خطبة عن قوله تعالى ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)
يوليو 1, 2017خطبة عن (مناجاة: إلهي وسيدي ومولاي، من لي سواك؟)
يوليو 8, 2017الخطبة الأولى ( اسم الله ( الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال الله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (3) الحديد
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتابه الله العظيم: اسمه سبحانه وتعالى: (الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) ، قال الله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (3) الحديد وروى مسلم في صحيحه أنه كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ) أيها المسلمون
فالظاهر والباطن اسمان متلازمان من أسماء الله الحسنى ، وهذان الاسمان من أسماء الله الحسنى يتناولان جانباً من جوانب الكمال الإلهي : ومن أجمع ما ذكره المفسرون في معناهما ما ذكره صاحب زاد المسير الذي جمع فيه زُبْدة الكثير من التفاسير، يقول رحمه الله : الظاهر : هو الظاهر بحججه الباهرة، وبراهينه النَّيِّرة، وشواهده الدَّالة على صِحَّة وحدانيته . وقد يكون : الظاهر فوق كل شيء بقدرته. وقد يكون الظهور بمعنى العلوِّ، ويكون بمعنى الغلبة .والباطن : هو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يستولي عليه توهُّم الكيفية. وقد يكون معنى الظهور والبطون : احتجابه عن أبصار الناظرين، وتجلِّيه لبصائر المتفكِّرين. ويكون معناه : العالم بما ظهر من الأمور، والمطَّلع على ما بطن من الغيوب}. فهو الباطن في حقيقة ذاته، فلا تصل إليها العقول، وهو من احتجب عن إدراك الحواس مع شدة ظهوره، وكمال نوره، وهو من ليس له شبيه ولا ضد. وهو الباطن على كل شيء رحمة وعلماً، وهو الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وما لنا من دون الله من ولي ولا نصير. والباطن يدل على اطلاعه على السرائر والضمائر، والخبايا والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدل على كمال قربه ودنوه، ولا يتنافى الظاهر والباطن، لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت. قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (11) الشورى، وفي صحيح مسلم : ( حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ :« اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ». وَكَانَ يَرْوِى ذَلِكَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ). فهو سبحانه وتعالى الظاهر بالدلائل الدالة عليه ، وأفعاله المؤدية إلى العلم به ومعرفته وهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل ، وباطن لأنه غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الدنيا عز وجل عن ذلك وتعالى علواً كبيراً . والله سبحانه هو الظاهر بحكمته وخلقه وصنائعه وجميع نعمه التي أنعم بها فلا يرى غيره ، والباطن هو المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عز وجل . ونسب إلى بعض العلماء تفسير الباطن بالقريب حيث قال : الباطن : أقرب من كل شيء بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه .قال البخاري : قَالَ يَحْيَى : (الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ). وقال ابن جرير : ” الظاهر على كل شيء دونه ، وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه ، وهو الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه ” . واسمه سبحانه الباطن : لا يقتضي السفول ، لأن السفول نقص وهو منزه عنه ، فإنه سبحانه العلي الأعلى لا يكون قط إلا عاليا . وقد ربط الظاهر بالباطن ، والظهور يقارنه العلو فكلما كان الشيء أعلى كان أظهر ، وكل من العلو والظهور يتضمن المعنى الآخر ولذا قال صلى الله عليه وسلم : ” فليس فوقك شيء ” ولم يقل : ” ليس أظهر منك شيء ” ؛ لأن الظهور يتضمن العلو والفوقية . والله عز وجل ليس دونه من عباده شيء إذ هو قريب منهم كما صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ». وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا ، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهْوَ مَعَكُمْ » متفق عليه. وفي رواية في مسند احمد : « أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّ الَّذِى تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله ( الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن ثمرات معرفة اسمه ( الظاهر والباطن ) : أنّ العلم بهذه الصّفات يغرس في النّفس تعظيم المولى تبارك وتعالى، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسّر لنا كلّ اسم من هذه الأسماء، ونفى عنه ما يضادّه وينافيه، فتدبّر هذه المعاني الجليلة الدالّة على تفرّد الله بصفات الكمال المطلق، فهو الأوّل في آخريّته، والآخر في أوّليته، والظّاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أوّلا وآخرا، وظاهرا وباطنا. ومن ثمرات تعلم هذين الاسمين التعبد لله بهما فإذا تحقّق العبد من علوّ الله المطلق على كلّ شيء بذاته، وأنّه ليس فوقه شيءٌ ألبتّة، وأنّه قاهر فوق عباده، يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه، وإليه يصعد الكلم الطيّب، والعمل الصّالح يرفعه، صار لقلبه جهةٌ يقصدها، وربٌّ يعبده، وإله يتوجّه إليه، بخلاف من لا يدري أين ربّه ؟ فإنّه ضائع مشتت القلب، ليس لقلبه قبلة يتوجّه نحوها، ولا معبودَ يتوجّه إليه قصدُه، وصاحب هذه الحال إذا سلك وتألّه وتعبّد طلب قلبُه إلاها يسكن إليه، ويتوجّه إليه، ويصلّى له ويسجد، فاتّخذ إلهه من دون إله الحقّ، أما إذا استقرّ ذلك في قلبه، وعرف ربّه باسمه الظّاهر، استقامت له عبوديّته، وصار له معقِل وموئل يلجأ إليه ويهرب إليه، ويفرّ كلّ وقت إليه. وأمّا التعبّد باسمه الباطن: فإذا شهدْتَ إحاطته بالعوالم وقرب العبيد منه، وظهور البواطن له، وبدوّ السرائر، وأنّه لا شيء بينه وبينها ، فعامِلْه بمقتضى هذا الشّهود، وطهِّر له سريرتك، فإنّها عنده علانية، وأصلح له غيبك، فإنّه عنده شهادة، وزكِّ له باطنك فإنّه عنده ظاهر. ومن علم وأيقن أنه لا يعلم الظواهر والبواطن إلا الله ، وأن العبد لا يعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا ، فإنه يتعامل مع الخلق بالظواهر ، ويدع البواطن لله . ففي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ » ، ويقول عبدالله بن عتبة بن مسعود: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إن أُناساً كانوا يُؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمّناه وقرّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومَنْ أظهر لنا سوءاً لم نأمنه، ولم نصدّقه، وإن قال: سريرته حسنة). فإن فهم هذه الصفات وتطبيقها في حياتنا العملية تجعلنا نحسن الظن بالناس ونحكم علي الظاهر ولا نتدخل بالسرائر والنوايا
الدعاء