خطبة عن (الناجون على الصراط)
أكتوبر 2, 2024خطبة حول حديث (حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ) (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ )
أكتوبر 5, 2024الخطبة الأولى (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في قصة نبي الله يوسف، يقول الله تعالى: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (88) يوسف
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع بعض آية من كتاب الله، نتلوها، ونتدبر معانيها، ونرتشف من رحيقها المختوم، مع قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (88) يوسف ، فالصدقة قربة عظيمة، وعبادة جليلة، وهي سبيل الصالحين، ونهج المحسنين، وزاد المذْنِبين، وطريق التائبين، وبرهان على إيمان المتصدقين، فالصدقة من الأدلة القوية على صدق إيمان العبد لله رب العالمين، وبالصدقة يتخلص المسلم من الحرص على الدنيا؛ ليقينه في ثواب الآخرة، ويثري في نفسه حب الخير للآخرين، فيشاركهم أحلامهم، ويخفف من آلامهم.
فتعالوا بنا نتعرف على: (المقصود بالصدقة، وأنواعها، وفضائلها، وجزاء المتصدقين)، وبداية: فقد سُمِّيَتْ صَدَقَةً، لأنها عطاءٌ على غَيْرِ ثَوابٍ عاجلٍ، دالَّةٌ على صِدْقِ مُعْطِيها في الطَّاعةِ، وليست الصدقة قاصرة على نوع معين من أعمال البر، ولكن الصدقة كلمة جامعة لكل خصال الخير، وأفعال البر، فكثير من الناس يظن أن الصدقة مقصورة على بذل المال للفقراء والمساكين، وهذا فهم قاصر لمدلول الصدقة وشموليتها، فالصدقة في الإسلام تشمَل كلّ عمل صالح يقوم به المسلم والمسلمة ابتغاء وجه الله، (من بذل المال، أو فعل الطاعات، أو الإحسان إلى الخلق، والمسارعة إلى ما ينفعهم). قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:114]، وقال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة:103، وقال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) البقرة: (271)، وقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (60) التوبة، وفي صحيح البخاري: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، وفيه: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ «فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ». قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ «فَيَأْمُرُ بِالْخَيْر». أَوْ قَالَ «بِالْمَعْرُوفِ». قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ»، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ». وفيه أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ»، وفي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)، وفي سنن الترمذي: (عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا». فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»، وصلاة الضحى من أعظم الصدقات: ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى)، ومن الصدقات المقبولة عند الله: أن تعفو عمن ظلمك في نفسك أو مالك أو عرضك، ففي (الإصابة لابن حجر) (عن عُلبةَ بنِ زيدٍ أحدِ بَني حارثةَ رجلٍ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: اللهمَّ إنِّي تَصدقتُ بِعِرضي على مَن نالَهُ مِن خلقِكَ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أينَ المُتصدقُ بعِرضِهِ البارحةَ؟» فقامَ عُلبةُ فقالَ: يا رسولَ اللهِ أنا، قالَ: «إنَّ اللهَ قدْ قبلَ صدقتَكَ». وفي رواية (وَأَمَّا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلَ , فَصَلَّى مِنْ لَيْلَتِهِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ وَرَغَّبْتَ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوَّى بِهِ، وَلَمْ تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِكَ مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ، وَإِنِّي أَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي بِهَا فِي مَالٍ, أَوْ جَسَدٍ, أَوْ عِرْضٍ، ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟, فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: (أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ فَلْيَقُمْ)، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: أَبْشِرْ, فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لَقَدْ كُتِبَتْ فِي الزَّكَاةِ الْمُتَقَبَّلَةِ)، وكذلك الإنفاق على الأهل فهو من اعظم الصدقات، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ). وكذلك كفُّ الأذى صدقة؛ ففي صحيح مسلم: (عن أبي ذر رضي الله عنه، قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». وفي مساعدة الآخرين صدقة؛ ففي مسند أحمد: (قَالَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ قَالَ «لأَنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ وَتَهْدِي الأَعْمَى وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ وَالأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ وَلَكَ فِي جِمَاعِكَ زَوْجَتَكَ أَجْرٌ»، وكذلك في انظار المعسرين صدقة: ففي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ». قَالَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ». قُلْتُ سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ». ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ». قَالَ «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ».
ومن الصدقات سقيا الماء، وحفر الآبار، أو مدِّ شبكاتِ المياه؛ ليشرب الناس والحيوان، ففي سنن النسائي: (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ». قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ «سَقْىُ الْمَاءِ»، وهنك الصدقات العلمية: وتعنى التصدق بنشر العلم والمعرفة، وتشمل تعليم الأشخاص الأمور الدينية والعلمية والتوجيه والنصح والإرشاد وتعد هذه من الصدقات الجارية، وكذلك الصدقات الجسمية: وتعني التصدق بالوقت والجهد والمشاركة الفعلية في خدمة الآخرين. والصدقات الدعوية: وتعني التصدق بالدعوة إلى الله والتعريف بالإسلام وتوجيه الآخرين إلى الطريق الصحيح.
أيها المسلمون
وفضائل الصدقة أكثر من أن تحصى، قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة:270]. وقال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276]. وفي السنَّة النبوية – عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ امرئٍ في ظل صدقته حتى يُقضَى بين الناس» (صححه الألباني)،
ولِعِظَم أجر الصدقة ولزوم تحقق أوصافها لتقع موقع القبول فإن ذلك يستدعي التخلص من مكائد الشيطان وتصفية العمل مما يمنع قبوله أو يخل بأحد أوصافه، ففي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئاً مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَىْ سَبْعِينَ شَيْطَاناً». وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَصَدَّقُ وَإِنَّمَا يَتَصَدَّقُ مَنْ يَبْغِي الثَّوَابَ، قُلِ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي أَوْ تَفَضَّلْ عَلَيَّ. وأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَصَدَّقْ عَلَيَّ، تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَصَدَّقُ، وَلَكِنْ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وأما عن جزاء المتصدقين، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (88) يوسف، فإن جزاء المتصدقين عظيم، فأول جزاء المتصدقين: محبة الله ورضاه، ومغفرة الذنوب وتطهير النفس، ولا يقتصر ثواب الصدقة في الدنيا فقط، بل وعد الله المتصدقين بثواب عظيم في الدنيا والآخرة. ففي الدنيا، يعدهم الله بالبركة وزيادة في رزقهم وتيسير أمورهم. وفي الآخرة، وعدهم الله بالمغفرة والجنة والنجاة من عذاب النار. قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) {البقرة:261}، ومن جزاء المتصدقين: الحماية من البلاء والمصائب: فتعد الصدقة وسيلة لصرف البلاء وتخفيف المصائب، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ»، ومن جزاء المتصدقين: أن يخلف الله لهم، ويزيدهم من فضله، ففي الصحيحين: (أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ)،
ومن جزاء المتصدقين: أن الصدقة بابٌ من أبواب الجنة؛ ففي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ – رضي الله عنه – بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ «نَعَمْ. وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ».
الدعاء