خطبة عن (إرادة الدنيا وإرادة الآخرة)
أبريل 30, 2023خطبة عن (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِيني وَدُنْيَايَ)
مايو 1, 2023الخطبة الأولى (اترك أثرا طيبا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند صححه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ»
إخوة الإسلام
من علامات التوفيق والسداد أن يترك العبد أثرًا طيبًا بعد رحيله من هذه الحياة الدنيا، يُذكر به ويُترحم عليه، ويكتب له الأجر والثواب بعد موته، قال تعالى: “يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ”[غافر: 39]. وفي صحيح الجامع للألباني: (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته، من علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»، فاحرص أيها المسلم على أن يكون لك أثر في دنياك، ترى نفعه في أخراك، وإذا فتح الله لك بابا للخير، فسارع إليه؛ فإنك لا تدري متى يُغلق، فأسعد الناس من حمل بين جنبيه قلبًا ينبض بالعطاء لأمته، ويحمل بكفيه غراس الخير، يسقيها بهمته، وصدق الله تعالى إذ يقول: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” [الأنبياء: 90]. فآثار الإنسان التي تبقى وتُذكَر بعده من خير أو شر – يجازى عليها؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]، فالله تعالى يكتُبُ آثار الخير وآثار الشر التي كان هؤلاء سببًا في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، يكتُب الله الأعمالَ التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خيرٍ يعمله بشرٌ؛ مِن نشرِ علم نافع، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر – يكتبه الله تعالى.
والأثر الطيب: هو الذي يحدد مكانة المرء في قلوب من حوله، ويعتبر من الإحسان، وهو التربة الخصبة في زراعة بذور السيرة الحسنة والكلمة الطيبة تجاه الناس. فجميل أن تترك أثراً طيباً حيثما كنت، فلا تدري لعل الله يصلح بأثرك هذا نفساً قد أتعبها وأرهقها عناء السنين. وكان مِن دعاء نبي الله إبراهيم (عليه السلام): ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84]، أي: اجعل لي ذكرًا جميلًا بين عبادك المؤمنين، واجعل لي أثرًا حسنًا فيمَن يأتي مِن بعدي. والأثر الطيب عطر جميل، تؤلف به القلوب، وتصلح به النفوس، وتذهب به الأحقاد، ويزيل به الغضب. والكلمات والعبارات التي يتركها الأثر في قلوبنا تعطينا الأمل والتفاؤل في حياة لا تنسى مهما طالت عليها الأيام، بل تتجدد يوما بعد يوم، فكل إنسان منا بحياته شخص كان له تأثير عليه، سواء أكان معلما، أو كاتباً، أو صديقاً، فلا يمكن نسيان من كان له فضل وأثر علينا، مهما طالت بنا السنين والأيام، وعصفت بحياتنا الأوجاع والألام، فقد يكون هو الدافع والأمل الذي يحيينا، كما يحي المطر الأرض الجدباء، بعد طول انتظار، فتزهر وتخضر وتخرج أجمل ما بها، كذلك هو أثر الإنسان الطيب في الحياة.
والأثر الطيب المستمر بعد وفاتك، والسيرة الحسنة التي يذكرك الناس بها بعد رحيلك، هي نعمة من الله عز وجل، فكم من الناس لما رحل عن دنيانا لهجت الألسن بالدعاء له، وبكت العيون على فراقه، وتسابق الناس في تعداد مآثره، وعلى النقيض من ذلك، فكم من الناس مات ومات ذكره معه، فلا تحرم نفسك من الخير، ولا تبخل على نفسك من الحسنات المستمرة ،والصدقات الجارية، لتكون لك رصيدا مستمرا بعد وفاتك، فربما لا تجد أحدا يعمل لك ما يثقل ميزانك بعد وفاتك، فكم ممن امتلك الأموال، وما تصدق لله، وما بنى مسجدا، أو قدم شيئا لله، فترك أمواله لورثته، فاقتسموها وتركوه لمصيره،
فعلى المسلم أن يباشر من الأعمال التي يبقى أثرها مستمرا، بغض النظر عن نسبتها إليه، واشتهاره بها في الناس، أو عدم ذلك؛ لأن من مقاصد الأعمال الصالحة: الاستكثار من الحسنات. وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُمْ « إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ ». قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ « يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ».
أيها المسلمون
وللأثر الطيب صور ومجالات كثيرة ومتعددة، تختلف من شخص لآخر، كل حسب قدرته واستطاعته، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، وأذكر لكم منها على سبيل المثال لا الحصر: الدعوة إلى الله، وسَنُّ السُنة الحسنة: فمِن أعظم الأعمال أجرًا وثوابًا بعد الموت الدعوةَ إلى طريق ربِّ العالَمين، وإرشاد الحائرين، وهداية الضالِّين، ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: (والله لأَنْ يُهدَى بك رجل واحدٌ، خيرٌ لك مِن حُمْر النَّعَم) متفق عليه. ومن الأثر الطيب: نشر العلم النافع: ففي الحديث: (إن مما يلحق المؤمنَ مِن عمله وحسناته بعد موته: علمًا علَّمه ونشَرَه)، فانشُرْ علمًا نافعًا تنعَمْ في قبرك ويَزِدِ اللهُ في أجرك، وانظُرْ كم انتفع خلقٌ لا يحصيهم إلا الله تعالى بكتابٍ مثلِ صحيح البخاري، فاحرِصْ على نشرِ العلم النافع بما تيسَّر لك، ولو بشراءِ كتاب وإهدائه لطالب علم، ولو بمساعدةِ طلاب العلم النُّبَهاء على التفرُّغ لطلب العلم، ولو بوضعِ مصحف في مسجد، فلا تحرِمْ نفسك هذا الأجرَ العظيم. ومن صور الأثر الطيب: الصدقة: قال الله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]، وقال سبحانه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]. وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَن تصدَّق بعدل تمرةٍ مِن كَسْبٍ طيِّب، ولا يقبَلُ الله إلا الطيِّب، وإن الله يتقبَّلُها بيمينِه، ثم يُربِّيها لصاحبه كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّه، حتى تكون مثلَ الجبل) أخرجه البخاري . فتصدَّق بما تيسَّر لك، وإذا وسَّع الله عليك في الرزقِ فزِدْ في الصدقةِ؛ فإن هذه واللهِ الغايةُ التي لأجلها يجمَعُ الصالحون المال، ففي صحيح الأدب للبخاري، وفي مسند أحمد: (قَالَ صلى الله عليه وسلم « يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ »،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اترك أثرا طيبا )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور الأثر الطيب: الصدقة الجارية: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (إن مما يلحق المؤمنَ مِن عمله وحسناته بعد موته: علمًا علَّمه ونشَرَه، أو ولدًا صالحًا تركه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا كَرَاهُ، أو صدقةً أخرجها مِن ماله في صحته وحياته، تلحَقُه مِن بعد موته) أخرجه ابن ماجه، فالإنسان الذكيَّ هو الذي يحرِصُ على أفضلِ الأعمال، وأعظمها ثوابًا، وأجزلها عطاءً؛ فإذا تصدَّق، بَحَثَ عن صدقةٍ يجري عليه ثواُبها بعد موته، ومن صور الأثر الطيب: الغرس: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة؛ إلا كان له به صدقة) أخرجه البخاري ومسلم. ومن صور الأثر الطيب: ذكر الله تعالى والتسبيح: ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ «أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ
أَجْرٌ » الدعاء