خطبة عن (الأشهر الحُرُم: حكمتها، وفضائلها
أكتوبر 1, 2017خطبة عن: مراقبة الله (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
أكتوبر 7, 2017الخطبة الأولى اسم الله (البديع : بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال الله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) البقرة 117
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العظيم: اسمه سبحانه (البديع ) قال الله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) البقرة 117 ، وقال تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ). (101) الأنعام ،والبديعُ: هو الذي خَلَقَ الخلقَ مبدِعًا له ومخترِعًا ليس على مِثالٍ سَبَقَ ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي أبدع الخلق ، فخلق السموات والأرض ،والشجر والحجر، والإنسان والحيوان، وسائر المخلوقات، على غير مثال سابق، وعندما نتأمل عظمة الحق سبحانه ،نجد أنه يخلق كل خلقه بلا تماثل، فمنذ أن خلق الله آدم وحواء وإلي أن تقوم الساعة لن نجد إنساناً يشبه إنساناً آخر، لا في الشكل ولا في المضمون، وذلك دليل على طلاقة القدرة وسعة القوالب عند الحق تبارك وتعالى . فهو سبحانه وتعالى لا تعجزه هذه الأمور، لا في الإرادة، ولا في القدرة، ولا في الخلق، ولا في الإخراج من العدم إلى الوجود. وهو الذي يُبْدِع، فيصدر منه كل شيء؛ خلقًا، وقدرًا، وتوفيقًا، وهدايةً، وإضلالًا، فقد خلق الخير والشر، وهو بديع السماوات والأرض؛ لكنه لا يتسلط عليه أحد، ولا يقدر عليه أحد. والله سبحانه وتعالى هو البديع المبدع، فرأينا في هذا الكون كيف كان إبداعه، وأن هذا الكون متسق ومنظم ، وأن وراءه حكمة، ومن ورائه غاية وهدف ، قال تعالى : (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ) آل عمران 191 ،وقال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) (2) :(5) الأعلى ، والله هو الخالق البديع في ذاته، فلا يماثله أحد في صفاته، ولا في حكم من أحكامه، أو أمر من أوامره. فهو البديع المطلق الذي أبدع الخلق من غير مثال سبق، وهو الذي أظهر عجائب صنعته وغرائب حكمته .
أيها المسلمون
ويبرز لنا الحق سبحانه طلاقة قدرته في قوله الكريم: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الروم (17) :(27) فالحق سبحانه هو الذي يخرج من الكائن الحي أشياء لا حياة فيها، ويحيى الأرض بالنبات بعد جفافها، وخلق الإنسان من تراب، وجعل من التراب بشراً متفرقين في الأرض يعملون في الكون الموهوب لهم من الله. ومن دلائل عظمته أنه خلق للإنسان أزواجاً من نوع الإنسان، وإن اختلف الذكر عن الأنثى، يتزوج الذكر الأنثى، وتتزوج الأنثى الذكر، على أساس من المودة والتراحم. وفي ذلك كله دلائل لقوم يتأملون بالفكر بديع صنع الله في خلق السماوات والأرض، واختلاف ألوان البشر، وتباين ألسنتهم، وقال الله تعالى :(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (57) غافر ، فإذا كنت ترى أيها الانسان في نفسك عجائب كثيرة من خلق الله، وإذا كان العلم التشريحي، أو علم وظائف الأعضاء يعطينا كل يوم سراً في جسد الإنسان نتعجب له، فخلق السماوات والأرض أعجب من ذلك، لأنه أول إيجاد من عدم، وإيجاده بديع.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية اسم الله (البديع : بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذا الكون المعجز البديع والذي خلقه الله بقدرته الذاتية الفائقة ، فلو أطلقنا الفكر في خلق الرحمن لركعنا وسجدنا له ليلاً ونهاراً مُسبّحين له، فسبحان من أبدع خلق كلّ شيء. ومن أكثر الكائنات جمالاً، والتي تجذبنا كما جذبت من قبلنا من المتفكّرين في خلق الله سبحانه وتعالى الطيور بألوان ريشها، وأصواتها، وحركاتها الرشيقة وهي تطير في السماء. وأكثر ما يلفت عين المُتأمّل في الطيور هو ألوان الريش الزاهية وأشكاله، وهذا الريش هو بُنيان متكامل لو لم يخلقه الله بهذا الشكل المميّز والفريد لما استطاعت الطيور الطيران، فالريشة تتكوّن من “الكيراتين” وهو نوع من أنواع البروتين، وهي مادة متينة ومرنة في الوقت نفسه، تكوّنت من خلايا جلد قديمة كانت قد ماتت فخرجت من أعماق طبقة الجلد إلى الطبقة الخارجيّة، لتفسح مجالاً لخلايا جديدة في النمو وهكذا، وشكل الريش وتصميمه الفريد يسمح للطيور بالطيران في حين لا يسمح أيّ شكل آخر بذلك، فهي تنسجم مع ديناميكيّة الهواء، فالريش يمتلك بُنية قويّة وخفيفة الوزن في الوقت نفسه، وتتكوّن الريشة من قصبة رئيسيّة عريضة، ويتفرّع من تلك القصبة قصبات صغيرة، ورفيعة تخرج في عدّة اتجاهات، وتحمل كلّ قصبة رفيعة منها آلافاً من الخيوط الرفيعة التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، وتتّصل هذه الخيوط مع بعضها بما يشبه الأشواك أو الخطّافات، وتكون هذه الخطّافات متقاربة ومرتّبة على شكل خطوطٍ متوازية . وتتمكّن أغلب الطيور من الاحتفاظ بريشها نظيفاً طوال الوقت، ويعود ذلك لوجود غدّة زيتيّة في أسفل ذيولها، وعادة ما يفرك الطائر هذا الزيت على ريشه كلّه باستخدام منقاره، ويكوّن الزيت طبقة عازلة تحمي الريش من الأوساخ، وتكمن أهمية ذلك في أنّ الريش المتّسخ يزيد وزنه عن الريش النظيف وقد يختلف شكله كذلك، وبالتالي قد يصعب على الطائر الطيران به. وهدف الريش الرئيسي: هو حفظ حرارة الطائر وتدفئته في الفصول الباردة، والمحافظة على برودته في الفصول الحارة، وقد تكون القدرة على الطيران هدفاً ثانويّاً، لأنّ بعض الطيور لا تستطيع الطيران، مثل طائر النعّام وغيره، ولذلك لا يمكن للطائر أن يعيش ويبقى دون ريش، فسبحان من سوّاه.
وتمتلك الطيور عظاماً مجوّفة مقارنة بعظام الثديّات وذلك لتخفيف وزنها، وبالتالي استهلاكها طاقة أقل أثناء الطيران، ويمتلك كلّ طائر هيكلاً عظميّاً مختلفاً ومتكيّفاً مع بيئته وطبيعة حياته، فلا تتشابه كلّ الطيور بسماكة وكثافة بُنيتها العظميّة، ولكن بشكل عامٍّ تمتاز الهياكل العظميّة للطيور بخفّة أوزانها مقارنة بالحيوانات الثديّة. وتحتاج الطيور إلى كميّة من الأكسجين تفوق الكمية التي تحتاجها الثديّات بنحو عشرين ضعفاً، ولذلك تكون رئة الطائر ذات تصميم مميّز يخدم هذا الغرض، فالثدياّت تتنفس تنفّساً “ثنائي الاتجاه” فهي تُدخل الهواء بالشهيق، ثمّ تُبقي على الأكسجين ويُطرَد باقي الهواء خارجاً بالزفير، أمّا في الطيور فالتنفس “أُحادي الاتجاه” ممّا يعني أنّ الهواء يدخل في جهة ويخرج من الجهة الأخرى في الوقت ذاته وهذه الطريقة توفّر كميّة أكبر من الأكسجين في وقت أقل. فالله تبارك وتعالى بإبداعه لهذا الكون وما فيه من مخلوقات يخاطب أولئك الملحدين الذين يدّعون أن الكون وُجد بالمصادفة ، فبإبداعه للكون يقول سبحانه : (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 11] ،والمؤمن بحاجة دائمة لتأمل مخلوقات الله تعالى ليزداد إيماناً ويقيناً بهذا الخالق العظيم، وكيف خلق هذه المخلوقات ، وسخر لها أسباب الرزق والبقاء. فسبحان الله ، سبحان من خلق فابدع ، وسبحان من خلق فسوى ، وسبحان من قدر فهدى
الدعاء