خطبة عن ( يا كاشف الهم إليك يلجأُ من ضاقت بهِ الحيلُ)
يناير 15, 2017خطبة عن (تلوث البيئة .أسباب.نتائج.حلول) (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)
يناير 16, 2017الخطبة الأولى ( احذروا المتسلقين على أكتاف الآخرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) النساء 141،
وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) (10) ، (11) العنكبوت ،وقال تعالى : (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (9) : (12) البقرة
إخوة الإسلام
هناك أناس لا يستطيعون العيش في الحياة إلا متسلقين على أكتاف الآخرين.. يحصدون ما يزرعه غيرهم، ويجنون ثمار ما تعب فيه الناس وبذلوا في سبيله العرق، ويسرقون جهود الناس ونجاحاتهم.. إنهم كالنباتات المتسلقة ، لا تستطيع أن تشق طريقها إلى عنان السماء إلا اعتمادا على غيرها .. فهي ترتفع مع الأشجار العالية والنخيل الباسقة، وتقصر مع الأشجار القصيرة.. وتعيش على الأرض إذا لم تجد ما ترتفع عليه.. ولذلك يُسمى هؤلاء المتسلقون.. وما أدراك ما المتسلقون؟ ،إنهم أناس محترفون يظهرون في أماكن النجاح ،وأوقات الفوز، ليخطفوا الأضواء من أصحاب الجهد الحقيقيين.. فمن منغصات حياتنا أن يُبْتَلَى المرءُ فيها بمعاشرة مثل هؤلاء الأصناف السيئة من الناس فهم يتلوَّنون كالحرباء ويتصفون بكل صفات الخيانة والغدر والمكر والخداع، إذا أقبل عليك أحد المتسلقين حسبته من خيرة الناس، وإذا خرج من عندك تناولك بلسانه ولم يترك فيك حسنة إلا قبَّحها، ولا خصلةً حميدة إلا قَلَبها،
فهؤلاء القوم يجيدون الأكل على كل الموائد، ويتظاهرون بالصدق والطيبة والتفاني والإخلاص، ويدَّعون الفضيلة والقرب من الله تعالى، ويزعمون أنهم من أهل الفضل والتقوى والصلاح، ويدَّعُون أنهم يقدِّمون المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية، ويتظاهرون بما ليس فيهم، ويقولون مالا يفعلون، ويعظِّمون أعمالهم وإنجازاتِهم ولو كانت قليلة وغير مهمة، ويفتخرون كثيرا ببراعتهم، ويمتدحون أنفسهم وينسبون لها كل الفضل، ويمجِّدونها بأعمال لم يؤدوها ولم يقوموا بها، أو ربما شاركوا فيها بما لا يُذكر من الجهد!! الحلال عندهم ما حلَّ في أيديهم، ولو حل في أيدي غيرهم شيء من الحلال ولو يسير حرَّمُوه، يتسلقون بكل الوسائل للوصل إلى بُغيتهم، لا يأبهون بقبيح أعمالهم، انتُزِع الحياء من وجوههم، يسارعون في حرمان كل خير لغيرهم، بكل وسيلة شيطانية،.. وهذه الفئة من الناس تمتلك قدرة فائقة على التشكُّل والتَّلوُّن بحسب الظروف والأحوال، وكل غايتهم الوصول إلى القمة ولو على حساب شقاء ومعاناة الآخرين وامتصاص دمائهم وأكل عرَقِهم، والصعود على أكتافهم، والغريب أنهم لا يخجلون من أنفسهم، ولا يشعرون مطلقاً بأي إحساس بالذنب!!ويوحُون دائما لرؤسائهم أو لأرباب العمل وأصحاب الشركات والمؤسسات التي يعملون فيها أنهم الأفضل والأجدر، ولا يدَّخرون جهدا ولا وسعا لإظهار أنفسهم بأنهم الأكثر كفاية والأجدر بالثقة، وهم يكذبون وينافقون ويراوغون ،ودائما ما يخدعُون الأشخاص الطيبين أصحاب النوايا الحسنة، ويستخدمونهم مطية للوصول إلى هدفهم وتحقيق مصالحهم، وكثيرا ما يستخدمون غيرهم أداة في أيديهم للطعن في خصومهم، وأداةً طيِّعَةً تصنع لهم المجد الزائف!! ولو كان على حساب تلويث سمعة الآخرين فضلا عن أكل حقوقهم؛ وذلك لأن ذممهم خَرِبَة وضمائرهم ميتة.
أيها المسلمون
فالتسلق على أكتاف الآخرين وسرقة جهدهم من الظواهر الممقوتة ، والتي تزكم الأنوف وتنشأ في الرأس الصداع ، وهي صفه غالبة على فئة معينة من البشر، وهي تتلون بتلون الموقف ، وتتحرك بطرق شتى ، وهي آفة اجتماعية من آفات المجتمع ،وظاهرة التسلق المقيتة هذه أكبر قاتل لروح الإبداع لدى الفرد المبدع ، وتؤدي إلى الشعور بالإحباط ، وهي أحد أكبر مسببات الإحباط و الإحساس بالظلم والإجحاف لدى الفرد ،وعدم نيله ما يستحقه من تقدير ، وهنا الطامة الكبرى ، لأن أصحاب النهج القويم تجدهم مكانك سر ،فتجد الشخص الغير المناسب في المكان الغير المناسب ، والشخص المناسب لا مكان له ،وهؤلاء المتسلقون لا يرون إلا أنفسهم ، ويعتقدون أن كل ما ينطقون ويعملون به مُنزل ، وما علينا إلا الاقتداء بهم ، وإلا فالتهمة جاهزة ؟؟ وهم يتخذون من التمثيل والتدليس والدهاليز نهجا متبعا لديهم ، ومصالحهم الشخصية بلا ضوابط ولا فرامل ، ولا يعجبهم أحد ، ولا يعرفون قدر الناس ، وهمهم أن يصلوا لغاياتهم دون تعب أو إبداع ولكن هيهات . هيهات .. وأعجبني قول من قال :إما أكـون على ترابـي سيـداً أو لا أكـون
يا أيهـا المتسلقـون….. يا أيها المتملقــونْ .. من أين جئتم ! …. كيـف جئتـم ! …. أيُّ أرض ٍ تسكنـونْ !…ولأيِّ ذاكرةٍ وفكر في الحقيقـةِ تنتمـونْ ؟!… وعلى مشارفِ أيِّ عهـدٍ بربريٍّ تسـرحونْ ! …أوراقكـم سقـطتْ ….. وبانَ المـرجُ ….. وانفجـــرَ الكمــونْ … فتهيأوا لمصيـركمْ والريحُ يسبقـها السـكونْ
أيها المسلمون
ففي كل مؤسسة اجتماعية نجد صورا من هذه الكائنات المتسلقة، قد يكون المتسلق طالبا في الصف المدرسي، أو موظفا في المؤسسة ،أو رجلا في القرية أو المدينة، أو لاعبا في الفريق، أو عضوا في المجموعة التطوعية أو في أي مكان. المتسلقون يخرجون من بيننا، يتسلقون ظهورنا، يصعدون على رؤوسنا، و يحصلون على ما يريدون، دون حراك منا أغلب الأحيان! ويسأل سائل : من هم المتسلقون ؟، ما صفاتهم؟ فنجيبه : هم غالبا ما يكونون 1- مغالطون : في البدء سيعقدون معك اتفاقا على أن يكون العمل مشتركا بين الجميع، و سيوضحون للعالم أجمع أنهم سيقومون به بكل جدية، و هم يقولون ذلك يبدون متحمسون، هم أيضا: 2- اتكاليون جدا: فحينما يبدأ العمل، سيدعونك وحيدا، فقط يشرفون عليك من بعيد، لينظروا إلى أي مرحلة وصل العمل ( ليخبروا رؤسائهم بالمستجدات) وقد ينتقدونك في بعض العمل أيضا! ، 3- هم انتهازيون للفرص: فكلما تحين فرصة للتسلق أمام رؤسائهم فلن يضيعوها، و ما إن تحين لحظة التتويج و التكريم و التصوير و توزيع الجوائز ستجدهم في المقاعد الأمامية، بل على خشبة التتويج، بل أمام إضاءات الكاميرات، هذا هو غذاؤهم الذي يقتاتون عليه، هذا هو متنفسهم، هذا هو الغاز الذي يملئ رئتهم!!
وهم 4- كاذبون: ولا يتورعون عن الكذب، يدعون أنهم يعملون جاهدين ليل نهار، يقولون أنهم مرهقون من حمل إخلاصهم و إتقانهم للعمل! ،وهم فوق ذلك 5- متزلفون: فكل هذه البهرجات، لا يريدون منها سوى الصعود على ظهور الآخرين، كما تصعد النبتة على ساق تلك الشجرة لتعلو ظهرها، ثم يقتاتون على الهواء و الماء و الرزق و المطر!
والسؤال : لماذا لا نقف ضدهم؟ ولماذا نتركهم يتسلقون ظهورنا ونسكت ؟! والإجابة : لأننا ضعاف، نخاف فقدان ما نملك، نخاف تسلط هؤلاء، فجذورهم ضاربة بقوة في الأرض، نخاف من عواقب المواجهة، لأننا لم نتعود المواجهات ربما، و لأننا سنكون وحيدين ربما في حال عدم مساندة من حولنا لنا. ولأن المسؤولين في الأعلى أيضا ضعاف، و لا يدققون في العمل، و غير عادلين.
أيها المسلمون
والمتسلقون هؤلاء مساكين .. فهم عديمو الإحساس، وعابدي المناصب والاستعراض والشخصنة ، يعبدون البهرجة والمديح ، وهم متقلبو الآراء ، لا يهمهم أي شيء ، يحددون الهدف مسبقاً ، ويسعون لما ليس لهم ، وبغض النظر عن الطرق التي توصلهم، وإن لم تتفق مع المنطق والواقع السليم، والسلوكيات التي ترفضها الفطرة والأخلاق المجتمعية السليمة ،ويحاولون الوصول إليه بكل ما أوتي من قوة ،وبأي طريقة ،و بطرق كثيرة أبعد ما تكون عن الجد والاجتهاد والتفاني في العمل والإخلاص، و إنما بطرق ملتوية مغلفة بالنفاق والاحتيال والخداع ،حتى وإن تعارض ذلك مع المصلحة العامة ،هؤلاء حزب “الضالين” تراهم في كل مجال ، انطلاقتهم صاروخية ،تنافس سرعتهم في الوصول إلى أهدافهم سرعة الصواريخ ،هم يعرفون من أين تؤكل الكتف ،ويكرهون كل ما هو جديد من الأفكار إن لم تكن لهم فيها مصلحة ،أو ما يحقق لهم بعضاً من طموحاتهم المتسلقون متملقون منافقون بصداقاتهم ، يكرهون من هو أفضل منهم فكراً ومعرفة وعلما وثقافة ونجاحا، و يغلقون الأبواب بوجه المبادرات الفردية ،وهم ظالمون في تقييمهم للآخرين ، ويحاولون النيل ممن صعدوا سلالم النجاح والتفوق بثقة ، المتسلقون إذا تحدثت معهم في السياسة أظهروا على أنهم هم من اخترعوا السياسة ،وإن تكلمت عن الأدب قالوا نحن صانعو الأدب ، وإذا تكلمت عن الوطنية قالوا نحن من أوجدها ، وإذا تحدثت عن الأخلاق قالوا نحن أهلها ،إنها مصيبة المصائب وكبرى الكبائر ، وقد يتجرؤون بالتطاول على أي أحد، والسبب أنه لم يقل عنهم أنهم أصحاب الفضل والأفكار الخلاقة ، لأن من وجهة نظرهم الجميع متخلفون وهم الأسياد والشرفاء والمتفلسفون
المتسلقون ، هذه الفئة الموبوءة لا تعيش إلا في الظلام ، وتحاول تهيئة البيئة المناسبة لها قدر الإمكان ، فهي تحارب كل من يحاول المساس بها ،أو كشف أمرها ، أو التعارض مع مصالحها ، فهم يتسلقون على كل الجدران ، ويبررون للشيء ونقيضه ،فنراهم يتشدقون بالنصح والإرشاد فكيف يأتي النصح ؟! من فاقدي الصدق مع أنفسهم بل كيف يكون الصدق في أفواه كاذبة و ضالة ،يعزى هذا السلوك الهدام لضعف الجانب الديني والروحي، والجانب التربوي والعلمي والأخلاقي السائد ، مما فتح الباب واسعا وهيأ الأجواء لبروز المتسلقين في صفوفنا ، ولكنهم هم في الحقيقة فقاعات بشرية ، تكبر و ترتفع ، ثم تنفجر و تتلاشى ،فالمتسلقون ظالمون ، يبنون صروحا و مجدا على بؤس الضعاف ،وهم ذو نفوس ضعيفة وواهنة ،وأفعال رخيصة، لا يجيدون سوى الأساليب الملتوية ،والأفعال السلبية ،التي تعود عليهم بالمنفعة الشخصية، فهم كخفافيش الليل ،لا يجيدون سوى اللعب في الظلام، ومع من على شاكلتهم ،ممن يعشق الطعن من الخلف ،ولكن هيهات هيهات000 فكثيرا ما ترتد هذه الطعنات بالسوء على أصحابها ، هؤلاء المتسلقون لن يستطيعوا إيقاف عجلة التاريخ ، فالكون مليء بالشرفاء والطاقات الخلاقة والمتفانية ، والتي تعشق العمل ، وتضحي بالغالي والرخيص من أجل رفعة الحق لأن المندفعين والمتطوعين من المخلصين والمتفانين لا تهمهم العقبات ولا العراقيل بل تزيدهم عزيمة وإرادة وتصميماً على متابعة العمل وتحقيق الهدف المطلوب ،ولكن إلى متى يبقى هؤلاء الجهلة على حالهم ؟ ومتى تتخلص ساحاتنا من هذا النوع من البشر ؟؟؟
فعلينا جميعاً أن نتجاوزهم ، ولنكون سدا منيعاً بوجه هؤلاء المتخلفين ،الذين لن يروق لهم التقدم والتطور والبناء والعمل ،وإن السبيل إلى حماية أنفسنا و مجتمعنا من أمثال هؤلاء هو كنسهم من هوائنا الذي هو جناحنا إلى شمس الكرامة ،وجرفهم من بحرنا الهادر بالمحبة ،وشطبهم من أرضنا التي نبني فيها صرح إنسانيتنا 0
والمتسلق يشبه القرد الذي يحاول أن يقفز من غصن شجرة إلى أخرى، والشجرة تبقى ثابتة في مكانها وأرضها ولكن هو لا يزال يواصل تشبثهِ بها ليستقر عليها قليلا ويأكل من ثمرها ويمضي فيها يومهِ ومن ثم يواصل البحث عن أخرى …. ؟! هكذا هم أمثال المُتسلقين على الظهور، وهم قد باعوا ذمتهم ودينهم وإنسانيتهم ، ومن يضع كرامته في خدمة مصلحته ، حتما سوف ينتهي إلى مزبلة الأيام .
أيها المسلمون
وبالحكايات تتضح الأفكار.. والشيء بالشيء يذكر.. وإذا بحث كل منا في حياته سيجد عشرات القصص للمتسلقين من حوله.. فليست صورة الصاحب الذي لا يذهب لزيارة أصحابه إلا مع من يحملون الهدايا ببعيدة عنا.. فتختلط الأمور ويقدم حاملو الهدية هديتهم.. ويُقدم الشكر للجميع بما فيهم المتسلق.. وليس ببعيد أن يتطوع المتسلق قرب بيت المزور بحمل الهدية إشفاقا على من يحملها من المتسلق الماهر والمحترف في اللحظات الأخيرة .. ويقول أحد المتحدثين عن المتسلقين : عندما عينت معيدا في الجامعة اختارني رئيس أحد كنترولات الكلية لأساعده في عمل الكنترول، وضمني إلى مجموعة من مجموعات العمل.. وكان معنا في هذه المجموعة أحد المتسلقين الماهرين المحترفين.. حضر في أول يوم من أيام العمل .. وقام بكتابة أسماء الطلاب بخطه الجميل في (شيت الكنترول).. ولم نر وجهه بعد ذلك في العمل الذي استمر قرابة أربعة أسابيع.. وفى اليوم الذي فرغنا فيه من العمل حضر هذا الشخص إلى الكنترول وحمل النتيجة النهائية بين يديه ومشيت خلفه وذهبنا إلى رئيس الكنترول ليعتمد النتيجة.. ومع كل توقيع على كل ورقة كان هذا المتسلق يقول لرئيس الكنترول: انظر إلى خطى..أنا الذي كتبت كل هذا الصفحات.. لقد كان عملا شاقا.. ظللنا أربعة أسابيع نعمل.. فشكره رئيس الكنترول شكرا كبيرا.. وقال له: أنا أعلم أنك مثال للتفاني في العمل .. وفى المساء جاءني تلفون من هذا الزميل وهو في قمة انزعاجه قائلا: لقد اكتشف رئيس الكنترول بعض الأخطاء في النتيجة ولا بد أن نذهب جميعا في الصباح لنرى الأمر.. وفى اليوم التالي ذهبنا وعرض علينا رئيس الكنترول الخطأ.. وسارع زميلنا الذي كان بالأمس يزعم أنه هو الذي فعل وفعل.. إذا به ينهار ويقول: أنا بريء من هذه النتيجة.. أنا لم أفعل فيها شيئا إلا كتابة الأسماء بخط جميل.. المسئولية تقع على هؤلاء.. وأشار إلينا.. نظرت في النتيجة لمعرفة ما الخطأ فيها.. فاكتشفت أن رئيس الكنترول توهم شيئا معينا وحكم من خلاله بالخطأ فشرحت له الأمر وتبين أن عملنا يخلو من أي عيب.. وكم كانت المفاجأة إذ قال الزميل المتسلق لرئيس الكنترول بسرعة عجيبة ألجمت ألسنتنا: ألم أقل لك أن عملي سليم مائة في المائة…
قصة أخرى من قصص المتسلقين -عمر طالب جامعي متفوق دراسياً.. استحق الإيفاد في رحلة سنوية مدفوعة النفقات تنظمها الجامعة إلى بعض الدول الأجنبية للطلاب المتفوقين.. فوجئ بأنه لم يتم اختياره ضمن الطلاب الموفدين لهذه الرحلة بينما زميله محمد الذي تربطه به علاقة جيدة والذي أقل منه في المستوى في جميع المواد.. اختير من بين زملائه.. وحين ذهب ليستفسر أبلغ بأنه ربما حدث خطأ في المفاضلة ولا مجال لتغييره فقد تم رفع الأسماء للجهات المعنية وأُصدرت التذاكر وانتهت الإجراءات ومن الصعوبة تغيير الأمر..وحين تتبع الأمر بعد ذلك تبين أن محمدا له أخ في إدارة الجامعة اتفق معه على تدبير الموضوع لاختيار محمد بدلاً من عمر… “باعتراف من محمد شخصياً.. واعتذاره له بحجة أنه لم يكن يعلم انه راغباً في الذهاب في تلك الرحلة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذروا المتسلقين على أكتاف الآخرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
حينما يكثر أعداد المتسلقين في بلد ما، فإن في ذلك دلالة واضحة على وجود خلل ما في بنيان ذلك المجتمع، يحتاج إلى تشخيص وعلاج، وكلما أبطأ هذا المجتمع في اكتشاف هؤلاء المتسلقين وتراخى عن تعريتهم وإيقافهم عند حدهم ومساءلتهم على الأخطاء التي ارتكبوها، كلما أغرى ذلك ضعاف النفوس من الذين يحملون فيروساً مشابهاً لمثل هذا المرض من محاولة أداء أدوار مشابهة ومماثلة لتلك الأدوار التي ابتدعها وبرع فيها أولئك المتسلقون. ويعتبر المتسلقون على مدى التاريخ الفئة الأكثر تخفياً وتستراً، وكثيراً ما برعوا في الانفلات من الكشف أو الظهور أمام الناس، وذلك لشدة تفننهم في التخفي والتستر والاحتماء بالأشخاص الذين يكونون تحت سيطرتهم وسلطانهم، أو الذين يتعاطون التعامل معهم تحت ظرف من الظروف، فيقوم هؤلاء المتسلقون باستغلال نفوذهم أو الأوضاع التي أتاحتها الظروف لهم باستعمال هؤلاء كأدوات لتنفيذ المزيد من الإنجازات التي يضيفونها لرصيدهم الشخصي، زاعمين أمام الملأ أن ذلك من جهدهم وكفاحهم!! فكم من بحوث نسبها هؤلاء لأنفسهم، ولكنها في الحقيقة عمل أناس آخرين لم تشأ الظروف أن تسعفهم بإخراجها للنور إلا عن طريق هؤلاء المتسلقين الذين يأتون في النهاية ليضيفوا شيئاً من البهارات والزيادات على عمل هؤلاء، ثم ما عليهم إلا أن يلصقوا أسماءهم على ذلك الإنتاج والجهد فيقدمونه أمام الناس وكأنهم هم أصحابه الحقيقيون!!. ولو بحثنا عن سبب نجاحهم المزعوم لوجدنا أن ضعف الرقابة المجتمعية وقلة المتابعة الإدارية ، وهما أكثر الأسباب المؤثرة والمؤدية إلى تلك النتيجة المؤلمة. فالمجتمع الذي تمرر فيه المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، والمجتمع الذي يقدم فيه الإنسان لا لاستحقاقه التقدم إنما لخبرته في فن الوصول والتسلق وبناء علاقات أخطبوطية لا تقف عند حد، هو مجتمع مرشح لتنمو فيه بذور التسلق وتزدهر. ومن الثابت أنه ليس كل ما يلمع ذهباً!! ولا كل ما يرتفع هو في حقيقته عالياً وسامياً!! فكم من أناس سهلت لهم الأقدار الوصول وإن كان غيرهم أجدر بالتقدم منهم!! ولعلنا يحق لنا أن نطالب وبإلحاح عن فتح الفرص أمام من لا نفوذ له ولا سلطة، ولكنه مؤهل للتقدم والريادة والتقدير.
نعم، لا بد من فتح الأبواب على مصاريعها لدخول ذوي الكفاءات الحقيقية إلى ميدان العمل والتغيير، ولا بد في الوقت نفسه من التفتيش عن معايير قبول الأعمال ورفضها بعيداً عن الألقاب الرنانة والأسماء التي أخذت حظها من الشهرة والمكانة والجاه، وإن كانت كما قلنا تفتقر إلى كثير من مقومات الصدارة!!. بقي علينا أن نشير إلى مسألة هامة وهي: حقيقة الارتباط والتشابه بين النباتات المتسلقة وبين هؤلاء البشر المتسلقين، هذا الارتباط الذي يجمع بين الطائفتين هو حاجة الاثنين معاً إلى سند وغطاء وحماية لكي يقف على قدميه وإلا بقي على الأرض!! فالنباتات المتسلقة لا تقوى بنفسها على الصعود دون أن تلتف على وتد أو جدار أو شجرة باسقة، وهكذا شأن المتسلقين إذ أنهم بدون أن يستندوا على جهود الآخرين لن يستطيعوا أبداً أن يظهروا أمام الناس أو أن يعلوا فوقهم.
وأتساءل!! هل كانت البداية التسلق هي اللحظة التي بدأ فيها المتسلق أول غش في الامتحان؟!! هل كانت البداية مع الأيام الأولى للاحتيال على الإدارات المدرسية رغبة في الهروب من الالتزام الدراسي!! الذي أخشاه حقاً أن يكون التمرير والتعتيم على بعض التجاوزات الطلابية هو تسهيل غير مقصود لرحلة التسلق والصعود على أكتاف الآخرين.
أيها المسلمون
فلا يقتصر خطر هؤلاء على ظلم زملائهم في العمل أو أكل حقوقهم المادية أو المعنوية، بل يمتد شرهم للمجتمع كله حيث يحرمونه من ذوي القدرات وأصحاب الكفايات المتميزة القادرة على صنع النهضة، وتطوير مسيرة المجتمع الحضارية في شتى المجالات ويعزو الخبراء والباحثون تخلف المجتمعات البشرية إلى عوامل عدة من أهمها انتشار فئة المتسلقين الوصوليين هؤلاء الذين يستغلون الفرص، ويتسللون إلى المناصب التي لا يستحقونها؛ لأنهم لم يصلوا إليها بجهدهم وعرقهم وكفاحهم بل عن طريق الوشاية بزملائهم، وامتصاص دمائهم، واستغلال قربهم من رؤسائهم
ومؤسف حقاً أن ينخدع الناس لهؤلاء الأفَّاقين، ومحزن جداً أن يثق الصالحون الطيبون فيهم، ويصغُون إليهم، ويسمعون كلامهم، ويأخذون بمشورتهم ونصحهم، دون معرفة حقيقة سوء طِباعهم، وخبثِ طويتهم، فكأنما يتجرع المرء بذلك سمًّا زعافاً دون أن يشعر؛ لأنه غفل عن فساد هؤلاء المتسلقين وما جُبِلَت عليه نفوسُهم من المكر والخيانة والغدر، وانساق وراء معسول كلامِهم وانخدع به!! فهم بفسادهم يعيقون عجلة التقدم، ويحجبون الخير عن المجتمع، ويصعِّبون الأمور على المواطنين، فضلا عن أنهم يأخذون حقوق غيرهم، وينشرون ثقافة الفساد والإفساد بين الناس فيتسع مع الوقت خطرهم ويزداد ضررهم.. ومن الواجب على شرفاء محاصرة هؤلاء المتسلقين، وكشف خطرهم، وفضح وسائلهم؛ لحماية المجتمع منهم ومن أضرارهم، كما يجب عزلهم اجتماعيا ووظيفيا وعلاجهم كما يعالج مدمن المخدرات وغيره،
ورسالتي إليك أيها المتسلق : كن على يقين أيها المتسلق أن كل ما يُبذل من أجلهِ ليشرق، لابد وفي يوم من الأيام أن يبشر بولادتهِ وعلانيتهِ، وهذه المحاولات على اختلافها من أجل بضع مصالح لا تنفع، لا يمكن أن يكون لها قاعدة وأرضية يُكتب لهّا الحياة! وكل ما هو قائم على الزيف فمصيرهُ في النهاية يكون في سلة المهملات ولا يكون حينها منك غير الندم وفقدان ذاتك، وشعورك بشعور المنبوّذ بين قومهِ!
الدعاء