خطبة عن (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ)
أغسطس 19, 2019خطبة عن حديث (خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ)
أغسطس 24, 2019الخطبة الأولى ( فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (18) الجاثية ،وقال الله تعالى : (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (135) النساء ،وقال الله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (40) ،(41) النازعات
إخوة الإسلام
إن الغاية العظمى التي خلق الله الإنسان من أجلها هي عبادة الله وحده، وحتى لا يخرج الإنسان عن هذه الغاية فقد بين له طريق الخير ودعاه إليه، وبين له طريق الشر وحذره منه، وجعل للهداية أسباباً يسلكها من أراد الهدى، وموانعاً يسلكها من ضل وغوى، فمن أسباب الهداية مخالفة النفس والهوى، ومن موانع الهداية اتباع طريق الضلال والغواية، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، والإنسان مجبولٌ على الميل إلى الشهوات ، والشريعة المطهرة بينت لنا أحكام الشرع كما أرادها الله- عز وجل- فيما يصلح الكون ،ويلاءم الفطرة البشرية السوية، فواجب على المسلم اتباع الشرع المطهر في كل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر ،ومن أشد الأمراض التي تصيب القلوب فتفتك بها ،وتكون حائلاً بينها وبين الهداية هو مرض (إتباع الهوى) ،ولخطورة هذا الداء فقد جعل سبحانه الفلاح والفوز يوم القيامة مرهون بمخالفة هوى النفس ،فقال الله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (40) ،(41) النازعات ،والهَوَى : هو محبةُ الإِنسان الشيء وغَلَبَتُه على قلبه، ومتى تُكُلِّمَ بالهَوى مطلقاً لم يكن إِلا مذموماً ، يقول ابن القيم- رحمه الله-: «وأما الهوى فهو ميل النفس إلى الشيء وفعله ) ،وقيل: هو «نزوع النفس لسفل شهواتها في مقابلة معتلى الروح المنبعث انبساطه )
أيها المسلمون
وقد جاء ذكر ذم الهوى في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة ،أما ذم الهوى في كتاب الله تعالى : فقد جاء التحذير من اتباع أهل الأهواء في قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية:18-19]. وقوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص23] ،كما ورد أيضا ذم الهوى في السنة المطهرة : ومنها : ما جاء في شرح السنة للبغوي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ ” والمعنى: لا يؤمن الإيمان الكامل حتى يكون هواه يعني: إرادته وميله في طاعة الله ومع شرع الله، لا مع المعاصي والمخالفات ،ومما جاء في ذم الهوى أيضا : ما رواه الإمام أحمد في مسنده : قال صلى الله عليه وسلم (.. وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لاَ يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلاَ مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ » ، ومنها أيضا ما جاء عَنْ أَبِى بَرْزَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَىِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلاَّتِ الْهَوَى » رواه أحمد ، وفي مسند البزار : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُهْلِكَاتُ ثَلاثٌ : إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ ، وَهَوًى مُتَّبِعٌ ).
أيها المسلمون
وأما عن أقوال العلماء والسلف الصالح في ذم الهوى ، والتحذير منه : فقد قال سهل: «ترك الهوى مفتاح الجنة)، وقال: «قسم الله الأعضاء من الهوى لكل عضو منه حظا، فإذا مال عضوٌ منها إلى الهوى رجع ضرره إلى القلب) وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «أنتم في زمانٍ يقود الحق الهوى، وسيأتي زمانٌ يقود الهوى الحق ، فنعوذ بالله من ذلك الزمان) ، وقال الجنيد: «علل القلوب من اتباع الهوى ،كما أن علل الجوارح من مرض البدن) وذكر ابن القيم أقوالاً للعلماء عن الهوى وهي: قال معاوية: المروءة ترك الشهوات وعصيان الهوى. وقال أبو الدرداء: إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله، فإن كان عمله تبعا لهواه ،فيومه يومُ سوء ،وإن كان هواه تبعا لعمله ،فيومه يومٌ صالحٌ.
أيها المسلمون
ومتبع الهوى أصبح منقاداً لهواه, غير متحرر من عبوديته لشهوات نفسه, فكلما هويت نفسه شيئاً أقدم إليه, دون رادع يردعه فلذلك تظهر على أعماله بعض المظاهر نذكر لكم منها : أولاً: الجدل بالباطل وعدم الاعتراف بالخطاء : فصاحب الهوى تجده لا يتقبل النصيحة ولا النقد ويفسر هذا النصح بالكراهة له من قبل الناصح ، ثانياً: من مظاهر وعلامات اتباع الهوى : إنكار بعض المنكرات دون البعض لهوىً في نفسه: فمثلا: أن تهوى نفسه شيئاً قد يكون منكرا فيقلل من شأنه ويهون منه وربما اتخذا لنفسه معاذير في فعله, وما لا تهواه نفسه ينكره بشده وربما يشتد في إنكاره ، ثالثاً: من مظاهر وعلامات اتباع الهوى : تضخيم بعض الأمور مع التساهل في غيرها : قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يصف حال هؤلاء: «إنهم يتبعون هواهم لا أمر الله فهؤلاء لا يفعلون ولا يأمرون إلا بما يحبونه بهواهم ولا يتركون وينهون إلا عما يكرهونه بهواهم وهؤلاء شر الخلق قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: 43], رابعاً: من مظاهر وعلامات اتباع الهوى : إتباع السقطات والزلات : فهناك أناس كأنهم نذروا أنفسهم لاتباع سقطات الآخرين ويعدون هذا دفاعا عن الحق ،قال ابن قيم الجوزية في وصف من هذا طبعه فقال: «ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوي عليها فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمّه وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ، خامساً : من مظاهر وعلامات اتباع الهوى : التعلق بالأشخاص وتعظيمهم : وهو التعلق بالأشخاص حبا لشخصه وليس التعلق بالشخص حبا لعلمه أو لدينه, سادساً : من مظاهر وعلامات اتباع الهوى : اتباع المتشابِه : فهو يحب تتبع المتشابه من نصوص الشرع كما قال الله سبحانه: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ﴾ [آل عمران:7]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولاشك أن لمتبع الهوى أسباباً تدفعه لاتباع هواه, وإيثار هوى نفسه على طاعة الله, ولابد من معرفة هذه الأسباب حتى يتجنبها العبد للتخلص من هذا الداء الخطير, ومن هذه الأسباب ما يلي: أولاً : ضعف المعرفة بالله والدار الآخرة : فلو عرفنا الله حق المعرفة وقدرنا ربنا حق قدره ما آثرنا هوانا على ما يحبه ويرضاه سبحانه وتعالى ، ثانياً : فراغ القلب من الإخلاص لله عز وجل: فإذا انعدم الإخلاص لله عز وجل في قلب العبد استحوذ عليه الهوى وانقطعت عنه موارد التوفيق وخرج عن الصراط السوي ، ثالثاً : مجالسه أهل الأهواء: لأنه سوف يقتدي بهم قال ابن عباس : «لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب ، رابعاً : تقصير الآخرين في نصيحته وبالتالي قد لا يرى أنه مخطئ ، خامساً: الجهل بهذا الداء الخطير: فالذي يجهل آثار الهوى ولا يدرك خطورة هذا المرض لا يميز بين باعث الهوى وما ليس كذلك ، سادساً : الكبر والعناد: وهذا من أخطر الأسباب المؤدية إلى اتباع الهوى, فقد يتمادى المرء في طاعته لهواه مع علمه ببطلانه لكن استكباره عن الرضوخ للحق أصبح مانعاً بينه وبين الانقياد لله
أيها المسلمون
أما عن النتائج والمفاسد المترتبة على إتباع الهوى فهي كثيرة ، وأذكر لكم منها :ظهور الاختلاف المذموم بين المسلمين ، وتفريق أو تمزيق وحدة الصف ، والحرمان من العون والتأييد الإلهي ، ومتبع الهوى يصاب بنقصان بل تلاشي الطاعة. ويصاب بمرض القلب ثم قسوته وموته. ويستهين بالذنوب والآثام. ولا يجدي معه النصح والإرشاد. ويفتح على نفسه مداخل الشيطان وباب الابتداع في دين الله. ويصاب بالتخبط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم. بل ويعمل على إضلال الآخرين وإبعادهم عن الطريق. وتضعف عزيمته ويحرم من توفيق الله عز وجل. وتكون خاتمته سيئة. وجزاؤه العقوبة الأخروية والصيرورة إلى الجحيم وبئس المصير. أما عن علاج داء ومرض الهوى : فمن أهم الوسائل التي تكون علاجاً لهذا الداء الخطير :فالمعرفة بالله والدار الآخرة فمعرفة الله – عز وجل – حق المعرفة يولد في النفس حبه وإجلاله. وامتلاء القلب بالإخلاص لله عز وجل. واجتناب مجالسة أهل الأهواء مع الإكثار من مجالسة أهل الصلاح والاستقامة. والنصيحة والتواصي بالحق والتذكير بعواقب اتباع الهوى. ومعرفة الضرر الناتج عن هذا الداء الخطير. والتعويد على ضبط الهوى منذ الصغر. والتحذير من الركون إلى الدنيا والاطمئنان به. والاستعانة الكاملة بالله – عز وجل – فإنه سبحانه يعين من لجأ إليه ولاذ بحماه، وطلب العون و التسديد منه،
الدعاء