خطبة عن (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)
فبراير 19, 2024خطبة عن بر الوالدين (مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي)
فبراير 24, 2024الخطبة الأولى (اتَّقُوا الشُّبُهَاتِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين: (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ».
إخوة الإسلام
ينبغي على المؤمن أن يحتاط لدينه، وأن يبتعد عن الشّبهات؛ لئلا يقع في الحرام. يقول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (14) الفجر، وقال الله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (74)، (75) النمل، فهو سبحانه لا تخفى عليه خافية، فجميع أعمال الناس وأقوالهم مسجلة، فالواجب عليك أن تحذر ربك، وأن تحذر نقمته وبطشه، قال تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران:28]، وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235].
وفي الحديث النبوي الذي بين أيدينا اليوم: يقول ﷺ: (إنَّ الحلال بَيِّنٌ، والحرام بَيِّنٌ، وبينهما مُشتبهات)، فهناك أمور قولية، أو فعلية، تشتبه على الإنسان، وقد يخفى عليه دليلُها، وحكمُها، (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)، أي: من أخذ بالبراءة لدينه وعرضه، فقد اتقى الشبهات، وسلم من الوقوع في الحرام، ونجا من العذاب، (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يعني: جرّه ذلك إلى الوقوع في الحرام، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا: (كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ)، فالراعي الذي يرعى حول الحمى، فهو يرعى إبله أو غنمه أو بقره حول مزارع الناس، ويتساهل شيئًا فشيئًا، فيُوشِك أن يغفل أو ينعس أو يُشغل، فترتع غنمه في زروع الناس، لكن إذا ابتعد عن الحِمَى، صار أقرب إلى السلامة، ثم يقول صلى الله عليه وسلم : (أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ): فالملوك قد يحمون أوديةً لخيلهم أو لإبلهم، (ألا وإنَّ حمى الله محارمه)، فحمى الله المحارم: المعاصي التي حرَّمها على عباده، فيجب الحذر منها، فتحذر من المعاصي: كالزنا، والسرقة ،والظلم، والغشّ، والخيانة، والرّبا، والغيبة، والنَّميمة، والعقوق، والقطيعة، إلى غير ذلك. ثم يُبين ﷺ أنَّ في (الجسد مُضْغَةً)، أي: قطعة من اللّحم صغيرة، (إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ)، فهذ القلب، إن عمرته بالتقوى والخشية لله استقام الإنسانُ، وإن عمره بالغش والخيانة والشرك وحبّ الدنيا والرغبة فيها، فسد القلب وفسد الجسد. فينبغي للعبد أن يجتهد في أسباب صلاح قلبه: من خوف الله، وخشية الله، وأكل الحلال، وخلطة الأخيار، والبعد عن خلطة الأشرار، إلى غير ذلك من أسباب صلاح القلوب.
أيها المسلمون
وسوف نتوقف قليلا عند قوله صلى الله عليه وسلم: (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ): فالشبهات: هي كل ما لا يعلم الانسان حكمه، أو يشتبه عليه حله أو تحريمه، وفي الصحيحين: (عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه – قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ «لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا»، فقد خاف ﷺ، أن تكون هذه التمرة من الزكاة المحرَّمة عليه، فأصبحت فيها شبهة، ولذا، كان تركها أولى وأتقى، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ»، فاترك الشيء الذي تشكّ فيه، إلى الشيء الذي لا شكَّ فيه. وفي صحح مسلم: (عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ سَنَةً مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إِلاَّ الْمَسْأَلَةُ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَيْءٍ – قَالَ – فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» فكل شيء فيه شبهة، وتخاف أن يطّلع عليه الناس، ويقولون: (ما هذا الذي تفعله) فدعه، واعتبره من الإثم، حتى تتأكد أنه مباح.
فالحلال الخالص ظاهر لا اشتباه فيه، مثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وغير ذلك، وكذلك الحرام المحض واضحةٌ معالمه، لا التباس فيه، كتحريم الزنا والخمر والسرقة إلى غير ذلك من الأمثلة. أما الأمور المشتبهة، فقد تنازعها الطرفان، ولذلك خفي أمرها على كثير من الناس، والتبس عليهم حكمها.
واعلموا أن وجود المشتبـهات، لا ينافي ما تقرر في النصوص من وضوح الدين، كقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (89) النحل، وقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (176) النساء، وكذلك ما ورد في السنّة النبويّة كقوله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ) رواه أحمد وابن ماجة، فهذه النصوص وغيرها لا تنافي ما جاء في الحديث الذي بين أيدينا، وبيان ذلك: أن أحكام الشريعة واضحة بينة، وبعض الأحكام يكون وضوحها وظهورها أكثر من غيرها، أما المشتبهات فتكون واضحة عند حملة الشريعة خاصة، وخافية على غيرهم، ومن خلال ذلك يتبيّن لك سر التوجيه الإلهي لعباده في قوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء:7)؛ لأن خفاء الحكم لا يمكن أن يعم جميع الناس، فالأمة لا تجتمع على ضلالة .وفي مثل هذه المشتبهات وجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى سلوك مسلك الورع، وتجنب الشبهات؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)، فبيّن أن متقي الشبهات قد برأ دينه من النقـص؛ لأن من اجتنب الأمور المشتبهات، سيجتنب الحرام من باب أولى، كما في رواية أخرى للبخاري وفيها: (فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ)، وإضافةً إلى ذلك: فإن متقي الشبهات يسلم من الطعن في عرضه، بحيث لا يتهم بالوقوع في الحرام عند من اتضح لهم الحق في تلك المسألة، أما من لم يفعل ذلك، فإن نفسه تعتاد الوقوع فيها، ولا يلبث الشيطان أن يستدرجه حتى يسهّل له الوقوع في الحرام. وقد نبّه الله عباده وحذّرهم من اتباع خطوات الشيطان، فقال تعلى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النور:21)، فعلى المؤمن أن يكون يقظا من انزلاق قدمه في سبل الغواية، متنبها إلى كيد الشيطان ومكره. فسلامة دين المؤمن ليست فقط في اتقاء المحرمات، ولكن في اتقاء الشبهات، لأنها تنقله إلى المحرمات،
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ): فمن اتقاء الشبهات: أن يتقي المؤمن مواطن الشبه، فلا يقف المسلم في مواقف الريبة، أو في مواقف التهم، حتى ولو كان أطهر من ماء الغمام، فإن النفوس يشرع إليها الشك، والقلوب تنتابها الأوهام. ففي الصحيحين: (قَالَ عَلِىُّ بْنُ الْحُسَيْنِ – رضي الله عنهما – أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ». فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا»، فدع مواطن الشبهة والريبة؛ فذلك أصلح وأسلم وأتقى وأنقى. وفي سنن البيهقي: (عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاَ بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ بَأْسٌ». وهناك من الأمور ما يفعلها الانسان بنية طيبة، وقصد سليم، ولكنه قد يثير الظنون، ويبعث على التهمة، ولو بغير حق. فمثل هذه الأمور يجب على العاقل ان يجنب نفسه هذه المواقف، والا يستهين بأسبابها، اعتمادا على حسن نيته، وسلامة قصده، حتى لا يلصق بنفسه تهمة هو منها بريء، ولا يعرض غيره للوقوع في سوء الظن والاتهام الباطل.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اتَّقُوا الشُّبُهَاتِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومما يجب أن نلفت إليه النظر: أن بعض الناس قد يأتيه الوسواس من جهة الشبهات، وهنا يجب أن ندفع الشك باليقين، ففي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِى أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ»، فقد أخذ الإمام ابن حزم من هذا الحديث قاعدة: (أن ما غاب عنا لا نسأل عنه). وقد روى مالك في موطئه: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لاَ تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا)، كما جاء في الأثر: (أن عمر رضي الله عنه مر في طريق فوقع عليه ماء من ميزاب، وكان معه رفيق، فقال هذا الرفيق: يا صاحب الميزاب، ماؤك طاهر أم نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب، لا تخبرنا فقد نهينا عن التكلف). وفي الصحيحين: (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا، أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ قَالَ «لاَ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». ومن هذا أخذ العلماء قاعدة: (أن اليقين لا يزال بالشك، وأنه يعمل بالأصل، ويطرح الشك، وهذا قطع لدابر الوسوسة). ومن المعلوم أن الرسول الكريم قد أجاب دعوة يهودي، وأكل طعامه ولم يسأل: أهو حلال أم لا؟، وهل آنيته طاهرة أم لا؟، وكان هو وأصحابه يلبسون ويستعملون ما يجلب عليهم مما نسجه الكفار من الثياب والأواني، وكانوا في المغازي يقتسمون ما وقع لهم من الأوعية والثياب ويستعملونها، وصح عنهم أنهم استعملوا الماء من مزادة (قربة) مشركة.
الدعاء