خطبة عن : مَا النَّجَاةُ ؟ ، وحديث (أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)
يوليو 24, 2021خطبة عن خلق عيسى بن مريم ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ )
يوليو 24, 2021الخطبة الأولى ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وأصحاب العقول، وَيعْتَبِرُ أُولو الْأَبْصَارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (19) الرعد ،وقال الله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (9) الزمر ،وقال الله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (197) البقرة ،وقال الله تعالى : (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (2) الحشر ،وقال الله تعالى : (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (44) النور ، وقال الله تعالى : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) (54) طه ، وقال الله تعالى : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) (128) طه
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر لآيات القرآن الكريم 🙁 إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) و(فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) و(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ) يتبين له أن الله تبارك وتعالى يخاطب أصحاب العقول والألباب ، وأولى الأبصار ، وأولى النهى ، وذلك لأنه لا يتَّعِظُ بآياتِ اللهِ ،ولا يَعتَبِرُ بها ،إلا أصحابُ العُقولِ السَّليمةِ الصَّحيحةِ ، فالقرآن الكريم دعا إلى إطلاق العقول من أسرها ، ودفعها للتأمل في ملكوت السموات والأرض ، واستعمالها في مختلف شؤون الحياة ، فباستخدام العقل يفرّق الإنسان بين الصالح والفاسد، وبين النافع والضار، وبين الحق والباطل، وبتعطيله تلتبس عليه الأمور ويفقد هذا التمييز، يقول الله تعالى : ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19]، فأصحاب العقول ،وأولو الألباب والبصائر هم وحدهم الذين يعلمون أن الذي أنزله الله تعالى هو الحق ، وهذه الفئة المؤمنة هي التي تذعن لسماع الحق، وتستقيم على نهج السنة، ولذلك كانت هي الطائفة المهدية، كما في قول الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18] ، إنهم الذين يعقلون فيوقنون، لأنهم يعملون عقولهم، ويستخدمون تفكيرهم في تأمل الآيات المشهودة، وتدبر الآيات المتلوة والمسموعة، إنهم الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 5]، ذلك أن هذه الموجودات البديعة التي تملأ هذا الكون الرحب لم تخلق سدى، بل هي كتاب مفتوح مليء بالإشارات والأسرار والدلائل الموجّهة إلى عقل الإنسان الواعي المفكر. هكذا حثّ القرآن الكريم الإنسان على التفكر الدائم، حتى يظل عقله أو قلبه حيا ، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، فالقرآن الكريم أعظمُ دعوة لإيقاظ العقل، والقرآن الكريم أعظم دعوة إلى التفكير، ولقد اشتمل القرآن الكريم على ( ألف ومائتين وستين) سؤالًا للعقل البشرى، معنى هذا أن القرآن خطاب للعقل، ومعنى هذا أن القرآن اعتمد الدليل العقلي، بل إن القرآن الكريم معجزة متفردة، ليست كمعجزات الأنبياء السابقين، لقد كانت معجزات الأنبياء قبل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- معجزات حسية، والقرآن الكريم ليس كذلك، ليس معجزة حسية، ليس عصا موسى، ولا ناقة صالح، ولا نار إبراهيم، إنه معجزة أخرى متفردة غير حسية، إنه معجزة عقلية تخاطب العقل. فالقرآن الكريم يخاطب كيان الإنسان كله : يخاطب عقله ووجدانه، ويوجه ملكاته الفكرية إلى التأمل، ويقيم الحجة على الحقائق التي يبيّنها له، ويدعو الإنسان إلى سلوك طرق البحث العلمي، ويحدد مبادئ المنهج الصحيح للوصول إلى الحقيقة، ويحاور عقل الإنسان، مستعملا أساليب بلاغية متنوعة حسب المقامات الخطابية، وبما يراعي طبيعة النفس الإنسانية، ويأخذ بعين الاعتبار رواسب العادات والتقاليد الاجتماعية وما تقتضيه من طرائق مناسبة في سوق الخطاب القرآني حتى يكون مقنعا، ولا يكون للناس حجة على الله بعد الرسل. فخطاب القرآن الكريم لذوي العقول، ولذوي الألباب، ولذوي النهى، كل هذا فيه تأكيد عظيم أن القرآن يدعونا إلى استعمال نعمة العقل والفكر ، وأن الإسلام هو الدين الذي جاء ليخاطب العقل البشري، لأن العقل الصحيح السليم لا يخطئ؛ ولذلك سمي عقلاً؛ لأنه يعقل صاحبه عن الهوى، وسمي حجراً؛ لأنه يحجر على صاحبه، وسمي نهية ونُهى؛ لأنه ينهى صاحبه عن الباطل وعما لا يحسن ولا يجوز.
أيها المسلمون
إن العقل نعمة عظيمة من نعم الله تعالى ، أنعم الله بها على الإنسان، إذ من خلاله يتعرّف الإنسان على أسرار خلق الله تعالى ،وعظيم صنعه، وبه يتوصّل إلى تصديق الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى لهدايته وسعادته، وذلك أنّ الإنسان لا يستطيع أن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبيّن إلا بالعقل، فالعقل هو آلة الإدراك والتمييز عند بني البشر، وبهذه الآلة فضّله الله تعالى على كثير ممّن خلق، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء 70. ولقد وجّهنا الله تعالى إلى استخدام هذه الآلة من خلال الحثّ على التأمّل والتفكّر والتدبّر والنظر في السموات والأرض وما فيهما، قال الله تعالى : (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) يونس 101. وقال الله تعالى :(أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج 46.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ، وَيعْتَبِرُ أُولو الْأَبْصَارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والعقل رغم مكانته يظلّ محدوداً، فهناك العديد من المخلوقات التي لا يستطيع العقل كشف كنْهها وحقيقتها، فهو وإن أدرك بعض ظواهر الأشياء، فإنّه لم يصل إلى أغوارها وأعماقها، وهذا ما نبّه عليه القرآن، فقال الله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الروم 7. فمسائل الغيب لا سبيل إلى معرفتها معرفة عقليّة خالصة، وإنّما طريق معرفتها الوحي. فإذا كان للعقل مكانة سامية في دين الله تعالى، ومنزلة رفيعة، فمع ذلك فإنّ له حدوداً لا يجوز تخطيها أو تجاوزها، لأنه إن فعل خبط خبْط عشواء، فهو في حاجة دائمة للشرع، لأنه تابع له، ومن شأن الشرع أن يعصمه. والإسلام دين الفطرة السوية، والحقيقة البينة، والعلم النافع، والعقل الناصع، فلا يمكن لإنسان سويٍّ منصف باحث عن الحقيقة، محب للعلم، معظم للعقل، يعرف الإسلام ثم لا يرضاه دينا، والمرء إن ولد بين أبوين مسلمين ولم تتلوث فطرته نشأ مؤمنا بالله تعالى، ولا يزال إيمانه في ازدياد ما ازداد من العلم النافع والعمل الصالح، والله تعالى قد ذم المشركين المقلدين لآبائهم في الكفر والطغيان من غير دليل ولا برهان، وعاب عليهم صنيعهم؛ قال الله تعالى حاكياً عن خليله إبراهيم أنه قال لأبيه وقومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:52-53]. وقد حثّ القرآنُ الإنسانَ على إعمال عقله، ودعاه إلى نبذ الجمود والتقليد، وبيّن أنّ من يغفل نعمة العقل فلا يستخدمها، فإنه ينزل إلى مرتبة دون مرتبة الحيوان، قال الله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) الأنفال 22. وقال في آية أخرى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف 179. وأكد على أنّ تعطيل العقل مفضٍ بصاحبه إلى النار، قال الله تعالى : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك 10.
الدعاء