّى لاَ يَحْسُدَ مَنْ فَوْقَهُ ، وَلاَ يَحْقِرَ مَنْ دُونَهُ ، وَلاَ يَبْتَغِىَ بِعِلْمِهِ ثَمَناً. وفيه : أن عَبْدَ الأَعْلَى التَّيْمِيَّ يَقُولُ : مَنْ أُوتِىَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لاَ يُبْكِيهِ لَخَلِيقٌ أَنْ لاَ يَكُونَ أُوتِىَ عِلْماً يَنْفَعُهُ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَعَتَ الْعُلَمَاءَ ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) إِلَى قَوْلِهِ (يَبْكُونَ) ، وفيه : (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِىِّ عَنْ أَبِى حَازِمٍ قَالَ : لاَ تَكُونُ عَالِماً حَتَّى تَكُونَ فِيكَ ثَلاَثُ خِصَالٍ : لاَ تَبْغِى عَلَى مَنْ فَوْقَكَ ، وَلاَ تَحْقِرُ مَنْ دُونَكَ ، وَلاَ تَأْخُذُ عَلَى عِلْمِكَ دُنْيَا. وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ : لاَ تَكُونُ عَالِماً حَتَّى تَكُونَ مُتَعَلِّماً ، وَلاَ تَكُونُ بِالْعِلْمِ عَالِماً حَتَّى تَكُونَ بِهِ عَامِلاً ،
أيها المسلمون
وخشية الله تعالى مقام من أعلى المقامات ،وصفة من أسمى وأعلى الصفات , بل هي شرط من شروط الإيمان قال الله تعالى : ” فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ” التوبة :13. والخشية خلق لا يتصف بها إلا عباد الله المتقين وأوليائه المحسنين: قال الله تعالى: ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (2) الأنفال . قال الإمام الطبري رحمه الله: ” ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله، ويترك إتباع ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه، والانقياد لحكمه، ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع لذكره، خوفًا منه، وفَرَقًا من عقابه” . وقال تعالى : ” اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (23) الزمر. وروى الترمذي في سننه : ( عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ :« كَيْفَ تَجِدُكَ ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد عاب الله تعالى على بني إسرائيل ووبخهم وقرعهم على قساوة قلوبهم وعدم خشيتهم له سبحانه فقال الله تعالى :” ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (74) البقرة . وضرب لنا سبحانه وتعالى مثلا طيبا في الخشية من الله عند سماع آياته فقال الله تعالى: ” لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (21) الحشر. فالخشية من الله تعالى هي ميزان الأعمال وزينتها , وهي سداها ولحمتها .
أيها المسلمون
ومن أقوال العلماء والسلف الصالح في العلم الذي يورث الخوف والخشية من الله : فعن الربيع بن أنس عن بعض أصحابه قال : علامة حب الله كثرة ذكره ،وعلامة الدين الإخلاص لله ،وعلامة العلم الخشية لله ،وعلامة الشكر الرضا بقضاء الله ، والتسليم لقدره) ، وقال الفضيل بن عياض : إنما الفقيه الذي انطقته الخشية ،وأسكتته الخشية ،إن قال قال بالكتاب والسنة ،وإن سكت سكت بالكتاب والسنة ،وإن اشتبه عليه شيء ،وقف عنده ورده إلى عالمه ) ، وعن ابن عون قال : سأل الحسن عن رجل ،فقال رجل : يا أبا سعيد الرجل الفقيه ،قال وهل رأيت بعينيك فقيهاً قط إنما الفقيه الذي يخشى الله عز وجل ) ، وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ إِنَّ الْفَقِيهَ حَقَّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطْ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ ،وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ،وَلَمْ يَدَعْ الْقُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ،إِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا عِلْمَ فِيهَا ،وَلَا عِلْمٍ لَا فَهْمَ فِيهِ ،وَلَا قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا .وعَنْ كَعْبٍ قَالَ : إِنِّي لَأَجِدُ نَعْتَ قَوْمٍ يَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ ،وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ ،وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ ،وَيَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ ،وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ ، وعَنْ هَرِمِ بْنِ حَيَّانَ، أَنَّهُ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْعَالِمَ الْفَاسِقَ فَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ وَأَشْفَقَ مِنْهَا مَا الْعَالِمُ الْفَاسِقُ؟ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ هَرِمٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهِ إِلَّا الْخَيْرَ يَكُونُ إِمَامٌ يَتَكَلَّمُ بِالْعِلْمِ وَيَعْمَلُ بِالْفِسْقِ فَيُشَبِّهُ عَلَى النَّاسِ فَيَضِلُّوا وكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ : إِنَّهُ مَنْ تَعَبَّدَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ ،وَمَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ ،وَمَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَةِ كَثُرَ تَنَقُّلُهُ
أيها المسلمون
وأعلموا أن من أعظم الأسباب التي تورث القلب الخشية : تدبر كتاب الله عز وجل ،والإقبال عليه ، فمن وقف عند حدوده ،وعرف حلاله وحرامه ، أوجب له ذلك الخوف من الله، والعمل بما علم ، وكذلك تعلق القلب بالآخرة، فمن علق قلبه بالآخرة ،عرف للدنيا قدرها ،وزهد فيها ،فقصر أمله ،وسابق لعمل الخير ،وكل ما يقربه إلى ربه ، وأيضا دوام المراقبة؛ فمن استشعر مراقبة الله له وأنه مطلع عليه استحيا من مخالفة أمره أو التقصير في طاعته.
الدعاء