خطبة عن (السَمَّاعُون للْكَذِبِ الأَكَّالُون للسُّحْتِ)
نوفمبر 4, 2023خطبة عن (اهتمام الإسلام بصحة الأبدان)
نوفمبر 4, 2023الخطبة الأولى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (41) فاطر
إخوة الإسلام
في خلق السموات والأرض آيات ودلائل على قدرة الله تعالى، وتفرده في خلقه، قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (2): (4) الرعد، وقال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (10)، (11) لقمان
وفي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (41) فاطر، ففي ذلك بيان على أن الله سبحانه وتعالى كما أنه الخالق للسموات والأرض، فهو سبحانه الممسكُ لها أن تتغير عن موضعها الذي قدرها الله فيه، ولو فرض عقلاً زوالها عن مكانها، فلا يمكن لأحد غيره أن يمسكها ويعيدها في مكانها كما كانت، ولن يكون هذا التغيير إلا له- سبحانه- يوم القيامة، حين يختل نظام هذا الكون المترابط، فتتحطم الكواكب، وتتناثر النجوم، وتُسعَّر البحار بالنار، وتبعثر القبور، وفي ذكر قدرته سبحانه على حفظ السماء والأرض، فهو يذلك يخبرنا عن كمال قدرته، وتمام رحمته، وسعة حلمه ومغفرته، فهو سبحانه قضى أن تكون السماء والأرض مستقرتين، ليحصل للخلق القرار، والنفع، والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه وقوة قدرته، ما به تمتلئ قلوبهم له إجلالا وتعظيما، ومحبة وتكريما، وليعلموا أيضا كمال حلمه ومغفرته، بإمهال المذنبين، وعدم معالجته للعاصين، مع أنه لو أمر السماء لحصبتهم، ولو أذن للأرض لابتلعتهم، ولكن وسعتهم مغفرته، وحلمه، وكرمه { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }
أيها المسلمون
ويقول الدكتور (عبد الدائم الكحيل): (إن هذا الأمر يدعونا لنحمد الله تعالى الذي أعطانا هذه النعم وقال: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34]. كذلك أكَّد البيان الإلهي على أن كل شيء يسير في الكون بنظام، يقول تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد: 8-9]، وتأملوا عبارة (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) أي كل شيء يسير بنظام مقدر يضمن استمرار الحياة على ظهر هذا الكوكب. وهناك أمر مهم وهو أن الله تبارك وتعالى برحمته يمسك السماء بما فيها من كواكب ونجوم ومجرات وأحجار وغبار، كلها يمسكها ويبعد خطرها عنا وقد أودع في هذا الكون القوانين الفيزيائية التي تضمن ذلك. يقول تعالى: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج: 65]. فالله تعالى يمسك السماء بأجزائها وما تحويه من مخلوقات فلا يصلنا أي ضرر منها، بل إن الغلاف الجوي للأرض خلقه الله ليكون سقفاً نحتمي تحته ويقينا شر هذه الأحجار والنيازك، يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32].
أيها المسلمون
وإذا كان الله تعالى قد أمسك السماء والأرض في الحياة الدنيا، وحفظهما من الوقوع والزوال، فالله تعالى في الدار الآخرة يضعهما على إصبعه، لتتجلى بذلك قدرته، ففي صحيح مسلم: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ. قَالَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، وفي رواية: (جَاءَ حَبْرٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، أَوْ يا أَبَا القَاسِمِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ يَومَ القِيَامَةِ علَى إصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ علَى إصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ علَى إصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى علَى إصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ علَى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فيَقولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا ممَّا قالَ الحَبْرُ، تَصْدِيقًا له، ثُمَّ قَرَأَ: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا يُحكِمُ الله تعالى قبضَتَه على كلِّ شيء، ويَتصرَّفُ في السماء والأرض كيفَما يَشاءُ، ثُمَّ يَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: «أنا المَلِكُ»، أيِ: المُتفَرِّدُ بالمُلكِ. فلمَّا سَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قولَ اليَهوديِّ ضَحِكَ حتَّى ظَهَرت أنيابُه منَ الضَّحِكِ؛ تَصديقًا وتَعجُّبًا لقولِ اليَهوديِّ، من حيثُ إنَّ اليَهودَ يَعرِفونَ للهِ قَدْرَه وحقَّه منَ التَّوحيدِ والعِبادةِ والتَّنزيهِ، ولذلك قَرَأ صلى الله عليه وسلم قولَ اللهِ تَعالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، وتمامُ الآيةِ {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]، أي: ما عَرَفوه حقَّ مَعرِفتِه، وما عظَّمَ المُشرِكونَ اللهَ حقَّ تَعظيمِه حينَ أشرَكوا به غيرَه من مخلوقاتِه الضَّعيفةِ العاجِزةِ، وغفَلوا عن قُدرةِ اللهِ التي من مَظاهِرِها أنَّ الأرضَ بما فيها من جبالٍ وأشجارٍ وأنهارٍ وبِحارٍ يومَ القيامةِ في قبضتِه، وأنَّ السَّمواتِ السَّبعَ كلَّها مَطويَّاتٌ بيَمينِه، تَنزَّهَ وتَقدَّسَ وتعالى عمَّا يَقولُه ويَعتقِدُه المُشرِكونَ.
الدعاء