خطبة عن الإبتلاء ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ )
يونيو 5, 2021خطبة عن الحق والباطل ، ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )
يونيو 5, 2021الخطبة الأولى ( لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا ، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسنه ، وحسنه الألباني : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي الكريم ،والذي يدعونا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصاحبة المؤمنين الأخيار ، ويحذرنا من مجالسة أهل الفسق والضلال ، فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان حرِيصًا على تَعليمِ أُمَّتِه ما يَنفعُها في دِينِها ودُنياها، وما يحفظُ عليهم عَلاقاتِهم الطَّيِّبةَ، وكانَ يحضُّ على التواصُلِ والتوادِّ والتصاحُبِ بين المسلمينَ، وهذا الحديثُ تَوجيهٌ وإرْشادٌ نَبويٌّ لِمَن أرادَ سلامةَ نفسِه وبيتِه وعَلاقاتِه معَ الناسِ. وقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: “لا تصاحِبْ إلَّا مُؤمِنًا”، أي: لا تَتخِذْ صاحِبًا ولا صديقًا إلَّا مِن المؤمنينَ؛ لأنَّ المؤمنَ يدلُّ صديقَه على الإيمانِ والهدى والخيرِ، ويَكونُ عُنوانًا لصاحِبه، والمؤمن : هو من أظهر عمل الخير، لأن القلوب لا يعلم ما فيها إلا الله تعالى، وليس للناس إلا الظاهر، فمن أظهر الاستقامة على دين الله ،بالمحافظة على الصلوات ، وأداء حق الله وترك محارم الله، فهذا يقال له: (مؤمن)، ويقال له: (مسلم) ويقال له: (متقٍ) أيضًا ، بحسب ما ظهر من أعمال، أما القلوب فإلى الله تعالى علمها ، فلا يعلم ما فيها إلا الله، وإنما يؤخذ الناس بما أظهروا من الأعمال، ولذلك يقول النبي ﷺ كما في صحيح مسلم : (التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ) ، والمعنى : أن أصل التقوى في القلب، فمتى صلح القلب صلحت الجوارح، ومتى فسد القلب فسدت الجوارح، فالنبي ﷺ يشير إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يعتني بقلبه، وأن يجتهد في صلاح قلبه وطهارته حتى تصلح أعماله وأقواله ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ».وفي الصحيحين : (أن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « ..أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ »، فالقلب هو الأساس، فمتى عمر بتقوى الله ومحبته وخشيته سبحانه والخوف منه، والنصح له ولعباده ، استقامت الجوارح على دين الله ،وعلى فعل ما أوجب الله ، وعلى ترك ما حرم الله. وليكن معلوما : أن القصود بالمصاحبة في هذا الحديث : هي المخالطة والمؤاكلة المجردة ، والتي لا يقصد من ورائها مصلحة شرعية ، أو لم تقتضها حاجة ؛ لما في مصاحبة أهل المعاصي والفسق ، من أثر على دين العبد وخلقه ، أما إذا قصد المسلم بمخالطة أهل المعاصي ودعوتهم إلى طعامه ، أن يتألف قلوبهم، ويستميلهم إليه ؛ ولأجل دعوتهم ونصحهم ، فلا حرج في ذلك .وكذلك الحال في الإحسان إلى أهل المعاصي بالمال والطعام والمسكن ؛ بقصد دفع حاجتهم ، فهذا لا حرج فيه أيضاً ، ويؤجر عليه الشخص ، بل إن المسلم يجوز له أن يحسن إلى غير المسلم
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : “ولا يَأكلْ طعامَكَ إلَّا تقِيٌّ”، أي: المتورِّعُ، والمرادُ: لا تَدعُ أحدًا إلى طعامِكَ وبيتِكَ إلَّا الأتقياءَ؛ فإنَّ التقيَّ يتقوَّى بطعامِكَ على طاعةِ اللهِ، وإذا دخلَ بيتَكَ لم يتطلَّعْ إلى عوراتِكَ، وإذا رَأى شيئًا ستَره عليكَ، أمَّا غيرُ الأتقياءِ مِن الفاسقينَ فهُم على العَكسِ مِن ذلكَ، فإنَّ الإطعامَ يُحدِثُ الملاطفةَ والمودَّةَ والأُلفةَ، فيجِبُ أن يكونَ ذلكَ للمؤمنينَ والصالحينَ. وقال العلماء: هذا فيما يختاره الإنسان ، ويتخذه عادة له، أما الضيوف فلهم شأن آخر، فالضيوف لا مانع من أن يقدم لهم الطعام ، وإن كانوا ليسوا أتقياء، وإن كانوا فجارًا ، وإن كانوا كفارًا، فالنبي ﷺ كان يقدم عليه الضيوف من الكفرة ، وغير الكفرة ، فيطعمهم ويكرمهم عليه الصلاة والسلام، ، تأليفًا لهم على الإسلام، وفي الصحيحين ، واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ،..) ،فإكرام الضيف مأمور به شرعًا ،ولو كان غير المسلم، وفي إكرامه دعوة إلى الإسلام، وتوجيه له إلى الخير؛ وليُعرف محاسن الإسلام ، ومكارم الأخلاق. أما أن تتخذ أصحابًا ليسوا مسلمين ، يأكلون طعامك ، ويصحبونك ، فلا، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً » وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ». فالمؤمن ينظر في أصحابه وأخلائه ، ويختار الأخيار الطيبين ، أهل الاستقامة ، وأهل السمعة الحسنة؛ حتى يعينوه على طاعة الله ،وحتى يستشيرهم فيما يشكل عليه، وحتى يتعاون معهم في الخير، ولا يتخذ أهل الفسق والكفر أصحابًا وأولياء؛ لأنهم يضرونه ويجرونه إلى أباطيلهم؛ وقال الخطابي رحمه الله – معلقاً على حديث اليوم : ” هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة ؛ وذلك أن الله سبحانه قال : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (8)الإنسان ، ومعلوم أن الأسرى كانوا كفاراً غير مؤمنين ولا أتقياء .وقال المناوي رحمه الله : ” (وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ) لأن المطاعمة توجب الألفة ، وتؤدي إلى الخلطة ، بل هي أوثق عرى المداخلة ، ومخالطة غير التقي تخل بالدين ، وتوقع في الشبه والمحظورات ، فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار ؛ إذ لا تخلو عن فساد : إما بمتابعة في فعل ، أو مسامحة في إغضاء عن منكر ، فإن سلم من ذلك ، ولا يكاد ، فلا تخطئه فتنة الغير به ، وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان ؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين ، وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه ” ” فيض القدير ” وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ” ليس الأكل مع الكافر حراما ، إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، أو المصلحة الشرعية , لكن لا تتخذهم أصحابا ، فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ، ولا تؤانسهم , وتضحك معهم , ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة ، كالأكل مع الضيف ، أو ليدعوهم إلى الله ، ويرشدهم إلى الحق ، أو لأسباب أخرى شرعية ، فلا بأس . وإباحة طعام أهل الكتاب لنا ، لا تقتضي اتخاذهم أصحابا وجلساء ، ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية ”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا ، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله : ” وقوله : (وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ) أي : صاحبٌ تقى ، فالمقصود من ذلك : أن الإنسان لا يدعو إلا أناساً طيبين ، ولا يدعو أناساً ليسوا أتقياء ، إلا إذا كان يريد من وراء ذلك استمالتهم وتوجيههم ، ودعوتهم وإصلاحهم ونصحهم ، فإذا كان ذلك لهذه المصلحة ، فلا بأس في ذلك ، وإلا فإن الأصل أن الإنسان تكون مجالسته ومخالطته ومؤاكلته مع أناس طيبين ، وأما إذا كان يخالط أناساً فيهم سوء ، ولا يكترث بذلك فإن ذلك يؤثر عليه ، ولكن إذا كان من أجل أن يدعوهم ، وينبههم ، ويستميلهم ، ويذكرهم ، ويسعى لإصلاحهم ، فهذا مقصد طيب . فالصاحب ساحب ، فإن كان صالحاً سحبه إلى الصلاح ، وإن كان طالحاً سحبه إلى الطـلاح ، ولذلك قيل : (عن المرء لا تسأل ، واسأل عن قرينه ، وكل مقارِن بالمقارَن يقتدي) ،ومن هنا جاء نهي رسـول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أن يخالط المشرك ، خشية أن يتأثر بشيء من تقاليده ، وعادته ، وأخلاقه ، وأطباعه. ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يخالط إلا الصالحين ، وهذا هـو المقصود من قوله عليه السلام في الحديث السابق: « لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ ». ولله در من قال: لا تصاحب إلا أحد رجلين؛ رجل تتعلم منه شيئاً في أمر دينك فينفعك، أو رجل تعلمه شيئاً في أمر دينه فيقبل منك، والثالث فاهرب منه، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ ) ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يوصيك بهذا ، ليحمي بيتك من الخراب ،والدمار، فاحرص على ذلك ، لتجد أثر ذلك في الدنيا والآخرة. ومما يرشد إليه هذا الحديث : النَّهيُ عن اتِّخاذِ الأصحابِ مِن الفسَقةِ، والأمرُ باتَّخاذِهم مِن الأتقياءِ المؤمنينَ.وفيهِ أيضا : النَّهيُ عن دَعوةِ الفَسقةِ إلى الطَّعامِ، والأمرُ بدَعوةِ الصالحينَ إليه.
الدعاء