خطبة عن (الرِّضا)
نوفمبر 11, 2024خطبة عن (انْتِظَارُ الْفَرَجِ)
نوفمبر 14, 2024الخطبة الأولى (احذروا الأخبار الكاذبة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) الحجرات، وقال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (12) النور، وقال تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (16) النور
إخوة الإسلام
الأَخْبَارُ الكَاذِبَة، والاشاعات الزائفة: هي معلومات مضللة، واخبار ليس لها أي أساس في الواقع، ولكنها تُقدم على أنها أخبار صادقة وصحيحة، والقصد والغرض منها: هو التضليل، أو التشهير، أو الخداع، أو إلحاق الضرر بالآخرين، وربما تحقق بعض المكاسب للمكذبين،
وليكن معلوما: أن نشر الأخبار الكاذبة محرَّم شرعًا، بل هو كبيرة من كبائر الذنوب، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة؛ فقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة/119، وروى البخاري في صحيحه: من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا». وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ..» الحديث. وقد أشار القرآن الكريم إلى أنَّ التقوّل على الناس بما ليس فيهم، من شأن المنافقين، أو ضعاف النفوس؛ فقال تعالى في شأنهم: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: 83]. وفي الصحيحين: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»، فالخوض في أخبار الناس، والتقول عليهم بما ليس فيهم وغيره، ممَّا يُثِيرُ الفتن- هو داخلٌ في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ».
وقد بين الاسلام واجبنا عند تلقي الأخبار الكاذبة، والاشاعات المغرضة، وعلّمنا كيف نتعامل معها، وحذرنا من اتباع خطوات الشيطان، قال الله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/ 83. والرد على من يكذب يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، والاسلام شدد على المسلم – أياً كان موقعه – أن يتثبت من الأخبار، وأن يتبين حقيقتها وصحتها، فالمسلم كيّس فطن، وقد روى الإمام أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ).
وأما قوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}: فإن جاءنا شخص عدل، فإننا نقبل منه الخبر، إلا إذا كان الخبر مستغربا، أو انفرد به عن الناس، أو كان هناك دلائل قوية تكذبه، أو كان يخبر عن قوم بينه وبينهم شحناء، أو عرف عن هذا الناقل- رغم صلاحه – التسرع والعجلة، إلى غير ذلك من الأسباب والاعتبارات، ثم بين الله تعالى – الحكمة من كوننا نتبين خبر الفاسق فقال تعالى: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) الحجرات، أي: تتثبتوا كراهة أن تصيبوا قوماً بجهالة؛ لأن الإنسان إذا تسرع، ولم يتثبت، فقد يعتدي على غيره، بناءً على الخبر الذي سمعه من الفاسق، وقد يكرهه، وقد يتحدث فيه في المجالس، فيصبح بعد أن يتبين أن خبر الفاسق كذب، نادماً على ما جرى منه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس، من غير نقل ألفاظهم، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس، ويتعذر على بعضهم).
أيها المسلمون
وإن المتدبر لآيات القرآن الكريم، يتبين له أن الاسلام عالج قضية الإشاعات، والأخبار الكاذبة، عن طريق أمور متعددة: أولها: التثبت: وذلك عن طريق إرجاع الأمر لأهل الاختصاص، قال تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء:83، قال الشيخ السعدي رحمه الله: (ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة؛ مما يتعلق بسرور المؤمنين، أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم، أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم؛ من أهل الرأي والعلم والعقل، الذين يعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين، وسرورا لهم، وتحرزا من أعدائهم، فعلوا ذلك، وإن رأوا ليس من المصلحة، أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه)، وقد بين الله تعالى حال المؤمنين، الذين تكلموا في حادثة الإفك، فقال سبحانه: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (15): (17) النور، كما بين الإسلام أن الناقل للإشاعات، والأخبار الكاذبة، دون تثبت، هو من الفاسقين، وذلك لأن هذه الأخبار ليس كلها صحيحا، بل فيها الصحيح والكاذب، فكان كل من نقل خبرا كاذبا، أو إشاعة؛ داخلا في نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين، و قد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».
والمسلم العاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال، ولا كل ما يعلم يصلح للنشر، وفي سنن أبي داود: (قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لأَبِى عَبْدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لأَبِى مَسْعُودٍ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي «زَعَمُوا». قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا». (قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا حُذَيْفَةُ). وإذا كانت الشائعة صحيحة وواقعة، ولكن في إذاعتها مفسدة وأذى، فإن ذلك محرم أيضاً، خاصة إذا كان فيها أذية لمسلم، وإضرار به، وتتبع لعوراته، ففي سنن أبي داود ومسند أحمد: (عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (احذروا الأخبار الكاذبة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ولابد من التفكر في عواقب الإشاعات، والأخبار الكاذبة، فكل خسارة، وكل هم وغم أصاب أخاك المسلم، وكل أموال أهدرت، بسبب إشاعتك التي نشرتها، أو ساعدت في نشرها، فلك نصيب من الإثم فيها، ولابد أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، وأن يطلب الدليل على أية أخبار يسمعها، وألا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بأية إشاعة، لماتت في مهدها، وأن يرد الأمر إلى أولى الأمر، فإن حوصرت الشائعات بهذه الأمور، فإنه يمكن أن تتفادى آثارها السيئة المترتبة عليها، بإذن الله تعالى،
والْمُؤْمِن التَّقِيّ هُوَ الَّذِي يَخَافُ اللهَ بِالْغَيْبِ، فَإِذَا خُوِّفَ باللهِ خَافَ، وَإِذَا ذُكِّرَ باللهِ ذَكَرَ، لَا تَأْخُذُهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ، وَأَنْ يَخَافَهُ بِالْغَيْبِ، وَأَلَّا يَكُونَ مَصْدَرًا لِلشَّرِّ، وَلَا مُعِيْنَا لِلشَّيْطَانِ عَلَى إِخْوَانِهِ، فَالْمُسْلِمُ الْحَقُّ يكون مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، يُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسَ مِنْ حَيْثُ أَنْ يَأْتُوهُ،
ومما ورد عن الصحابة (رضي الله تعالى عنهم) في التثبت في نقل الأخبار: ما ثبت عن أبي بكر (رضي الله عنه) عندما سُئل عن ميراث الجدة، فلم يعرف في ذلك علماً، فسأل الصحابة (رضي الله عنهم) فأخبره المغيرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فطلب الصديق شاهداً لقول المغيرة، فشهد على ذلك محمد بن مسلمة رضي الله عنه. ومن ذلك أيضاً: ما رواه البخاري في صحيحه: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ قُلْتُ اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ». فَقَالَ وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ. أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ ذَلِكَ)
الدعاء