خطبة عن ( يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ)
ديسمبر 18, 2021خطبة عن ( التربية الإيمانية وأهميتها )
ديسمبر 18, 2021الخطبة الأولى ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه : (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ : « إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ »
إخوة الإسلام
إن الإيمان الحقيقيّ هو الذي يُعرِّفُ صاحِبَه بعَظَمةِ اللهِ تعالى، فيُبعِدُهُ عن التَّجاوُزِ في معصيتِهِ أو الاسْتِمرارِ في ذلك ، ويحثه على الطاعات ، ويدعوه إلى القربات ، ولذلك قال الإمام ابن بطة رحمه الله : (واعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين ،ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم ،والنجاة من العذاب الأليم، ولم يخبرهم برضاهم عنهم ، إلا بالعمل الصالح ،والسعي الرابح ، وقرن القول بالعمل ، والنية بالإخلاص، وحتى صار اسم الإيمان مشتملا على المعاني الثلاثة ، لا ينفصل بعضها من بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولا باللسان ، وعملا بالجوارح ، ومعرفة القلب ) ، وفي هذا الأَثرِ الذي تقدم ذكره : يَقولُ الصحابي الجليل : (عبدُ اللهِ بنِ مسعودٍ) رضي الله عنه: (إنَّ المؤمِنَ “يرى ذُنوبَهُ”، أي: ما اقْتَرَفَ مِنْ معاصٍ ، كأنَّه في “أَصَلِ جَبَلٍ”، أي: كأنَّ المؤمنَ واقفٌ عِنْدَ سَفْحِ جَبَلِ ، ويرى ذُنوبَهُ مِثْلَ ذلك الجَبَلِ “يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه”، أي: يَخافُ أنْ يَقَعَ هذا الجبلُ عليه، وهو في أَسْفلِهِ؛ وذلك لاسْتِعظامِ المؤمنِ أَمْرَ معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ، “وإنَّ الفاجِرَ”، أي: الفاسِقَ “يرى ذُنوبَهُ كذُبابٍ”، أي: مِثْلَ تِلْكَ الحَشَرةِ الصَّغيرةِ في حَجْمِها وأذاها؛ فذنبُه سَهلٌ عِندَه ، لا يعتقدُ أنَّه يَحصُل له بسببِه كبيرُ ضررٍ، كما أنَّ ضررَ الذُّبابِ عنده سهلٌ، “وقَعَ على أَنْفِهِ قال بِهِ هكذا، فطار”، أي: عِنْدما يَقَعُ على أَنْفِهِ فيتأذَّى منه أزاحَه بيدِهِ ليَطيرَ؛ وذلك لضَعْفِ هَيبةِ مَعصيةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى في قَلْبِ الفاجِرِ.
أيها المسلمون
وفي قول الصحابي الجليل:(إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ) : قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ : السَّبَبُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ مُنَوَّرٌ ، فَإِذَا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ مَا يُخَالِفُ مَا يُنَوِّرُ بِهِ قَلْبَهُ ،عَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ ، وَالْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْجَبَلِ : أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ قَدْ يَحْصُلُ التَّسَبُّبُ إِلَى النَّجَاةِ مِنْهُ ، بِخِلَافِ الْجَبَلِ ، إِذَا سَقَطَ عَلَى الشَّخْصِ لَا يَنْجُو مِنْهُ عَادَةً ، وَحَاصِلُهُ ، أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ لِقُوَّةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْإِيمَانِ، فَلَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِهَا ، وَهَذَا شَأْنُ الْمُسْلِمِ ، أَنَّهُ دَائِمُ الْخَوْفِ وَالْمُرَاقَبَةِ ، يَسْتَصْغِرُ عَمَلَهُ الصَّالح ، ويخشى من صَغِير عمله السيء وقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ : (إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ عُقُوبَتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٌ مِنَ الذَّنْبِ وَلَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْمَغْفِرَةِ ، وَالْفَاجِرُ قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ ، فَلِذَلِكَ قَلَّ خَوْفُهُ ، وَاسْتَهَانَ بِالْمَعْصِيَةِ ، فقَلْبَ الْفَاجِرِ مُظْلِمٌ ، وَوُقُوعُ الذَّنْبُ خَفِيفٌ عِنْدَهُ ، وقد اشتمل هذا الحديث على شطرين: الشطر الأول: تصوير للمؤمن اليقظ الوجدان، الحي الضمير، الشديد الخوف من الله تعالى، والمراقبة له سبحانه، الدقيق المحاسبة لنفسه، والمؤاخذة لها، وتصوير للفاجر المستهتر، لا يُبالي بالذنب يَرتكبه، ولا يتألَّم للخطيئة يقع فيها. أما الشطر الثاني: ففيه تصوير لسعة رحمة الله ،وفتح باب التوبة ليل نهار، وحثّ للمؤمنين المذنبين على الإسراع إلى الرجوع من الذنب فوراً، والتسمك بأهداب التوبة توّاً. فالمؤمن لا ينظر إلى نفسه إلاّ بعين اللوم والمحاسبة ، ولا ينظر إليها بعين الفخر والتزكية والعجب ، فهو بذلك يرقى في مراتب القرب من الله ،غير ملتفت إلى ما حصل عليه من ثواب ، آملا المزيد ، بل يخاف من الذنوب والخطايا ، مهما كانت صغيرة ، فرب مهلكة صغيرة أحبطت أعمال خير كثيرة ، ولسان حاله يقول : لا تنظر إلى صغر ذنبك ، ولكن انظر لمن عصيت ، وقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – الْمُوبِقَاتِ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ) ، فأكبر عقبة في اكتساب درجات القرب من الله تعالى هو التهاون في المعاصي، فالمؤمن يخاف ذنوبه مهما كانت صغيرة ،ويراقب نفسه ، ويستغفر الله مما ألمّ به من ذنوب على الدوام ، فرب صغائر اجتمعت على صاحبها فأهلكته ، لذلك فالمؤمن يخشى الله ويَتَّقْهِ ويرجو رحمته وثوابه ولا يتَّكِلَ إلى عمله ،مهما قدم من أعمال صالحة ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَأَبْشِرُوا ، فَإِنَّهُ لاَ يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ » . قَالُوا وَلاَ ، أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ » ، فالواجب على المسلم ألا يصر على فعل الذنوب ، فإن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة ، وقد قال الله تعالى في وصف عباده المتقين : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران 135 . قال النووي رحمه الله :” لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَتَابَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَتْ ذُنُوبُهُ ، وَلَوْ تَابَ عَنِ الْجَمِيعِ تَوْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ جَمِيعِهَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ ” ، ومن علامات إيمان العبد أن تسره حسنته ، وتسوؤه سيئته ، ففي سنن الترمذي :(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِينَا فَقَالَ …(مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ » ، فمحبة العبد للتوبة ، ورغبته في الاستقامة ، وبغضه للذنب الذي يفعله ، وشعوره بالهم والغم بارتكابه : من علامات صحة الإيمان ، ومن تصحيح التوبة والرجوع إلى الله . والخوف الحقيقي من الله ، هو ما حجز عن محارم الله ، وأول التوبة عدم الإصرار على الذنب . قال ابن القيم رحمه الله :” الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ الصَّادِقُ : مَا حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ مَحَارِمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: صِدْقُ الْخَوْفِ هُوَ الْوَرَعُ عَنِ الْآثَامِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَقال شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ : الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ مَا حَجَزَكَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ” ، فطريق التوبة : الاستقامة على طاعة الله ، وترك معصيته ، وعدم الإصرار على فعل الذنب ، وخير الخطائين التوابون ، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، فلا يكفي اعتراف العبد بالذنب مع تماديه فيه ، حتى يتوب إلى ربه ، ويسعى جاهدا في ذلك ، ويكثر من العمل الصالح ، فإن الحسنات يذهبن السيئات .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إنّ للمعاصي وكثرتها أثراً سيّئاً على المسلم في حياته وآخرته ، وحتّى في صحّته وبدنه، ولقد ذكر ابن القيّم -رحمه الله- للمعصية آثاراً كثيرةً عظيمةً عائدةً على المسلم، منها: أولا : حرمان العلم ، وحرمان الرّزق، فإنّ العلم نورٌ ، يجعله الله تعالى في قلب عباده، والمعصية تطفئ نور الله أينما حلّت، وأمّا في حرمان الرّزق، ففي مسند أحمد وغيره: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) ، ثانيا : ومن آثار المعاصي على المسلم : أنّها تجعل بين العبد وربّه وحشةً وبعداً ،حتّى أنّها لتضيّق على صاحبها علاقته مع النّاس من حوله، ولقد قال بعض الصّالحين: (إنّي لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي)، ثالثا : والعاصي لله معرّضٌ نفسه للعسر في أموره وقضاء حاجاته، فإنّ الله تعالى وعد المتّقين باليُسر وتدبير الأمور، وكذلك كان للبعيد عن الله وتقواه العسر في شؤونه. رابعا : وقد يكون من آثار المعاصي على الإنسان؛ أنّها تحرمه القيام بالطّاعات وتقعده عنها، فيُصبح المرء مع تكرار الذّنوب وإتيان الحرام كسولاً عن الطّاعات، ضعيف الهمّة لها، بل وأكثر من ذلك : أنّ المعصية قد تجرّ أختها من خلفها، فتتوالى المعاصي على الإنسان ، حتّى يكاد يهلك بها؛ لكثرتها، ثمّ تضعف همّته وييأس من التوبة والإقبال على الله بعد ذلك، ولأنّ من طبع القلب القسوة إذا تراكمت عليه الذّنوب؛ فإنّ الإنسان إذا غفل عن الله تعالى وأتبع نفسه هواها حيناً من الزّمن، فإنّه يعرّض نفسه لغشاوة القلب والرّان عليه، حتّى تصير هذه عادته بعد ذلك، وحينئذٍ قد يغلب عليه الانتكاس والتقهقر ، حتّى يسيطر عليه الشّيطان ، ويسوقه حيث أراد، وكلّ ذلك من شؤم المعصية الأولى وإن استصغرها الإنسان واستحقرها ، فتهاون الإنسان بالمعاصي والذّنوب واستصغرها، من عمل الشيطان وتزيينه للمسلم، فإنّه يبقى يوسوس للإنسان أنّ أعماله عظيمةٌ، وأنّ قيامه بواجباته جيدٌ يؤهله لقبول عمله والنّجاة من النّار يوم القيامة، ويظلّ يزيّن الشّيطان للإنسان أفعاله الحسنة، ويصغّر سيّئاته مقارنةً بأقرانه أو أصحابه ممن يتساهلون بالمحرّمات، حتّى تستقرّ نفس الإنسان وتطمئنّ أنّ ما يحدثه من ذنوبٍ لا يكاد يُذكر، وهي صغيرةٌ لا تحتاج لتوبةٍ ولا إلى قلقٍ من كثرتها أو زيادتها يوماً بعد يومٍ. لذلك فقد حذّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المسلم أيّما تحذيرٍ من استصغار الذّنوب والتّهاون بها؛ لسوء خاتمة هذا العمل، ففي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ». وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَاداً فَأَجَّجُوا نَاراً وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) ، فالذّنوب إذا أتاها الإنسان مستحقراً إيّاها ، متهاوناً بها، فجعل معصيةً في اليد ،ومعصيةً في الّلسان، ومعصيةً في العين؛ فإنّ كلّ هذه المعاصي ستجتمع عليه، وحينئذٍ لن تبقى صغائر بل إنّها ستكون وبالاً عليه، وتهلكه والمسلم الذي يحبّ الله تعالى ، ويسعى لمرضاته، يدرك قيمة الذّنب ، مهما صغر، ويعلم أنّه عظيمٌ في حقّ الله تعالى؛ فيخافه ، ويسعى للتّوبة منه في أقرب فُرصةٍ، مع النيّة على عدم العودة إليه في أيّ حال،
أيها المسلمون
وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ : أَنَّ قِلَّةَ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ ذُنُوبَهُ وَخِفَّتَهُ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى فُجُورِهِ ، وَفِي الْحَدِيثِ : ضَرْبُ الْمِثْلِ بِمَا يُمْكِنُ وَإِرْشَادٌ إِلَى الحض على محاسبة النَّفس وَاعْتِبَار العلامات الدَّالَّة عَلَى بَقَاءِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ ، وَفِيهِ : أَنَّ الْفُجُورَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ كَالْإِيمَانِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ ، وَرَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ وَغَيرهم مِمَّن يكفر بِالذنُوبِ ، وَقَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ : أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ عَظِيمَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُعَذِّبُ عَلَى الْقَلِيلِ ، فَإِنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
الدعاء