خطبة عن ( طريق الحق واحد )
فبراير 14, 2017خطبة عن (الصحابي: (عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ)
فبراير 15, 2017الخطبة الأولى ( مع اسم الله (الحَمِيد )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال تعالى : (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (64) الحج
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتابه الله العظيم: اسمه سبحانه: (الحَمِيد) ، قال تعالى : (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (64) الحج ،وقال تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (267) البقرة ،وقال تعالى:(وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(8) إبراهيم ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (15) فاطر ،وقال تعالى : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (12) لقمان ،وقال تعالى : (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (26) لقمان ،وقال تعالى :(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (42) فصلت ، وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث كعب بن عجرة أنه (قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ . قَالَ « قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » و”الحميد” كلمه مشتقه من مادة الحمد، وهي مضاد الذم، فالكامل يُحمد والناقص يُذم، والكامل المطلق هو الله سبحانه وتعالى، فالحميد في أفعاله، وفي خلقه، وفي شرعه، وفي أقواله، هو الله سبحانه وتعالى. فلا حميد في هذا الكون إلا الله سبحانه وتعالى. وكلمة الحمد تطلق للثناء على الكامل. وقد ورد اسم الله (الْحَمِيد) في القرآن الكريم سبع عشرة مرة ، ومن المعاني التي وردت في اسمه تعالى ( الْحَمِيد ) وأن الحميد: هو فعيل في معنى مفعول ..فهو المحمود بكل لسان وعلى كل حال
والحميد: هو المحمود على وحدانيته وتعاليه عن الشريك والنظير، قال تعالى : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } (111) الاسراء ،والحميد: في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فله من الأسماء أحسنها ومن الصفات أكملها فإن أفعاله دائرة بين الفضل والعدل ،والحميد: هو المحمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه وبسط لهم من فضله ، قال تعالى : (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) النحل 53 ،والحميد: هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله وهو الذي يحمد في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء لأنه حكيم ،والحميد: المحمود بكلِّ لسان، وعلى كل حال، فجميع المخلوقات ناطقة بحمده ، قال تعالى: { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } الاسراء 44، والحميد: هو الذي يجعل من يشاء من عباده محمودًا، فيهبه حمدًا من عنده، فيحمده الخلق، ويثنون عليه. والحميد: هو الذي يحمد من يستحقُّ الحمد، فهو يصف من يستحقُّ من عباده الصفات الكاملة بما يستحقُّه، ولهذا أثنى على أنبيائه، وعلى أوليائه ،وفي قوله تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي: ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله تعالى غني عنه ، فهو محمود في ذاته، لا يضرُّه الإعراض عن شكره. وهو الغني عن حمد الحامدين له ، بل هم بحمدهم له إنما يحسنون إلى أنفسهم. وفي قوله تعالى :{ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } دلَّ هذا الاقتران على أنه تعالى محمود على ولايته، لأنها ولاية كمال على الإطلاق. فالله سبحانه هو المستحق للحمد، وسمّى نفسه الحميد علا شأنه وارتفع، وحمد نفسه وحمده الموحدون ،فله الحمد كله. وهو سبحانه المحمود على ما أعطى ومنع وضر ونفع ووهب ونزع. قال ابن القيم رحمه الله: “{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، أنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم ومحمود على خلق الأبرار والفجار”. وقال شيخ الإسلام : ( الحمد نوعان : حمد على إحسانه إلى عباده وهو الشكر وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله وهذا الحمد لا يكون إلا لمن هو متصف بصفات الكمال)
أيها المسلمون
والله هو المحمود على عدله في أعدائه ،كما هو المحمود على فضله في إنعامه على أوليائه، فكل ذرة في الكون شاهدة بحمده ،لهذا سبح بحمده السموات السبع والأرض ومن فيهن. كذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أنه خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء، فهم يحمدونه في السراء والضراء ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء؛ فإن ابتلاهم صبروا وإن أنعم عليهم شكروا. لذلك قال الله في وصفهم: {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} [الأعراف43]. وقال أيضًا سبحانه: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34]. وقالوا: {أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وهذا يعني أن الدنيا دار شقاء وعناء ومن ابتغى فيها السعادة فهو خاسر، وأن أعظم البلاء حرمان القلوب من علّام الغيوب، وحرمان الجنان من الرحيم الرحمن. وذكر “غفورٌ شكور” في هذا الموضع وقدم الغفور لأنه هو الذي يستر العيوب والذنوب العظام. فكأن أهل الجنة عندما أمسكوا صحائفهم ورأوا أعمالهم وذنوبهم وعاينوا أهوال الحشر، ثم يرون هذه القبائح العظام قد محيت وضوعفت حسناتهم على ما فيها من تقصير وشوائب، عرفوا وشعروا بمعني الله الغفور الشكور حقًا. ونحن نحتاج في الدنيا إلى الشعور بهذا المعنى، حسناتك تكثرها وتشكره عليه، وذنوبك تستغفر منها وتشكره وتحمده تعالى على فضله وغفرانه. واسمه الحميد يلزم منه أن يكون الله حيٌّ، قيُّوم، سميعٌ، بصيرٌ، غنيٌ، كريمٌ، حليمٌ، عزيزٌ، عظيمٌ، إلى غير هذا من أوصاف الجمال والجلال. وفي قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].{وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} ذكره للوليّ هنا لأن منعه ولاية وعطاؤه ولاية، لأنه لا يمنع بخلًا سبحانه وإنما يمنع تربية ومحبة وحماية، فهو الذي يُدبِّر الأمر ففوِّض أمرك إلى الله واجعله وليك وارضى عن أفعاله.
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى حظ العبد المؤمن من اسم الله الحميد: أولًا: أن نُكثِر من حمد الله سبحانه وتعالى على سائر الأحوال ونسبح بحمده ،كما يسبح كل شيء في الكون بحمده سبحانه، قال تعالى : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء 44] ، وكلمة {شَيْءٍ} أي: الموجود، تطلق على سائر الموجودات، أي ما من مخلوقٍ موجودٍ إلا ويسبح بحمد الله. واعلم أن حمد الله سبحانه وتعالى يستوجب رضاه ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ». والحمد مستوجب لغفران الذنوب وعلو المكانة عند الله وبلوغ مقام الرضا. ولا أفضل من مقام الرضا فلنحمد الله بالقلب وباللسان وبالجوارح بالتعبُّد والخضوع لله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطَّهورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ -أو: تملأُ- ما بين السماواتِ والأرضِ» (رواه مسلم).
والحمد لله من أحب الكلم إلى الله، كما جاء في الحديث: «أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ. لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ» (رواه مسلم). وقال الله تعالى على لسان سيدنا سليمان عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } [النمل19]، فهو يطلب من الله عملا صالحا يرضيه، لأنه ليس كل عمل صالح يرضيه. فالغني الذي يتصدّق بخمس جنيهات ليس كالفقير الذي يتصدّق بتلك الخمس ولا يقارن هذا بذاك. فإذا ليس كل عمل صالح يرضيه. وقال الله عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ من الآية:13]. وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصححه الألباني (عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ ،قَالَ لِي عِمْرَانُ إِنِّي لأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ لِيَنْفَعَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ ) ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلاَئِكَةً فُضُلاً يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ الذِّكْرِ فَإِذَا مَرُّوا بِمَجْلِسٍ عَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَبْلُغُوا الْعَرْشَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ مِنْ عِنْدِ عَبِيدٍ لَكَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُونَ بِكَ مِنَ النَّارِ وَيَسْتَغْفِرُونَكَ. فَيَقُولُ يَسْأَلُونِي جَنَّتِي هَلْ رَأَوْهَا فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا وَيَتَعَوَّذُونَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَيَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّ فِيهِمْ عَبْدَكَ الْخَطَّاءَ فُلاَناً مَرَّ بِهِمْ لِحَاجَةٍ لَهُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أُولَئِكَ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ».رواه أحمد وابن حبان و(صححه الألباني). فأول معنى في اسمه تعالى الحميد: أن تشكر ربك على كل أحوالك في الرخاء والبلاء. الأمر الثاني: أن اسمه تعالى الحميد مستوجب لمحبته لا محالة فيزداد لله حبًا بهذه اللطائف والمنن.
والأمر الثالث: هو الحياء.. أن يستحي المؤمن من ربه فالله سبحانه وتعالى هو حميدٌ وشاكرٌ ومحمودٌ من كل الخلق فهذا يستوجب الحياء ولا شك. والحياء يبعث على مقامٍ رابع.. وهو الذل والانكسار وهذا هو المعنى الرابع (الذل والانكسار لله الحميد) فالكل يقوم بمقام العبودية، وأنت مُقصِّر فتذل وهذا يبعث على الأنس بالله والشوق إليه.
أيها المسلمون
وقد يسأل سائل : ما الفرق بين الشكر والحمد ؟ – الشكر مرتبه أدنى من الحمد، فأنت تشكر الناس، ولا تحمد إلا الله سبحانه وتعالى. – الحمد أعم من الشكر، فالحمد أن تثني عليه سبحانه لذاته، وعظمته، وكماله، وجلاله، لكمال عطائه، ولكن الشكر لا يكون إلا مقابل لنعمه بعينها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه كما في صحيح البخاري : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ « اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، أَنْتَ الْحَقُّ ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ ، وَبِكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ » ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَتَهُ قَالَ « أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ ». فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ « أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا ». فَقَالَ رَجُلٌ جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا. فَقَالَ « لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَىْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا ». وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ « رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ».
وفي مسند أحمد (عَنْ نُعَيْمِ بْنِ سَلاَمَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ « اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَطْعَمْتَ وَسَقَيْتَ وَأَشْبَعْتَ وَأَرْوَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ غَيْرَ مَكْفُورٍ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْكَ ». وفي صحيح مسلم : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ « اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ». وفي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّى ». فالحمد لله الذي خلقنا وسوانا، والحمد لله الذي أنعم علينا إذ هدانا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي يقول في كتابه سبحانه: ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ ولَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً “( الكهف: 1)، والحمد لله الذي يقول في كتابه سبحانه:” الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ…” (فاطر:1) والحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات فيستجيب الدعاء لا يشغله سمع عن سمع،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله (الحَمِيد )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وماذا يعطيك الحميد إذا أكثرت من حمده بلسانك وقلبك؟ قال تعالى : ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ” (إبراهيم: 7) فحينما تقول أنت الآن الحمد لله تستجلب بها الآن نعمة، ولتلاحظ هنا أن الله تعالى لا يطلب منك أن تشكره لأنه يحتاج لشكرك وإنما ليعطيك المزيد، فقال تعالى ” مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ) ( الذاريات: 57)
فالله تعالى يدعونا إلى الطموح في الزيادة والطمع فيما عند الله تعالى. وفي سنن أبن ماجة (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَهُمْ « أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَالَ يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ فَعَضَّلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالاَ يَا رَبَّنَا إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لاَ نَدْرِى كَيْفَ نَكْتُبُهَا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ مَاذَا قَالَ عَبْدِى قَالاَ يَا رَبِّ إِنَّهُ قَالَ يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِى حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا ». والحمد هو المانع من العذاب، ألم تسمع قوله تعالى: ” مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إن شَكَرْتُمْ وآمَنتُمْ وكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً) ( النساء: 147).
والحمد هو ختام الحساب” وتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ …” (الزمر: 75) والحمد لله عند دخول الجنة: ” وقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي صَدَقَنَا وعْدَهُ وأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ “( الزمر: 74) وسائل قد يسأل : ما أثر تجاهل الحمد؟ فنقول : عدم حمد الله تعالى على نعمته ينتج عنه التالي:- قد يسلب النعمة كلياً. – وقد يُضيع حلاوتها – وقد تتحول لنقمة (فيصبح ولدك أو أموالك سبب لتعاستك) – وقد تحدث لك مصيبة تغلب مرارتها على حلاوة النعمة. وروى أحمد في مسنده (أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةَ تُحَدِّثُ زَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ يَوْماً وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَيْهِنَّ بِالسَّلاَمِ قَالَ « إِيَّاكُنَّ وَكُفْرَانَ الْمُنَعَّمِينَ إِيَّاكُنَّ وَكُفْرَانَ الْمُنَعَّمِينَ ». قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ كُفْرَانِ نِعَمِ اللَّهِ. قَالَ « بَلَى إِنَّ إِحْدَاكُنَّ تَطُولُ أَيْمَتُهَا وَيَطُولُ تَعْنِيسُهَا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا اللَّهُ الْبَعْلَ وَيُفِيدُهَا الْوَلَدَ وَقُرَّةَ الْعَيْنِ ثُمَّ تَغْضَبُ الْغَضْبَةَ فَتُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ سَاعَةَ خَيْرٍ قَطُّ فَذَلِكَ مِنْ كُفْرَانِ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ مِنْ كُفْرَانِ الْمُنَعَّمِينَ ». وقال الله تعالى:” أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ) ( إبراهيم: 28) ، وقوله تعالى “ومَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ “( البقرة: 211) فالله إذا أنعم عليك واستخدمت النعمة في المعصية ، ولم تحمده عليها فالجزاء هو العذاب. وسلاح إبليس ( عليه اللعنة ) ألا يجعلنا شاكرين:”… ، قال تعالى على لسانه (ولا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ” (الأعراف: 17) ، فيجعلك الشيطان تبدل النعمة، وتطمع في نعمه ليس في يدك ويجعلك لا تشكر.
أيها المسلمون
ولنرى نماذج ممن عرفوا الحميد سبحانه: – فالنبي صلى الله عليه وسلم حين كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه وكان يراوح بين القدمين، ويقول لعائشة: أفلا أكون عبدا شكورا؟!”، وكان يقول كل ليله “اللهم لك الحمد، أنت مَلك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيّـوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق ولقـاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيـون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق.” – وعلي بن أبي طالب، وذلك حين قال له شخص كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أصبحت متقلبا في النعم عاجزا عن الشكر. – ويسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه شخص في الطريق فيقول له كيف أصبحت؟ فيقول له: أصبحت بخير، فيقول له عمر: كيف أصبحت؟ فيقول: بخير، فيكرر عمر السؤال حتى قال له الرجل: أصبحت بخير والحمد لله، فيقول له عمر: هذا ما أردت. فكان يسأل الناس عن أحوالهم ليستنطق الشكر من أفواههم.- ويقول تعالى عن نوح عليه السلام:” …إنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ” (الإسراء: 3). – ويقول تعالى عن إبراهيم عليه السلام ” شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وهَدَاهُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (النحل: 121) : وكيف تحمد الحميد؟ – أولا: بشكر النعمة باطناً.- ثانيا: أن تحمد الله باطنا وظاهراُ وهذه درجه أعلى في الحمد، ” وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ” (الضحى: 11) ،ثالثا: أن تشكر الله على نعمه باستخدامها في صلاح الأرض، ” اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ” (سبأ: 13)
وذلك بتصريف النعم في مرضاة الله، وهذا هو المستوى الأعلى والأحب إلى الله في الحمد.
أيها المسلمون
فأين أنتم من نبيكم صلى الله عليه وسلم في حمده لربه عز وجل ؟! . أما يستحي الواحد منكم من شكره الجزيل وثنائه البالغ للبشر إذا قدّم واحد منهم إليه معروفاً؟! وهذا ليس بخطأ أن تشكره، بل هو مما علمناه ديننا الحنيف، فقد روي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاس” [أبو داود ]، إلا أن المصيبة ألا يكون للمنعم من حمدك وثنائك، أما نستحي أن نعطي للخلق مالا تعطي للخالق الحميد سبحانه وتعالى؟! وهو سبحانه الحميد، ألا تستحي أن الكون كله بسمائه وأرضه وجبله وسهله ومائه ويابسه وطيره وزواحفه يلهج بذكره ويسبحه سبحانه: (وإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..) [الإسراء: 44]، وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) [النور: 41]، ، وتكون أنت الوحيد من يصد ويند عن ذكره وشكره وينأى عن ثنائه وحمده، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فَقَالَ: ” لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ لَيْلَةَ الجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: 13]، قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ” [الترمذي ]، ومن أعظم نعم الله علينا، والذي يوجب حمده علينا، أن جعلنا عبيداً له خاصة، ولم يجعلنا عبيداً لإله باطل من حجر أو خشب، لا يسمع مناجاتنا، ولا يبصر أفعالنا، ولا يعلم أحوالنا، ولا يملك لعابديه ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى، وهذا كله يستوجب حمده وشكره على آلائه وإحسانه وإنعامه، فلله الحمد كله على ما أنعم به من غذاء الأبدان ، وله الحمد على ما تفضل به من غذاء القلوب والأرواح، وله الحمد على ما أعطى ومنع، وعلى ما قدم وأخر، وعلى ما قضى وقدر، وعلى ما شرع وأمر.
الدعاء