خطبة عن (أسباب نعيم القبر)
يوليو 12, 2025خطبة عن (آداب الجنائز) 2
يوليو 12, 2025الخطبة الأولى (إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (96): (98) الشعراء، وقال تعالى: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (22) البقرة، وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) البقرة: 165.
إخوة الإسلام
لقد أمر الله تعالى عباده بالإيمان به، فقال الله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (179) آل عمران، وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) (136) النساء، فكل العباد مأمورون بالإيمان بكل أركانه، فنعمة الإيمان بالله سبحانه وتعالى هي جنة الدنيا، وهي طوق النجاة الذي يحتمي به العبد أمام أمواج الشهوات والشبهات والفتن العاتية، فتحقيق الإيمان وتعلُّمه من أوجب الواجبات على المكلَّف، فقد قال اللهُ تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. ومن لوازم الإيمان تدبّر أسمائه وصفاته، وأفعاله الدالّة على كماله وعظمته وجلالته، ومن لوازم الإيمان: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير، وأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وذلك يوجب تعلّق القلب به سبحانه ومحبته، والتألّه له وحده لا شريك له.
وقوله: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (97)، (98) الشعراء، فهذه الآيات وإن كانت تصف حال الكافرين، إلا أنه ومن المؤسف أننا نلاحظ بعض المسلمين من يسوي بين المخلوق والخالق، (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، فليست التسوية قاصرة بالسجود للأصنام، أو الذبح للأنصاب، وغيرها من صور العبادات، ولكن من صور التسوية طاعة المخلوق في معصية الخالق، فيجعل أمر المخلق مطاعا، ويخاف من المخلوق أكثر من خوفه من الخالق، ويحب بعض المخلوقين أشد من حبه لله، وهكذا، فهو يسوي بين الخالق والمخلق في العبادة، فليست العبادة هي الركوع والسجود فقط، بل من أطاع أحدًا في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فإنه عابد له، كما قال الله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة:٣١]، وفي سنن البيهقي: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ :«أَجَلْ وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ». فهؤلاء الذين يُطبِّقون أنظمة حكوماتهم، مع مخالفتها للشرع، سيكون مآلهم يوم القيامة كهؤلاء الذين قالوا: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (97)، (98) الشعراء؛ فهم لم يسووهم بالله تعالى من كل وجه، فهم يعرفون أن الله -تبارك وتعالى- هو الخالق، الرازق، المدبر، المحيي، المميت، ولكن كما قال الله -تبارك وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ) [البقرة:165]، فقد سووا بينهم في المحبة والطاعة، قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله تعالى: (تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، قال: (ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق والإماتة والإحياء والملك والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل والطاعة، وهذا غاية الجهل والظلم)،
فكيف يسوي من خُلق من التراب برب الأرباب؟، وكيف يسوي العبيد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوي الفقير بالغني، والضعيف بالقوي، والعاجز بالقادر على كل شيء، فالله تعالى غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته وكماله مطلق، ليس له حد، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف، ففي الصحيحين: (عَنْ عَلِيٍّ – رضي الله عنه – قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى. قَالَ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»، فهؤلاء الذين اتخذوا مطاعين سوى الله، هم اتخذوا معبودين سواه، (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
وقوله: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، فمن صور تسوية المخلوقين بالخالق سبحانه: دعاء الأموات والاستغاثة بهم، فالدعاء عبادة، ففي سنن الترمذي: (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ولذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعاء غير الله، من الأحياء أو الأموات، وفي موطإ مالك: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». يعني: يُدعى من دون الله، ويُستغاث به من دون الله، فدعاء الميت والاستغاثة بالأموات عبادة لهم. قال الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ الأنعام:1، فالتوحيد الخالص: هو إفراد الله بالعبادة، وألا تصرف عبادة من العبادات لغيره؛ وأن تخاف سواه، وألا ترجو سواه، وألا تصرف العبادة لغيره،
ومن ذلك أيضا: الحلف بغير الله؛ ففي سنن الترمذي: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ». فإذا حلف بغير الله، فقد سوَّى غير الله بالله؛ ولذلك ينبغي للمؤمن أن يحذر الشرك دقيقه وجليله، ظاهره وباطنه، يحذر الشرك الذي في القلوب، والشرك الذي في الأقوال، والشرك الذي في الأعمال؛ فكل ذلك مما يجب أن يبعد عنه الإنسان، فلا تسوِّ بالله غيره، فالله تعالى ليس له نظير، وليس له مثيل، وليس له كفؤ.
وقوله: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ): فمن صور تسوية الخالق بالمخلقين: أن ترائي بعملك، فتطلب به اعجاب الناس وثناءهم، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ». قَالَ قُلْنَا بَلَى. فَقَالَ «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ»، وفيه أيضا: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ)، وفي سنن الترمذي: (عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ». ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقوله: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ): فمن صور تسوية الخالق بالمخلقين: الذبح لغير الله: فمن العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله: ذبح الأنعام، من الاضاحي والهدي وغيرها، فمن ذبح لغير الله تعالى فقد جعله لله ندا ومساويا، وفي صحيح مسلم: (يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ». وروى الإمام أحمد (في كتاب الزهد) موقوفا: (عن سلمان قال: “دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب! قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب! فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة”، فالذبح لغير الله تعالى يُقصد به تعظيم المذبوح له، والتذلل له والتقرب إليه، فمن ذبح للأولياء والصالحين، أو ذبح للجن والشياطين، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن حكم الذبح لغير الله، وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟، فأجاب قائلا: الذبح لغير الله شرك أكبر، لأن الذبح عبادة، كما أمر الله به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر: (2). وقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام (162)، (163)، فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرجا عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة).
وقوله: (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ): فمن صور تسوية الخالق بالمخلقين: النذر لغير الله تعالى: قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة:270]؛ يعني: فيجازيكم عليه، وفي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ». فالنذر لغير الله نذر باطل، وشرك بالله، لأن النذر عبادة يتقرب بها إلى الله، والعبادة حق لله، والنذر عبادة، والصوم عبادة، والصلاة عبادة، والدعاء عبادة، فيجب إخلاصها لله وحده، ولا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أن النذر لغير الله من الشرك الاعتقادي؛ لأن الناذر لم ينذر هذا النذر الذي لغير الله، إلاَّ لاعتقاده في المنذور له أنه يضر وينفع، ويعطي ويمنع، إما بطبعه، وإما بقوة السببية فيه، ويجلب الخير والبركة، ويدفع الشر والعسرة، والدليل على اعتقاد هؤلاء الناذرين وشركهم: حكيهم، وقولهم أنهم قد وقعوا في شدائد عظيمة، فنذروا نذراً لفلان وفلان من أصحاب القبور، فانكشفت شدائدهم، واستراحت خواطرهم، وقام بنفوسهم أن هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم، ودفع مرهوبهم.
الدعاء