خطبة عن حديث (غَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ )
ديسمبر 29, 2022خطبة حول ( قصة نبي الله نوح مع ابنه دروس وعبر )
ديسمبر 31, 2022الخطبة الأولى ( احذروا محبة الكافرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة (22) .
إخوة الإسلام
إن مما يحزن قلب كل مسلم في هذا الزمان، ما نراه من محبة بعض المسلمين لبعض الكافرين، ممن يسمون: (بأهل الفن) ،من المغنيين والممثلين، أو محبتهم للكافرين من الرياضيين (وخاصة لاعبي كرة القدم)، أو محبتهم للكافرين البارعين في أي مجال من المجلات الأخرى، فهذه المحبة للكافرين فيها مخالفة للشرع والدين، وفيها إثم وذنب عظيم، يسأل عنه المسلم يوم الدين، فقد جاء في صحيح البخاري (باب الإيمان): (وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ). فالقولُ بوجوبِ بُغْضِ الكافِرِ، مهما بلغ مجده ومهارته وفنه هو قولُ أهلِ العلمِ مِن السَّلَفِ والخَلَفِ، قال تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الممتحنة (4). وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/23-24 ،وفي مسند الإمام أحمد بسند حسن: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ»، وفيه أيضا بسند حسن: (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «أَيُّ عُرَى الإِسْلاَمِ أَوْثَقُ». قَالُوا الصَّلاَةُ. قَالَ «حَسَنَةٌ وَمَا هِيَ بِهَا». قَالُوا الزَّكَاةُ. قَالَ «حَسَنَةٌ وَمَا هِيَ بِهَا». قَالُوا صِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ «حَسَنٌ وَمَا هُوَ بِهِ». قَالُوا الْحَجُّ. قَالَ «حَسَنٌ وَمَا هُوَ بِهِ». قَالُوا الْجِهَادُ. قَالَ «حَسَنٌ وَمَا هُوَ بِهِ». قَالَ: «إِنَّ أَوْسَطَ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ».
ويقول الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -: (لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله، ويتبرأ منهم؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة/٤. وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/٢٢. وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الممتحنة/١
أيها المسلمون
وأنقل لكم فتوى أحد علماء المسلمين في هذا الشأن، فقد سُئل الشيخ: (عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك): (ما حكم حب اللاعب الكافر لأجل إتقانه للعب، لا لأجل دينه؟، وما حكم لبس البدل الرياضية التي عليها أسماء أو شعارات لأندية أجنبيّة خالية من الصلبان، أو ما يرمز لديانات الكفار؟)، فكان الجواب كالآتي: أمّا بعد: (فمِن المعلوم أنّ محبة اللاعب الكافر لدينه كفرٌ، أمّا محبته لإتقانه اللعب -أي لعب الكرة أو غيرها مِن الألعاب- فهذا قبيح ومذموم؛ لأنّه ناشئ مِن تعظيم هذا النوع مِن اللعب، والتعلّق به، كالمولع بلعبة كرة القدم، ومعلومٌ أنّ تعظيم الأشياء تابع لتصور العقل للأشياء، فالعقل الصّحيح يدرك الأشياء على ما هي عليه عظيمةً أو حقيرةً، ولا سيما العقل المستنير بهدى الله، فينزل كلّ شيء منها منزلته، وأمّا العقل الفاسد فهو على ضد ذلك، فهو يعظم الحقير، ويتعلّق به، بل يغلو فيه؛ لأنّه يراه عظيمًا، شخصًا كان أو عملً. وإذا كان مِن المعلوم لدى أهل العقول أنّ اللعب ضدُّ الجد، فهو باطل لا يحتفي به إلا الناقصون، ولذا كان من شأن الصّبيان والصّغار، ولهذا لم يذكر اللعب في القرآن إلا في سياق الذّم، قال تعالى: ﴿ وَمَا الحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [الأنعام:32]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الحَيَوٰةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [محمد:36]. وجعلَ تعالى اللعبَ مِن شأن الكافرين والمنافقين، قال تعالى: ﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القُرَىٰٓ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأعراف:98]، وقال تعالى عن المنافقين: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة:65]، ومِن القبيح في العقل والدين الإغراقُ في اللعب الباطل وتعظيمُ اللعب واللاعبين. وينبغي أن يُعلم أنّ محبّة الكافر لمهارته في اللعب يتضمّن أمرين كلاهما منكرٌ؛ الأول: الإغراق في محبّة اللعب الحبَّ الذي يفضي إلى قدر مِن العبودية لغير الله، كما في الحديث: (تعسَ عبدُ الدّينار، تعسَ عبدُ الدّرهم). الثاني: ضعف البراء من الكافر أو غيابُه، والغالب أنّه يغلو فيه، كما يظهر ذلك من منافحته عنه، ومعاملته له قولًا وفعلًا حفاوة وتكريمًا، عند لقائه، أو فوزه باللعب؛ فهنالك يختفي كلّ أثر للبراء والبغض في الله، فهذا الحبّ وذلك البغض لا يجتمعان، بل لو صحّ البغض في الله لاضمحل ما يتميز به هذا الكافر من مهارة في لعبه، بل نقول: لو صحّ الإعجاب بهذا اللاعب الكافر لكان الكفار أصحاب المبتكرات النافعة للبشرية أحقَّ منه بالإعجاب ،فمِن المعلوم أنّ اللعب كلّه باطلٌ لا يعود منه نفع عام ولا خاص إلا على اللاعب نفسه لِمَا يكسبه من مال أو شهرة، وغيره خاسرون. فعُلِم مما تقدم أنّه لا يجوز الإعجاب باللاعب الكافر ومحبته لمهارته في اللعب، وكذلك لا يجوز لبس الملابس الرياضية التي عليها أسماءٌ وشعارات لأندية البلدان الكافرة، ولو كانت خالية مِن الصّلبان وغيرها من شعاراتهم الدّينية؛ لأنّ لبس هذه الملابس يتضمّن قدرًا مِن الولاء والإعجاب بأصحاب تلك الأندية. والواجب على المسلم أن يرتفع بما أكرمه الله به مِن الإسلام عن التعلّق بالتافه والإعجاب بالكافرين، وعليه أن يحمد الله على نعمه، ويقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
أيها المسلمون
وليس معنى بغضِ الكفَّارِ حُرْمةَ الإحسانِ إليهم، وحرمةَ التعاونِ معهم فيما فيه مصلحةٌ للطرفين، أو حرمةَ الانتفاعِ بما عندَهُم من تقنيةٍ وتَطَوُّرٍ علميٍّ. فالإحسانُ إلى الكافرِ غيرِ المحاربِ مِن أهلِ الكتابِ أو غيرِهم؛ قريبِهِم وبعيدِهِم، لم يُنْهَ عنه شرعًا؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8 – 9]، والآيةُ عامَّةٌ في كلِّ الكفارِ، فـ(العبرةُ بعمومِ اللَّفظِ لا بخصوصِ السببِ)، وهذا الذي كان يفعَلُهُ النَّبِيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – في تعامُلِه مع الكفَّارِ، وكذلك الصحابةُ – رضِيَ اللهُ عنهم – فَعَن مجاهدٍ عن عبدِاللهِ بن عمرو: أنَّه ذُبِحَتْ له شاةٌ، فجَعَلَ يَقولُ لِغُلامِه: أَهْدَيْتَ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتَ لجَارِنا اليَهُودِيِّ؟ سمعتُ رسولَ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يقول: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّه سَيُوَرِّثُهُ)؛ رواه البخاريُّ في “الأدب المفرد” بإسنادٍ صحيح. ولا يَلزَمُ من الإحسانِ إلى الكافرِ محبتُهُ؛ فقد يُحسِنُ الشخصُ على ما لا يُتَصَوَّرُ محبَّتُه له؛ كقصَّةِ الإحسانِ إلى الكلبِ بسقيه الماء. وبُغْضُ الكافرِ غيرِ المحاربِ لا يَستلزِمُ الاعتداءَ عليه، وسلبَه حقوقَهُ التي أوجَبَها اللهُ له، وإنْ كان كافرًا، سواءٌ كان في بلادِ المسلمين أو في بلدِهِ، فقد وَرَدَ التغليظُ في الاعتداءِ عليهم؛ فعن عبدِاللهِ بن عمرو عن النَّبِيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – قال: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاريُّ
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذروا محبة الكافرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
بعد بيان القول الفصل في هذه القضية، ألا فاحذروا واحذروا محبة الكافرين، ممن يسمون: (بأهل الفن) ،من المغنيين والممثلين، أو من الرياضيين (وخاصة لاعبي كرة القدم)، أو محبة الكافرين البارعين في أي مجال من المجلات الأخرى، فإذا كان المجتمع المسلم اليوم قد خسر الكثير من مميزاته الإيجابية، بفعل تداعيات الانحطاط الحضاري، والتدهور الذي ضرب أطنابه في كل مجالات نشاط الأمة، في مرحلة غيابها عن العطاء والإبداع، ولقرون طويلة، لأسباب موضوعية كثيرة، لا مجال لسردها الآن، فإن ذلك لا يبرر القبول بمحبة الكافرين، ولا يبرر القبول بدعاوى التخلي عن ثوابت الدين، وخصوصية هوية المجتمع المسلم، القائمة على الإسلام دينًا، وثقافة، ومعرفة، ولا يجوز لنا القطيعة مع الموروث الحضاري لأمتنا، والانسلاخ من تقاليدنا، والتحلل من قيمنا الدينية، بحجة ضرورة مواكبة التطور، والحداثة. فأعظم فرق بين المجتمع الإسلامي ومجتمعات الأرض الأخرى أن المجتمع الإسلامي يستمدُّ تصوره ومنهجه من السماء، عن طريق الوحي الذي نزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذي تكفَّلَ الله بحفظِهِ إلى قيام الساعة، فإذا ما اتضح لنا هذا الأمرُ تبين لنا الفرقُ الهائل بينه وبين مجتمعات الأرض الأُخرى التي تستمدُّ تصورها للكون والحياة وقوانينها التي تحكم أمور حياتها من العقل البشريِّ الضعيفِ.
الدعاء