خطبة عن (من صور اللعب والتلاعب بالدين)
فبراير 15, 2024خطبة حول ذكر الله ،وحديث (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ)
فبراير 17, 2024الخطبة الأولى (احذروا اللعب والتلاعب بالدين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) الانعام (70)، وقال تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (51) الاعراف، وقال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (169)، (170) الأعراف
إخوة الإسلام
قد أكمل الله تعالى الدين، وأتم على الأمة النعمة، ورضي لها الإسلام دينا، فقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة (3)، فهذا الدين قد بلغ درجة الكمال، وقد رضيه الله أن يكون آخر الرسالات السماوية، ورسول الله محمد خاتم الأنبياء، فلا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق، وتعظيم الدين يدل على صلاح العبد، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج (32)، والرسول صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، ففي سنن ابن ماجه: (قَالَ صلى الله عليه وسلم:« قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ).
وقد حذر الله تعالى من اللعب والتلاعب في الدين، فقال تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (51) الاعراف، ولهذا كان من أقبح الذنوب، وأعظمها خطورة: (اللعب والتلاعب في الدين، وبالدين)، فقد قال الامام القرطبي: (يرحم الله السلف الصالح، فلقد بالغوا في وصية كل ذِي عقل رَاجِحٍ، فَقَالُوا: ”مَهمَا كُنتَ لاعِبًا بِشَيءٍ، فَإِيَّاكَ أن تَلعَبَ بِدِينِكَ). وقال الإمام مالك للقعنبي رحمهما اللّه: (مهما تلاعبت بشيء فلا تلعبن بدينك)، ويقول الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]. فيجب على كل مسلم أن يحترم ويعظم كل ما هو متعلق بالدين، فهو من حرمات الله تعالى، ولا يجوز للمسلم أن يتلاعب بأي شيء من الدين، ومن فعل ذلك استهزاء، وتحقيرًا لدين الله تعالى، فقد كفر، ويجب عليه المبادرة بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، حتى يعود إلى حظيرة الإسلام.
أيها المسلمون
واللعب والتلاعب بالدين له صور كثيرة ومتعددة في حياتنا، ومن صور اللعب بالدين: (الاستهزاء بالدين): فقد جاء عن ابن عباس في قوله تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا) (51) الاعراف، أنه قال: (وذلك أنهم كانوا إذا دُعوا إلى الإيمان سخِروا ممن دعاهم إليه وهزؤوا به، اغترارًا بالله). وفي تفسير الوسيط لطنطاوي: (اتخذوا دينهم- الذي أمرهم الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه- مادة للسخرية والتلهي، وصرف الوقت فيما لا يفيد، فأصبح الدين- في زعمهم- صورة ورسوما لا تزكي نفسا، ولا تطهر قلبا، ولا تهذب خلقا)، ويقول السعدي: {لَهْوًا وَلَعِبًا} أي: لهت قلوبهم وأعرضت عنه، ولعبوا واتخذوه سخريا، أو أنهم جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب، واستعاضوا بذلك عن الدين القيم. وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزئوا به، اغترارا بالله، فجعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، فيجب الحذر من مُشابهة الكفَّار، والاشتغال باللَّهو واللَّعب الذي يصدّ عن الحقِّ ويشغل عن الحقِّ).
واللعب والاستهزاء بالدين يشمل كلَّ قولٍ أو فعلٍ، يدل على الطعن في الدين، والتنقص منه، والاستخفاف به. قال أبو حامد الغزالي في “إحياء علوم الدين”: “وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ: الِاسْتِهَانَةُ، وَالتَّحْقِيرُ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِضِ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ”. فكل قول أو فعل يدل ـ بحسب ما يتعارف عليه الناس ويفهمونه من لغتهم ـ على الانتقاص أو الاستخفاف بالله ورسوله، أو القرآن والسنة، أو شيء من شعائر هذا الدين، فهو من الاستهزاء المخرج من الملة.
والواجب على المسلم إذا سمع أو رأى شيئاً من الاستهزاء بالدين أن ينكر على قائله وفاعله إنكاراً شديداً، فإن لم يستجب له لزمه مغادرة المكان الذي هو فيه، قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا، فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء (140). وأما التبسم والضحك عند سماع هذا الكلام، فيجعل صاحبه شريكا للقائل في الإثم، إن كان عن رضاً وقبول، فالواجب على المسلم أن يعظم شعائر دين الله وآيات الله وإجلالها وتفخيمها، فأصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة.
ومن صور اللعب والتلاعب بالدين: (استخدام الحيل والتحايل في الدين): فقد احتال اليهود من أهل السبت لما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت ،فاحتالوا ونصبوا الشباك يوم الجمعة، وأخذوا الصيد يوم الأحد، وقالوا: ما صدنا يوم السبت، فلم يعذرهم الله بذلك، فدل ذلك على أن الحيل التي تسقط الواجبات، أو تفضي إلى المحرمات محرمة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» أخرجه ابن بطة. ومن الأمثلة على تحريم الحِيَل لتجاوز حدود الله تعالى: حرمة التحايل على تحريم الميتة، بإذابة زيوتها أو شحومها، لاستخدامها أو بيعها، وكذلك تغيير اسم الخمر إلى أسماء أخرى لاستحلالها. ففي الصحيحين: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ «لاَ، هُوَ حَرَامٌ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ». وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ ،حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا» متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يَكْفَأُ النَّاسُ الدِّينَ كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ: فِي الْخَمْرِ؛ يَشْرَبُونَهَا وَيُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» رواه الدارمي ولفظه: «يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا فَيَسْتَحِلُّونَهَا».
ومن صور اللعب والتلاعب بالدين: (اطلاق اللسان في دين الله بغير علم): فالقولُ عَلى اللهِ تَعالى ورسوله بِغَيرِ عِلمٍ من أعظم آفات اللسان خطرًا، ومن كانت فيه هذه الآفة كان مرتكبًا لأعظم المحرمات، واطلاق اللسان بالمزاح قد يجر للاستهزاء بالدين وبالله الموقع في الكفر، لقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) {التوبة:65-66}. وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»، وفي سنن النسائي: (قَالَ «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا». فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ بداية الإيمان استقامة اللسان، ففي مسند احمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلاَ يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»، وأخبر صلى الله عليه وسلم عن صفات شرار الخلق، ففي مسند أحمد وغيره: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ». فَقَالَ « هُمُ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً ». والثرثارون هم المتوسعون في الكلام، من غير احتراز ولا احتياط،
ومن صور اللعب والتلاعب بالدين: (اتباع الرخص): قال بعض السلف: من تتبع الرخص؛ تزندق، فلا يجوز تتبع رخص المذاهب الفقهية، بالأخذ بالأيسر منها، تشهيا واتباعا للهوى، قال سليمان التيمي: (إن أخذت برخصة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله)، فالواجب على المسلم في حال الاختلاف أن يرجع إلى الله وإلى رسوله ﷺ، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (10) الشورى، ويقول تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (65) النساء، والرجوع إلى الله رجوع إلى كتابه، والرجوع إلى النبي ﷺ رجوع إلى سنته، فإذا تتبع الإنسان الرخص فهو قد رجع إلى هوى النفس وشهوتها، وبالتالي لم يكن مستجيباً لله ورسوله.
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (احذروا اللعب والتلاعب بالدين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور اللعب والتلاعب بالدين: (اتباع المتشابهات): فيستطيع متَّبع المتشابه أن يستدل على جواز الكفر، مستشهدا بقوله تعالى: {وَقُلِ الْـحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] فيزعم أن الله – تعالى – خيَّر الناس بين الإيمان والكفر، والتخيير بينهما يقتضي استواءهما، ويغضُّ الطرف عن الآيات الكثيرة التي تتوعد الكافر بالنار، كما يستطيع متَّبع المتشابهات أن يحكم بالجنة لأصحاب الديانات الأخرى، ممن كفروا بالإسلام مستدلاً بقوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِـحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]. متعامياً عن معنى الآية وهو: (من آمن منهم برسوله قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ومات على إيمانه)، ويترك هذا الملبِّس مئات الآيات والأحاديث التي تحكم بالنار لكل من لم يتبع دين محمد صلى الله عليه وسلم.
كما يستطيع النصراني أن يستدل على عقيدة التثليث، وعلى بنوَّة المسيح لله – تعالى – وذلك حين يأتي النصراني إلى الآيات التي فيها أن عيسى – عليه السلام – يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، ويخبر ببعض الغيب، فيستدل بها على ألوهية عيسى – عليه السلام – باعتبار أن هذه الأفعال من خصائص الله – تعالى – ويعمى عن الآيات التي تثبت بشريته؛ وأنه مخلوق لله وأنه – تعالى – أجرى على يديه هذه الخصائص معجزة تثبت صدقه – عليه السلام – كما قال تعالى: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:59].
ولذلك، ولخطورة اتباع المتشابه، وترك المحكَم من النصوص في إفساد دين من يفعل ذلك، وإضلاله لغيره، فقد حذَّر الله تعالى عباده من سلوك هذا المسلك، وأخبر أن من يسلكه إنما يبتغي الفتنة لمرض في قلبه، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ} [آل عمران:٧]. كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتِّباع المتشابه في الأحكام؛ لأن من شأنه أن يزيل الورع من الإنسان، إلى أن يصل به إلى الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ من الناس فَمَنْ اتَّقَى الشُّبهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ»، ونستكمل صور اللعب والتلاعب بالدين في لقاء قادم -إن شاء الله تعالى-.
الدعاء