خطبة عن ( رضا الله أفضل من الجنة )
سبتمبر 14, 2022خطبة حول قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )
سبتمبر 17, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (2) الانفال
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله- مع هذه الآية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، فقد قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها : يقول تعالى ذكره: (ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله، ويترك اتباعَ ما أنـزله إليه في كتابه ،من حدوده وفرائضه، والانقياد لحكمه, ولكن المؤمن :هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع لذكره، خوفًا منه، وفَرَقًا من عقابه, وإذا قرئت عليه آيات كتابه صدّق بها، وأيقن أنها من عند الله, فازداد بتصديقه بذلك، إلى تصديقه بما كان قد بلغه منه قبل ذلك، تصديقًا ) . فإن خوف الله من أكبر علاماته أن يَحجِزَ صاحبه عن الذنوب، قال سيد قطب في : (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) إنها الارتعاشة الوجدانية التي تنتاب القلب المؤمن حين يُذكّر بالله ، فإذا أردت أن تعرف المقياس الحقيقي لإيمانك فاعرض نفسك على هذه الآية ، ومن يدوم به الخوف والإشفاق فيما كلف ، يكون حذرا من التقصير حريصا على القيام بما كلف به. وفي قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ فوجه ذلك أنهم يلقون له السمع، ويُحضِرُونَ قلوبهم لتدبره، فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ لأن التدبر من أعمال القلوب؛ ولأنه لا بد أن يبين لهم معنًى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يُحدِثُ في قلوبهم رغبةً في الخير واشتياقًا إلى كرامة ربهم، أو وجلًا من العقوبات وانزجارًا من المعاصي، وكل هذا مما يزيد به الإيمان ، فمن أعظم علامات الإيمان: التأثر بكلام الله تعالى. وأما قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ أي : يعتمدون عليه في تنفيذ محابّه، لا على أنفسهم، وبذلك تنجح أمورهم وتستقيم أحوالهم، فإن الصبر والتوكل ملاك الأمور كلها، وهم يعتمدون في قلوبهم على ربهم وحده لا شريك له في جلب مصالحهم، ودفع مضارِّهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن الله سيفعل ذلك، فالتَّوَكُّل على الله هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
أيها المسلمون
فينبغي للمسلم أن يحسن ذكره لله تعالى ، حتى يجد ثمار الذكر وتتحقق مقاصده، ولا يتحقق ذلك إلا إذا صاحب الذكر باللسان الذكر بالقلب، ولا يكتفي الذاكر بمجرد تحريك اللسان والشفتين ، فثمار الذكر من الخشية وزيادة الإيمان لا تكون إلا عن تدبر وتفكر ، واكتفاء المسلم بذكر اللسان وحده دون ذكر القلب لا يحقق الثمار المرجوة من الذكر ، على وجهها ؛ فيكون عملا ناقصا ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في “الوابل الصيب” : ” ذكر القلب يثمر المعرفة، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات ، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من ذلك الإثمار، وإن أثمر شيئا فثمرته ضعيفة والسؤال : إذا اقتصر المسلم على الذكر باللسان وحده، فهل يؤجر؟ فالإجابة : نعم ، هو مأجور على ذلك بحسبه ، فإن حركة اللسان بالذكر : عمل صالح شُغِل به اللسان ، وهو طاعة قولية من طاعات اللسان ؛ فإن واطأ القلب اللسان : فذاك ؛ وإلا ، حصل له من الأجر بحسبه ، هذا مع أنه لا بد وأن يحصل له نوع مواطأة من القلب ، وإن لم تكن تامة ، ونوع انتباه لما يقول ، ولذلك يختار الدعاء مثلا في حال ، والاستغفار في حال ، والذكر المجرد في حال ، وهكذا ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا ، وقال النووي رحمه الله تعالى في “شرح صحيح مسلم”: ” قال القاضي عياض رحمه الله : وذكر الله تعالى ضربان : ذكر بالقلب ، وذكر باللسان : وأما ذكر اللسان مجردا : فهو أضعف الأذكار ، ولكن فيه فضل عظيم ، كما جاءت به الأحاديث ” ، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :” ثم الذكر يقع تارة باللسان ، ويؤجر عليه الناطق ، ولا يشترط استحضاره لمعناه ، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه ، وإن انضاف إلى النطق : الذكر بالقلب : فهو أكمل ، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر ، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ، ونفي النقائص عنه : ازداد كمالا ” ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ” فإن الناس في الذكر أربع طبقات: (إحداها) الذكر بالقلب واللسان ، وهو المأمور به. (الثاني) الذكر بالقلب فقط، فإن كان مع عجز اللسان : فحسن ، وإن كان مع قدرته : فترك للأفضل. (الثالث) الذكر باللسان فقط، وهو كون لسانه رطبا بذكر الله، وفيه حكاية التي لم تجد الملائكة فيه خيرا إلا حركة لسانه بذكر الله. ففي صحيح البخاري : (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا مَعَ عَبْدِى حَيْثُمَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ »، (الرابع) عدم الأمرين ، وهو حال الخاسرين ”
أيها المسلمون
فالمؤمن في حاله مع تلاوة القرآن بين الوجل والطمأنينة ، فلطالما تساءل بعض المسلمين عن سر وصف كتاب الله تعالى قلب المؤمن في أحد المواضع بأنه خائف وجل من عذاب الله وعقابه عند ذكره سبحانه، ومطمئن راج لواسع رحمته وشمول عفوه ومغفرته في مواضع أخرى. أما صفة الوجل لقلب المؤمن عند ذكر الله فقد وردت في أكثر من موضع من كتاب الله تعالى، ومنها قوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]. ، وأما صفة طمأنينة قلب المؤمن وسكينته وركونه إلى سعة رحمة الله وجزيل عفوه عند ذكره سبحانه فقد وردت في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ، ولا تعارض في الحقيقة بين الوجل الوارد في سورة الأنفال وبين الطمأنينة الواردة في سورة الرعد، وفي ذلك يقول الإمام القشيري في (لطائف الإشارات): “يقال: سنة الحق سبحانه مع أهل العرفان : أن يرددهم بين كشف جلال ،ولطف جمال، فإذا كاشفهم بجلاله وجلت قلوبهم، وإذا لاطفهم بجماله سكنت قلوبهم”. والحقيقة أن كلمة السر في هذا الوصف القرآني المزدوج لقلب المؤمن عند ذكره سبحانه، ومفتاح فهم المراد من ذلك في أكثر من موضع من كتاب العزيز الحكيم هو: التوازن الذي أراد الإسلام أن يراه في حياة المؤمن، والذي يجعله راجيًا طامعًا برحمة الله وعفوه وكرمه ،دون أن يترك العمل الصالح، وفي نفس الوقت خائفًا وجلًا من شديد عقابه ،دون أن يصل ذلك الخوف إلى القنوط واليأس من رحمة الله… نعم.. إن رجاء المؤمن بما عند الله من النعيم الذي وعد الله به عباده المتقين يدفعه إلى مواصلة العمل الصالح ،والتقرب إلى الله تعالى بالتزام أوامره ،واجتناب نواهيه، في الوقت الذي تردعه فيه نصوص الوعيد والتحذير من عقاب الله عن ارتكاب المحرمات أو التمادي في تجاوز حدود الله. وهكذا يعمل التوازن بين الوجل والطمأنينة في قلب المؤمن عمله في ضبط سلوكه في حياته الدنيا، فإذا ما جنحت نفسه نحو الإسراف في المعاصي وارتكاب ما نهى الله عنه ، ذكرها بالخوف من عقاب الله تعالى وعذابه حتى ترتدع وتعود عن ذلك، وإذا ما غلب الخوف على نفسه حتى بلغ به مبلغ القنوط من رحمة الله المنهي عنه ،ذكّرها بعظيم رحمة الله وآيات الرجاء. ، فمن يدقق في كثير من انحرافات بعض المسلمين في سلوكهم وأعمالهم في هذه الأيام، يجد أنها ناجمة عن سوء فهم لما ورد في كتاب الله تعالى من أعمال القلوب، وخاصة الوجل والطمأنينة : “الخوف والرجاء” ، سواء من خلال انتهاك بعضهم لنواهي الله بارتكابها، ناهيك عن عدم العمل بأوامره، بل وإسرافهم في الجرأة في تجاوز حدود الله.. اعتمادًا على فهم خاطئ لحسن الظن بالله ،والأمن من عقابه وعذابه.. أو من خلال إسراف البعض الآخر في الخوف من الله تعالى ،الذي يصل عندهم إلى حد القنوط من رحمته سبحانه ،أو اليأس من واسع عفوه ومغفرته. أما الصنف الأول الذي أسرف في الرجاء واعتمد عليه دون أن يقرنه بالخوف والوجل من الله تعالى، فقد وصل به المقام إلى ترك المأمورات والواجبات الإلهية، وهؤلاء وأمثالهم يصدق بحقهم قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99]. وأما الصنف الثاني الذي غلب عليه الخوف من الله دون أن يكون معه رجاء وحسن ظن بعظيم رحمة الله وعفوه، فقد وصل به المقام إلى القنوط من رحمة الله، والتي حذر منه كتاب الله في أكثر من موضع، قال الله تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]، وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن المتأمل لكتاب الله تعالى يمكنه أن يتلمس سمة التوازن بين الوجل والطمأنينة المطلوبة من المؤمن في كثير من آيات القرآن الكريم ومنها ، قول الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9]، ومنها قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57]، وقال تعالى في وصف أنبيائه ورسله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. ولقد أكد الإمام ابن القيم رحمه الله على ضرورة تلازم وجود صفتي الوجل والطمأنينة في قلب المؤمن في رحلة سيره إلى الله تعالى فقال : “القلب في سيره إلى الله بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان؛ فهو عرضة لكل صائد وكاسر”. ، كما أن التابعي المعروف مكحول قد حذر من مخاطر عبادة الله اعتمادًا على الخوف فقط ، أو على الرجاء فقط ،أو المحبة فحسب ، فقال : “من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري – الخوارج – ومن عبده بالرجاء فهو مرجئي، ومن عبده بالمحبة فهو زنديق، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحد سني”.
الدعاء