خطبة عن (بعد رمضان) (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ)
أبريل 5, 2024خطبة عن (الإسلام دين العمل)
أبريل 16, 2024الخطبة الأولى (احفظ لسانك)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (17)، (18) ق، وقال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (10): (12) الانفطار.
إخوة الاسلام
لقدْ خصَّ اللهُ تعالى الإنسانَ بنعمٍ وآلاءٍ كثيرة وعظيمة، ومِن هذه النِّعمِ نعمةُ اللسانِ، هذه النعمةُ التي مَكَّنَ اللهُ تبارك وتعالى بها الإنسانِ من التعبيرِ عمَّا يجولُ في خاطره، والبيانِ عن مكنوناتِ نفسِهِ، فاللسان وسيلةُ لتحقيقِ الكثيرٍ من الأغراضِ والاحتياجاتِ، وإذا كان الله تعالى قد امتنَّ علينا بنعمة اللسان، فواجب العبدِ أن يَرعى هذهِ النعمةَ، ويحفظَها، شكرِا للهِ تعالى على هذهِ النعمةِ، فحفظ اللسان من الأخلاق الحميدة، والصفات الحسنة، فالإنسان مسؤول عن كلّ لفظ يخرج من فمه، لذلكَ، يتوجَّبُ على المسلمِ أن يتمعنَ في الكلامِ الذي سينطقُ بهِ، ويتدبَّرَهُ، ويتفكرَ فيهِ، ويزِنَهُ بميزانِ الـشرعِ وضوابِطِهِ، فإذا كانَ هذا الكلامُ مُوَافِقًا للـشرعِ تكلمَ بهِ، وإذا لمْ يَكُنْ مُوَافِقًا للـشرعِ فإنَّهُ يُحْجِمُ عنِ النطقِ بِهِ،
فاللسان عظيم الخطر، ومتى أضاع الإنسان رقابة اللسان، وأطلقه في كل شيء، فإنه يورده المهالك، ففي سنن الترمذي: (قَالَ صلى الله عليه وسلم لمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا». فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»، وفي صحيح البخاري: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ». وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ «الْفَمُ وَالْفَرْجُ».
أيها المسلمون
وإذا كان سيئ الكلام يكب الانسان في النيران، فإن أطايب الكلام تُورث سكنى أعالي الجنان، ففي مسند أحمد وغيره: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهَرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرَهَا». فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لِمَنْ أَلاَنَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِماً وَالنَّاسُ نِيَامٌ»، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ)، والكلمة الطيبة صدقة، ففي الصحيحين :(عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، وهي رسالة المرسلين، وسمة المؤمنين، ودعا إليها رب العالمين في كتابه الكريم، فقال تعالى: «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا» (الإسراء:53). وقال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر (10)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ، وَحُسْنُ الْكَلامِ» رواه الطبراني
والكلمة الطيبة شعبة من شعب الإيمان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (متفق عليه). والكلمة الطيبة تؤلف القلوب، وتثمر الخير، ولذا أرشد إليها الرحمن، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) إبراهيم (24)،
أيها المسلمون
ومن صور حفظ اللسان: طول الصمت إلا عن الخير: ففي سنن الترمذي ومسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ صَمَتَ نَجَا»، وفي الصحيحين: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»، وروى البيهقي في الشعب: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِرَارٍ: (رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ)، وفي المعجم الكبير للطبراني: (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “كَلَامُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ)،
فمن أراد أن يسلم من سوءات اللسان: فلا يتكلم إلا لينفع بكلامه نفسه أو غيره، أو ليدفع ضُرَّا عنه أو عن غيره، وأن يتخير الوقت المناسب للكلام، وأن يقتصر من الكلام على ما يحقق الغاية أو الهدف، فالكلام الجيد وسط بين تقصير مخلٍّ، وتطويل مملٍّ، وألا يُرضي الناس بكلامه بما يجلب عليه سخط الله، ففي سنن الترمذي: (قال بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ». وفيه أيضا: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ»
ومن صور حفظ اللسان: ترك الكلام فيما لا يعني: ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ». وقال الأوزاعي: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (فإن من أكثر ذكر الموت، رضي من الدنيا باليسير، ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه). فاللسان سيف قاطع لا يؤمن حده، والكلام سهم نافد لا يمكن رده. فمن أضرار كثرة الكلام: إن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (احفظ لسانك)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أقوال سلفنا الصالح في حفظ اللسان: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ومَن كثُر كلامه كثر سقَطه، ومن كثر سقَطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه) (معجم الطبراني الأوسط).
وروى الطبراني عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه أخذ بلسانه فقال: يا لسانُ، قل خيرًا تغنَمْ، واسكت عن شر تسلم، مِن قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثر خطايا ابنِ آدم في لسانه) (صحيح الترغيب للألباني)،
وقيل لبكر بن عبد الله المزني رحمه الله: (إنك تُطيل الصمتَ، فقال: لساني سَبُع، إن تركتُه أكلني) (أدب المجالسة).
وقال محمد بن واسع رحمه الله: (حفظ اللسان أشدُّ على الناس مِن حفظ الدينار والدرهم) (تاريخ دمشق).
وقال الحسَن البَصري رحمه الله: (ما عقَل دِينَه مَن لم يحفَظْ لسانَه) (شعب الإيمان).
وقال داود الطائي رحمه الله: (إن حفظَ اللسان أشدُّ الأعمال وأفضلُها) (الصمت – لابن أبي الدنيا).
الدعاء