خطبة عن (أحسنوا الظن بالله)
يوليو 6, 2024خطبة عن (أحسنوا الظن بالله)
يوليو 7, 2024الخطبة الأولى (احذر عقوق الوالدين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين: (عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه – قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْكَبَائِرِ قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ».
إخوة الاسلام
إذا كان بر الوالدين من أعظم القربات، وأجلِّ الطاعات، وأوجب الواجبات، فإن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، وأقبح الجرائم، وأبشع وأخطر المهلكات، فعقوق الوالدين يلي الشرك بالله في عظمه، كما أن بر الوالدين مقرون بطاعة الله وعبادته، قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) البقرة: (83)، وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء: (36)، وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (23)، (24) الإسراء، وفي الحديث المتقدم: (سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْكَبَائِرِ قَالَ «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،..) ،وفي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [ثلاث آياتٍ نزلت مقرونة بثلاث، لا تُقبل منها واحدة بغير قرينتها: إحداها : قول الله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [النساء:59] فمن أطاع الله ولَمْ يُطعِ الرسول لَمْ يُقبل منه. ثانيها: قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة:43] فمن صلى ولَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقبل منه. ثالثها: قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان:14] فمن شكر الله ولَمْ يشكر والديه لَمْ يُقبل منه. وروى الامام أحمد وصححه الألباني في (صحيح الترغيب): (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَهِدْتُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا – وَنَصَبَ إِصْبَعَيْهِ – مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ)
والعاق لوالديه متعرض لتعجيل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة؛ ففي الأدب المفرد للبخاري وصححه الألباني: (قال صلى الله عليه وسلم: (كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا البغي وعقوق الوالدين، أو قطيعة الرحم، يُعجَّل لصاحبها في الدنيا قبل الموت)، والعاقَّ لوالديه معرض لسخط الله تعالى عليه؛ ففي سنن الترمذي، والأدب للبخاري: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ». والعاق لوالديه متعرض لإجابة دعوات والديه عليه؛ ففي سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، والعقُوقُ» رواه الحاكم.
وعقوبة عقوق الوالدين لا تقتصر على الدنيا فقط، حيث جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقوق الوالدين مانعًا من دخول الجنَّة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالِدَيهِ، والمرأةُ المترجِّلةُ، والدَّيُّوثُ. وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى» رواه النسائي. والعاق لوالديه لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة، ومحروم من دخول الجنة؛ فقد روى النسائي وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنَّان بما أعطى).
والعاق لوالدين ملعون، ففي صحيح مسلم: (يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ». فمن لعن والديه، لعنه الله وغضب عليه، وطرده من رحمته، وأوقع به عقوبته، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: “الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ ” رواه الترمذي،
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (هل عقوق الوالدين يبطل العمل؟، وهل تقبل من العاق صلاته وصومه وصدقته؟، فأجاب: عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، ومن المحرمات العظيمة، فالواجب على الولد أن يشكر والديه، وأن يحسن إليهما وأن يبرهما، وأن يطيعهما في المعروف، ويحرم عليه عقوقهما، لا بالكلام ولا بالفعل، ولكن ليس عقوقهما مبطلًا للصلاة ولا للصوم ولا للأعمال الصالحات، ولكن صاحبه على خطر من هذه الكبيرة العظيمة ،وإنما تبطل الأعمال بالشرك، أما بالعقوق أو قطيعة الرحم أو المعاصي الأخرى، فإنها لا تبطل الأعمال، وإنما يبطلها الشرك الأكبر، وكذلك رفع الصوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى منه بطلان العمل)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (احذر عقوق الوالدين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن الجنة والنار في بيوتكم، فقد رَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، مَا حَقّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدهمَا؟ قَالَ: “هُمَا جَنَّتك وَنَارك”، فويل لمن عق والديه، وويل لمن قطع رحمه، فعقوق الوالدين أعظم قطيعة للرحم، ومن أشد الظلم بل هو تفتيت للقيم، وذهاب للشيم، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (22)، (23) محمد
فحري بأصحاب الفهم والعقول، أن يبادروا ببر والديهم، فبرهما سبيل للجنة، روى الطبراني بإسناد جيد: (أن جاهمة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيره في الجهاد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألك والدان”، قلت: نعم، قال: “الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما”، واعلموا أن بر الوالدين، وصلة الرحم، بركة في العمر، وزيادة في الرزق، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” [ رواه أحمد وحسنه الألباني ]
واعلموا أيها الأبناء، أنكم مهما عملتم من أعمال تبرون بها آباءكم وأمهاتكم، فلن تبلغوا بها شيئاً من الإحسان إليهما، لأن فضلهما لا يجارى، وبرهما لا يبارى، وكيف تبلغون برهما وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَجْزِئُ وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ” [ رواه مسلم ]
الدعاء