خطبة عن (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)
يناير 10, 2016خطبة عن ( ما هي أمنيات الموتى )
يناير 10, 2016الخطبة الأولى (اسم الله الحكيم ) 1
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180،
إخوة الإسلام
اليوم -إن شاء الله- موعدنا مع اسم من أسماء الله الحسنى ، ألا وهو اسمه ( الحكيم ) ، يقول الله في محكم آياته (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) سبأ 27 ، ومن معاني الحكيم ( الَّذِي لا يَقُولُ وَلا يَفْعَلُ إِلاَّ الصَّوَاب ) وهو حكيم في أقواله وأفعاله. والْحَكِيمُ أيضا (هُوَ الْمُحْكِمُ لِخَلْقِ الأَشْيَاءِ )، والحكيم تعني : ( وضع الشيء في موضعه ) ، فالله سبحانه وتعالى حكيم ، أي خلق كل شيء لحكمة وبحكمة ، خلق كل شيء لحكمة ( أي لهدف معلوم ، ومهمة محددة ، ورسالة واضحة ، ولغرض مقصود ) فكل ما في الوجود لم يخلق عبثا ، ولم يخلق لعبا ، بغير هدف ولا غرض ولا معنى ، وإنما كل شيء في هذا الوجود خلق ليؤدي رسالة معينة ، ومهمة محددة ، يقول الله تعالى مي محكم آياته : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون 15 ، 16 ، ويقول سبحانه (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) الأنبياء 16 ، وقول سبحانه (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا) ص 27،
نعم ، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئا لهوا ولا عبثا ولا باطلا ، ولكن كل شيء خلقه لحكمة ، لأنه سبحانه حكيم ، ويبين سبحانه وتعالى لخلقه حكمته في خلق بعض الأشياء ، فيقول سبحانه عن خلق الأرض : (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن 10: 13، ويقول سبحانه في خلق السماء (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) غافر 64، ويبين سبحانه الحكمة من خلق الإنسان بقوله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ) الذاريات 56 ، 57 ، أما عن الشمس والقمر فيقول سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يونس 5 ، 6،أما عن البحار والأنهار فيقول سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)النحل 14 ، أما حكمته في الحيوانات والأنعام فيقول سبحانه (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) النحل 5: 8، هذا على سبيل المثال لا الحصر ، فالله سبحانه وتعالى حكيم ، وقد نعلم حكمته في خلق الأشياء ، وقد لا نعلمها ، وقد يكشف العلم الحديث اليوم حكما لأشياء قد جهلها آباؤنا الأولون ولكن المؤمن مقر بأن الله حكيم في كل شيء ، فهذه الأشجار والزروع والحشرات والطيور والكواكب والنجوم حتى البكتريا والفطريات الدقيقة كل ذلك مخلوق لحكمة ، وحتى يستقيم بها نظام الكون وحتى أعضاء جسدك ( يديك ورجليك وأذنك وعينيك وأصابعك وقديك ) كل ذلك خلق لحكمة ، يقول سبحانه (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) الدخان 8 ،9 ،
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى الشق الثاني من معنى الحكيم ، ( فكما أنه سبحانه وتعالى خلق كل شيء لحكمة ، فقد خلق أيضا كل شيء بحكمة ) ، ومعنى بحكمة : أي بقدر ومقدار ووزن معلوم ، لا زيادة فيه ولا نقص ، فإن زاد أو نقص اختل نظام الكون ، يقول سبحانه (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) الرعد 8، ويقول سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) الحجر 21، وأبسط مثال لخلقه سبحانه الأشياء بحكمة ، هذه الأرض التي نعيش عليها ، فلو زادت كتلتها أو نقصت ، أو تحركت من موضعها أو مسارها ، فاقترب أو ابتعدت ، لهوت في الكون السحيق ، وانتهت عليها الحياة ، لذا يقول سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) فاطر 41 ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اسم الله الحكيم )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والإنسان أحياناً قد يرى ما لا يُرضيه، أو يسوق الله له ما لا يسره، وما لا يعجبه ، فإن كان مؤمنا باسمه الحكيم رضي به ، لأن أفعال الله سبحانه وتعالى كُلُها متعلّقِة بالحِكمة ، فإذا عرف العبد ذلك ، وتيقن هذا المعنى ، وأن كل ما يجري في هذا الكون هو لحكمة بالغة ، أرادها الله تبارك وتعالى- علم هذه الحكمة من علمها وجهلها من جهلها- كان لهذه المعرفة الأثر البالغ في حياته وتصرفاته ونظرته للكون والحياة ،وعاش مطمئن القلب قرير العين مفوضا الأمر كله إلى الله تعالى متقنا لعمله محسنا لعبادته، ومتيقنا أن كل ما يجري في الكون والحياة هو من تقدير الحكيم العليم اللطيف الخبير الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه. وقد يسأل سائل: لماذا فلان كان عقيماً ؟ الإجابة لحِكمة بالغة.. ولماذا فلان مات في سن مبكرة ؟ لحِكمة بالغة.. لماذا فلان عاش عمراً مديداً ؟ لحِكمة بالغة.. ولماذا فلان كان غنياً ؟ لحِكمة بالغة.. ولماذا فلان كان فقيراً ؟ لحِكمة بالغة.. فأنا أذكر كل هذا وأنا واثق مما أقوله، وأي شيء أعجبك أو لم يعجبك فقل لابد من حِكمة بالغة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى حكيم
أيها المسلمون
والحِكمة يمكن أن يؤتاها الإنسان، وأقول: لو أنَّ الله عز وجل آتاك أجمل امرأة في الأرض ولم يؤتِكَ الحِكمة لجعلتها أسوأ امرأة ، ولو أعطاك مال قارون ولم يؤتِكَ الحِكمة لبُدِّد هذا المال ولكان حسرةً عليك يوم القيامة ، ولو أعطاك صِحةً رائعة ولم يؤتِكَ الحِكمة لاستهلكت هذه الصحة في سفاسف الأمور، و لو أعطاك أولاداً نجباء ولم تكن حكيماً لكانوا زادك إلى النار. فأي شيء إذا أُعطيته من دون حِكمة كان حسرةً عليك يوم القيامة، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) البقرة 269 ، فأنت بالحِكمة يمكن أن تكون أسعد الناس بدخلٍ قليل، وبالحُمق تشقى بالدخل الكثير، وبالحِكمة تَسعَد بزوجة من الدرجة الخامسة، وبالحُمق تشقى بزوجة من الدرجة الأولى. بالحِكمة ترقى بأولادٍ ضِعاف، وبالحُمق تسفل بأولادٍ نجباء، نعم.. لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه. ومن الحكمة أن تعرف الله ، يقول الإمام الغزالي: ” من عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله عز وجل لا يستحق أن يسمى حكيماً “، وهذا بعض العارفين: يقول : ” يا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ “،
الدعاء