خطبة عن الرسول (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)
أكتوبر 12, 2019خطبة عن (أمنيتي: تحكيم شرع الله والنظر إلى وجه الله الكريم)
أكتوبر 16, 2019الخطبة الأولى : استحباب لبس الأبيض من الثياب ( الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند صحيح ، وصححه الألباني : ( عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ».
إخوة الإسلام
اللباس نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى ، والتي أمتن الله بها على عباده، وشرع لهم ما يستر عوراتهم، ويكون لهم سترًا وجمالاً ،بدلاً من قبح العري وشناعته ، قَالَ الله تَعَالَى : (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) [الأعراف:26]، وقال الله تَعَالَى: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ) [النحل:81]. فمن فوائد اللباس : حفظ الجسد : فهناك سرابيل تقي من حر الصيف ، وسرابيل تقي من برد الشتاء، وفي القتال أيضا يحتاج الانسان إلى اللباس لاتقاء السلاح. ومن فوائد اللباس : دفع الأذى: ودفع الأذى يشمل ما يكون في الحرب والجو وغيره، ومن فوائد اللباس : حصول الزينة ، والتجمل . وفي هذا الحديث النبوي الكريم ، يرغبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبس البياض من اللباس والثياب ، فيقول صلى الله عليه وسلم : « الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ». فاللون الأبيض (أَطْهَرُ) لأنه يُظْهِر أيَّ نجاسة تعلق بالثوب، فيسهل على المسلم تطهيره، وهو (أَطْيَبُ ) لأنه يُشِع أجواء الهدوء والراحة، وهو أمر تكاد تُجمع عليه كل الشعوب ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السُّنَّة أن يجعل شكل المسلم مألوفًا مقبولاً من الجميع، ولأن لبس الأبيض -خاصة في التجمُّعات الكبرى، كصلاة الجمعة والأعياد- أمر يدفع إلى السرور والراحة، وهو في النهاية تقليد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباع لسنته ، واللون الأبيض فيه جمال، وفيه طهارة، حيث إن الثوب الأبيض إذا كان عليه شيء من تراب ،أو من وسخ ،أو من نجاسة ، تظهر فيه، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يدعو ربه يقول : (اللَّهُمَّ نَقِّنِى مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ) متفق عليه
والأصل في اللباس الحل بجميع الأنواع، هذا هو الأصل في اللباس؛ لأن الله خلق لعباده حاجاتهم من أنواع اللباس، كما جاء مصرحا به في قوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ يعني عوراتكم وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) [الأعراف:26]، وقال جل وعلا: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ يعني والبرد وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ) [النحل:81]. فأذن الله تعالى لعباده في اللباس ما تنبت لهم الأرض ،ومما يصنعون من الدروع من الحديد للحرب، وغير ذلك مما يحتاجون إليه من الجلود كالخفاف والنعال، ومن الصوف ومن الوبر ومن الشعر، ومن غير ذلك، ولكن دلت الأحاديث على أن البياض أفضل، وإلا فجميع أنواع الملابس ،وجميع أنواع النبات من أصفر وأحمر وأسود وأخضر كله جائز ، إلا أن البياض أفضل؛ لورود الأحاديث في ذلك ، وقد ثبت عنه ﷺ أنه لبس الأحمر، وله قبة حمراء، وثبت عنه ﷺ أنه طاف ببرد أحمر عليه الصلاة والسلام، وجاء عنه أنه دخل مكة بعمامة سوداء، والأمر في هذا واسع، ولكن ليس للرجل التشبه بالنساء، وليس للنساء التشبه بالرجال، فعلى الرجل أن يلبس لباسًا لا يشبه النساء، وعلى المرأة أن تلبس لباسًا لا تشبه الرجال، وكذلك ليس له أن يلبس لبسة الكفار، بل يجب الحذر من مشابهة الكفرة ومشابهة النساء، أما الألوان فلا حرج فيها، وقد كره بعض أهل العلم الأحمر الخالص الذي ليس فيه خلط، وبعضهم لم يكرهه لإطلاق الأحاديث الأخرى في لبس الأحمر والأسود ، وبعضهم كره الذي شوب بالحمرة جدا ، ليس فيه خلط لأحاديث وردت في ذلك ، والذي يظهر أن لبس الأحمر جائز لأنها أصح،
أيها المسلمون
واللباس تعتريه الأحكام الشرعية الخمسة، فمنه ما هو فرض، ومنه ما هو مندوب، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو محرم. فالفرض منه ، ما يستر العورة، ويدفع الحر والبرد، بحيث إذا لم يلبسه الإنسان تضرر، ففي هذه الحالة يكون لبسه عليه واجبًا. والمندوب أو المستحب، ما يحصل به إظهار النعمة : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) [الضحى: 11]، وفي سنن النسائي وصحه الألباني : (عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَآنِي سَيِّئَ الْهَيْئَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : « هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ ». قَالَ نَعَمْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ آتَانِي اللَّهُ. فَقَالَ « إِذَا كَانَ لَكَ مَالٌ فَلْيُرَ عَلَيْكَ ». ومن المندوب أيضاً: اللبس للتزين في الجمع والأعياد، فهذه من المستحبات . وكذلك لمجامع الناس؛ فقد روى ابن ماجة وصححه الألباني : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ ». وأما المكروه، فهو ما يكون مظنة التكبر، أو ما قد يؤدي إليه، وما فيه إنفاق مال كثير بدون فائدة، ففي صحيح البخاري : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ » . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ ) والمخيلة: هي الكبر. وفي مسند البزار وصححه الألباني : (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمِنَ الْكِبْرِ أَنْ تَكُونَ لِي حُلَّةٌ فَأَلْبَسُهَا ؟ قَالَ : لاَ ، قُلْتُ : أَمِنَ الْكِبْرِ أَنْ تَكُونَ لِي رَاحِلَةٌ فَأَرْكَبُهَا ؟ قَالَ : لاَ ، قُلْتُ : أَمِنَ الْكِبْرِ أَنْ أَصْنَعَ طَعَامًا فَأَدْعُو أَصْحَابِي ؟ ،قَالَ : لاَ ، الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ ، وَتَغْمِضَ النَّاسَ ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : استحباب لبس الأبيض من الثياب ( الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما اللباس المحرم، فهو كل لباس لبس بقصد الكبر والخيلاء، أو ما كان فيه إسبال على الراجح، أو لبس الحرير للرجال بغير عذر، ونحو ذلك من الأمور. وهذه الألبسة المشروعة، كل ما كان فيه إظهارًا لصفة الآدمية؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل آدابًا للبشر منها هذا اللباس؛ كما يظهر في قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) [الإسراء: 70]، وكشف العورة من الأمور التي يتسبب عنها ذيوع الرذيلة، وشيوع الفساد بين أفراد المجتمع ، واحترام آدمية الإنسان وتميزه عن البهائم، يتجلى في خلق هذا اللباس الذي جعله الله سبحانه وتعالى له.
أيها المسلمون
وأما بالنسبة لهدي ﷺ في اللباس، فإنه ﷺ كان يلبس ما تيسر من اللباس من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة، ولبس البرود اليمانية، والبرد الأخضر، ولبس الجبة، والقباء، ولبس القميص والسراويل، والإزار والرداء، والخف والنعل. والمسلم يكون معتدلا في لباسه ، فلا يكون كالذين يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهدًا وتعبدًا، ولا كالذين لا يلبسون إلا الذي فيه إسراف، ومغالاة، ولا يأكلون إلا ألين الطعام، ويرون لبس الخشن من الثياب يعتبرونه إزراءً، ولذلك لا يلبسونه، أو يعرضون عنه تكبرًا وتجبرًا، وقد كان السلف الصالح يلبسون الثياب المتوسطة، لا المرتفعة ولا الدون، ويتخيرون أجودها للجمعة، والعيدين ، ولقاء الإخوان، ولم يكن تخير الأجود عندهم أمرًا قبيحًا. وأما اللباس الذي يزري بصاحبه، فإنه قد يتضمن شكوى للخلق، ومد اليد إلى الناس لنيل أموالهم. وينبغي أن يعلم أنه ليس كل ما تهواه النفس يذم، وليس كل ما يتزين به للناس يكره، وإنما ينهى عن ذلك إذا نهى عنه الشرع، أو كان على وجه الرياء في الدين، فإن الإنسان يحب أن يرى جميلاً، وذلك حظ للنفس، وهذا لا يلام عليه، والرجل يحب أن تكون نعله حسنة، وثوبه حسنًا، فبين له ﷺ أن ذلك ليس من الكبر. فالنبي ﷺ كان له حلة يتجمل بها للوفود، استقبال الناس يأتيه زعماء قبائل، ناس من كبار القوم، معظمين عند أقوامهم، يأتيه من هؤلاء، فهنا يحسن لباسه من أجل لقائهم.
الدعاء