خطبة عن الجن واستراق السمع (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا )
نوفمبر 5, 2022خطبة عن ( الدُخَانُ المُبِينُ) {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}
نوفمبر 6, 2022الخطبة الأولى ( اتباع الهَوَى واتّخَاذَه إِلَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) (43) الفرقان ، وقال تعالى 🙁أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (23) الجاثية ،وقال تعالى: (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص (26)
إخوة الإسلام
إن الاستسلام لله تعالى ،والانقياد له سبحانه بالطاعة، هو أصل الدين ،فمن أسلم وجهه لله ،ووقف عند حدود الله ،فقد اهتدى، ونال الدرجات العلى قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعـات:40،41) ، وأما من اتبع نفسه هواها، فإن عاقبته تكون الهلاك والخذلان ،وذلك لأن المعاصي، والبدع، والموبقات تأتي من تقديم الهوى على الشرع، قال الله تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ص (26)، وفي صحيح مسلم: (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»، فمن اتخذ هواه إلهًا له، فلا يهوى شيئًا إلا فَعَله، وتراه لا يسمع مواعظ الله، ولا يعتبر بها، فقد طبع الله على قلبه، فهو لا يعقل به شيئًا، وقد جعل الله على بصره غطاء، فلا يبصر به حجج الله، فمَن فَعَل الله به ذلك فلن يهتدي إذن أبدًا، ولن يجد لنفسه وليًا مرشدًا، ومن المعلوم أن اتباع الهوى ليس على منزلة واحدة، فمنه ما يكون كفرا أو شركا أكبر، ومنه ما يكون كبيرة، ومنه ما يكون صغيرة من الصغائر، فإن اتبع المرء هواه حتى قاده إلى تكذيب الرسول، أو الاستهزاء به، أو الإعراض عنه، أو قاده هواه إلى دعاء الأموات، أو جحد المعلوم من الدين بالضرورة كمن استحل الزنا أو الخمر ،فهذا مشرك شركا أكبر، وأما من اتبع هواه فحلف بغير الله تعالى، أو راءى بعمله، فهو مشرك شركا أصغر، وأما من اتبع هواه ففعل بدعة غير مكفّرة فهو مبتدع، فكل من عصى الله تعالى فهو متبع لهواه ، كما دل عليه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ) رواه البخاري ،فالواجب على المكلف أن تكون جميع أفعاله مطابقة لما أمره به معبوده وهو الله جل وعلا ، أما إذا كانت أفعاله تابعة لما يهواه، فقد صرف ما يستحقه عليه خالقه من العبادة والطاعة إلى هواه ، فكل ممن قدم هوى نفسه على هُدى ربه، فهو قد اتخذ إلهاً غيره. وعَن أَنَس رضي الله عنه أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء برأيه» . أخرجه الطبراني، وصححه الألباني.
واتباع الهوى يَمنع مِن حُسن الفهم والإدراك لما ينفع: قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءانِفًا أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ ﴾ [محمد:16]. وقال الله سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد:14]. فاتباع الهوى يَطمِسُ نورَ العقل، ويُعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويُضلّ عن الطريق المستقيم، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره، فيرى الحَسَن في صورة القبيح، والقبيحَ في صورة الحسَن، فأنى له الانتفاع بالتذكر والتفكر والعِظة، فكلما ضعف نور الإيمان في القلب كلما كانت الغلبة للهوى، وصاحب الهوى لا حكَمَةَ له ولا زمام، ولا قائد له ولا إمام، فإلهه هواه، وحيثما تولت مراكبه تولى، وأينما سارت ركائبه سار، فآراؤه العلمية، وفتاواه الفقهية، ومواقفه العملية، تبع لهواه، وصاحب الهوى ليس له معايير ضابطة، وصاحب الهوى تسهل استمالته من قبل أعداء الأمة، والمتربصين بها الدوائر، فسرعان ما يرتد خنجراً في خاصرة الأمة، وسوطاً يلهبُ ظهرَها، وعيناً يكشف سرها، فيكون داعيةً لتثبيط العزائم، وإماماً لكل متهتك وخائن ،وصاحب الهوى مفرق لجماعة المسلمين، مبتغٍ لهم العنت والمشقة، تراه معتزلاً كل من يخالف هواه، وإن كان أهدى سبيلا، مقرباً لكل من هو على شاكلته وإن كان للشيطان قبيلا، قال سعيد بن عنبسة: “ما ابتدع رجل بدعة إلا غلَّ صدرُه على المسلمين، واختلجتْ منه الأمانة”
أيها المسلمون
فاتباع الهوى إله قاهر، وأمره رعد قاصف، وقضاؤه برق خاطف، وبطشه سيل جارف، وكل الآلهة التي على الارض صنعها الهوى، ألا فجاهدوا أهواءكم، كما تجاهدون أعداءكم، وكان عمر بن الخطاب إذا خطب الناس يقول: «أفلح منكم من حُفظ من الهوى والطمع والغضب» ، وقد حذر الله عز وجل نبيه داود عليه السلام من أن يؤثر هواه في قضائه بين الناس على الحق والعدل فيه فيكون نتيجة ذلك ميله عن طريق الله، قال تعالى “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ” (ص: 26). وقال تعالى محذرا خاتم الأنبياء والمرسلين وأتباعه من المؤمنين من طاعة من أغفل الله قلبه عن ذكره، واتبع هواه المتقلب. فقال تعالى “وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” (الكهف: 28). وقال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” (النساء: 135). وهكذا يتبين لنا بجلاء أهمية مخالفة الهوى، وإن اتباع الهوى وقوع في الضلال ، قال تعالى “وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ” (المؤمنون: 71). فالحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة، وبالحق الواحد يدبر الكون كله فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة، ولو خضع الكون للأهواء العارضة والرغبات الطارئة لفسد كله، ولفسد الناس معه، واختلت الموازين والمقاييس،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اتّخَاذَ الهَوَى إِلَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والنجاة من اتباع الهوى تكون بالإقبال على كتاب الله عز وجل؛ ففيه الحصانة للعقول، وفيه الشفاء للصدور، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظة مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفاء لمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَة للمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس:57]. والنجاة من اتباع الهوى تكون بالخوف من الله، والحياء منه سبحانه؛ فيا من تتبع هواك فتعصي خالقك ومولاك؛ ألا تخاف الله، يقول إبراهيم بن أدهم رحمه الله: “الهوى يُردي، وخوف الله يَشفي، واعلم أنَّ ما يزيل عن قلبك هواك أن تخاف من تعلَم أنه يراك” ، والنجاة من اتباع الهوى تكون بمجاهدة النفس؛ فإن النفس البشرية كالطفل الصغير في حاجة إلى تربية وتأديب، فإن أدبت نفسك وهذبتها صلحت واستقامت، وإن أهملتها وتركتها خابت وضاعت وخسرت، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 – 41]. والنجاة من اتباع الهوى تكون بالتفكّر في العواقب والنتائج؛ فحين يتبع المرء هواه فيقوده إلى المهالك والمصائب والمناكر، فيسرح في هذه الدنيا كما تسرح البهائم، لا همّ له ولا هدف له إلا أن يشبع غريزته ويلبي داعي هواه، حتى ولو كان في ذلك حتفه وهلاكه وخسرانه. قال الله تعالى: ﴿ ذرْهُمْ يَأكُلواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلههمُ ٱلأمَلُ فسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر:3]، وقال علي رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة). فليحرص كل مِنَّا على سلامة قلبه إلى أن يلقى الله به سليمًا، ولا يكون هذا إلا بالتعلُّق بالله، وسؤاله سلامة القلب، والثبات على سبيله وصراطه المستقيم، ومخالفة الهوى ،ومن أسباب الثبات: الحرص على تخليص النية من الشرك الأكبر والأصغر، وتصفية العمل من البدع والأخطاء، ويتحصل هذا باتباع الحق ومخالفة الهوى ،وعرض القلوب والأعمال على ميزان الشرع المطهر كتابًا وسنة.
الدعاء