خطبة عن (شفاء القلوب من أمراض الذنوب)
فبراير 10, 2018خطبة عن (العين الباكية) (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ)
فبراير 10, 2018الخطبة الأولى ( مع اسم الله (الوَاسِعُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (115) البقرة
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العزيز: اسمه سبحانه : (الوَاسِعُ ) ،قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (115) البقرة ، وقال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (261) البقرة ، وقال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (73) آل عمران ،وقال تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم 32، وللعلماء والمفسرين أقوال وآراء متعددة في معاني اسمه تعالى ( الواسع ) ، ومنها : يقول الخطابي رحمه الله: (الواسع: هو الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده، ووسع رزقه جميع خلقه، ويقول الطبري رحمه الله (الواسع أي: يسع خلقه كلهم بالكفاية والاتصال والجود والتدبير) ، والواسع : هو الذي وسع رزقه جميع خلقه ،ووسعت رحمته كل شيء ، وغناه كل فقر ، وقال ابن الأنباري: الواسع : الكثير العطاء الذي يسع لما يُسأل. وقال السعدي: هو الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها ، بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه ، بل هو كما اثنى على نفسه ، وهو واسع العظمة والسلطان والملك ، واسع الفضل والإحسان ، عظيم الجود والكرم ، كثير الفضل، واسع الرحمة ،وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه وكان مع ذلك (حكيما) أي يعطي بحكمته ،ويمنع لحكمته ، فإذا اقتضت حكمته منع بعض عباده من إحسانه بسبب في العبد لا يستحق معه الإحسان حرمه عدلًا وحكمة، فالله سبحانه وتعالى مع كونه واسع العطاء والفضل والإحسان فهو واسع الحكمة يضع فضله وإحسانه في أفضل مواضعه ، فيعطي هذا بفضله وكرمه ،ويمنع هذا بعدله ورحمته ، وكم من العباد من لا يُصلح إيمانه إلا الفقر ،ولو بسط الله له الرزق ووسعه عليه لأفسده ذلك. فالله سبحانه وتعالى واسع يسع خلقه كلهم بالكافية والإفضال والجود والتدبير ، فالله هو الغني الذي وسع رزقه جميع خلقه ، فلا تجد أحداً إلا هو يأكل من رزقه ، ولا يقدر أن يأكل من غير ما رزقه ، ووسعت رحمته كل شيء وغناه كل فقر ، وهو الكثير العطاء الذي يسع لما يُسأل ،وهو المحيط بكل شيء ، كما في قوله تعالى : (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) طه 98 . ويفضي هذا الاسم الاعتراف بأنه لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه ، فهو الكثير مقدوراته ومعلوماته سبحانه . والصفة المشتقة من اسمه سبحانه وتعالى الواسع هي صفة (السعة) كوصف ذات ،والتوسيع على الغير كوصف فعل. قال تعالى (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) (80) الأنعام) ، وقوله تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (47) الذاريات ،ويوصف بأنّه موسٍع لقوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذّاريات:47]، وروى مسلم : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ:- في حديث أوّل من تُسعّر بهم النّار:( وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ) ، وروى البخاري : ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَسَأَلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ؟ فَقَالَ: (( أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ )) ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ: ( إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا ). ومثله ما جاء في دعاء الجنازة، روى مسلم عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ )). وهذا الاعرابي الذي أراد ان يستأثر برسول الله لنفسه ،من شدة حبه له، فرفع يديه للسماء وقال : اللهم ارحمني ومحمد ولا ترحم معنا أحداً .ففي صحيح البخاري (فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهْوَ فِي الصَّلاَةِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا . فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ « لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا » . يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ .
أيها المسلمون
وكلٌّنا ميسر لما خلق له ،وما علينا الا أن نوسع من طاقتنا ،وقوة تحملنا ،وقدرة تكفينا، حتى نجد لأنفسنا سعة ومتسعاً نؤدي من خلاله دور الاستخلاف في أي بقعة من بقاع الأرض. ولله عز وجل قانون في السعة مذهل ، فهذا جبل عرفات يتسع ايّام الحج أضعاف حجمه ليتسع لهذا الكم الهائل من حجاج بيت الله الحرام ، كما يتسع رحم الأم كلما كبر جنينها، وكذلك الأمر حين يكتظ المجلس بالناس حيث يجد كل واحد منا مكاناً له بشرط أن نتفسح بالمجالس ، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) المجادلة 11،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله (الوَاسِعُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والله عز وجل واسع فضله، لم يضيق علينا ، فلماذا نضيق على عبَاد الله ، في المجلس ،أو في الشارع ، أو في المسجد، أو في الوظيفة ، فلماذا الانانية وحب الاستئثار ؟؟؟ فالدنيا تتسع لنا ولغيرنا ،والله عز وجل حين أعطى طالوت سعة في العلم وبسطة في الجسم واصطفاه ملكاً على بني اسرائيل، لأنه سبحانه (وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (73) آل عمران ، وسّع على طالوت ملكاته الذهنية والجسدية لأنه عليم بأنه أهل للملك والحكم العادل ، وفِي هذا درس لنا جميعاً ان من وهبه الله القدرة الذهنية والقوة الجسدية أن يدرك أن هذا فضلٌ من الله ،وعليه بالمقابل أن ينمي قدراته الذهنية بالعلم وقدراته المادية بالعمل الذي يتطلب بدوره المحافظة على جسد قويا قادرا على التحمل، ومن ثم يقوم بتسخير علمه وعمله ، ليكون مصدر قوة وخير له ،ولأسرته ومجتمعه
أيها المسلمون
ولهذا الاسم آثار عديدة على عباده وجميع مخلوقاته، ومن هذه الآثار: سعة جود الله وكرمه؛ أما سعة جود الله وكرمه وإحسانه وبسط نعمه فباب كبير، يلحظه العباد فيما يُنزله الله من السماء من ماء، وما تجري به الأنهار في جنبات الأرض، وما يخرجه الله من نبات وأشجار وثمار، وما تموج به البحار من خيرات مما لا يعلمه ولا يحصيه إلا رب العباد، ومنها ما يوسع الله به على بعض خلقه دون بعض، كما قال سبحانه: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 247)، .وقال تعالى : (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 261). ومن ذلك سعة علم الله، فعلم الله أيضًا واسع، كما قال سبحانه: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) (طه: 98) ، وقال تعالى : (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الأعراف: 89)، ولِسَعَة علم الله فإن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، لا من الجماد، ولا من الحيوان، ولا النبات، سواءً كان صغيرًا أو كبيرًا، ظاهرًا أو خفيًا، وقد ضرب الله لنا الأمثال لنتعرف على سعة علمه تبارك وتعالى فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان: 27)، وقال تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) (الكهف: 109)، وقد أخبرنا ربنا عن سَعَة علمه في الآيتين السابقتين بمثلٍ ضربه كي يفقهه أولو الألباب، ضرب الله مثلاً لكلماته التي خلق بها الخلق، وأوجد بها الكون، بأن أشجار الأرض كلها لو تحولت إلى أقلام يكتب بها، وتحولت البحار إلى مداد، وفنيت بحار الأرض كلها، وجيء بقدر هذه البحار سبع مرات، لفني هذا كله، وبقيت كلمات الله لم تنفد
الدعاء