خطبة عن الاعتدال في الطعام والشراب ( وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)
يناير 6, 2018خطبة عن قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
يناير 6, 2018الخطبة الأولى ( مع اسم الله (الْقَابِضُ الْبَاسِطُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال الله تعالى : ( وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة (245)
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى التي وردت في السنة المطهرة : اسمه سبحانه (الْقَابِضُ الْبَاسِطُ ) : فقد ورد هذان الاسمان في صحيح السنة ،ففي سنن أبي داود وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني : (عن أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ : ( قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ ، وإني لأَرْجُو أَنْ أَلْقَي اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ ) ،وهذان الاسمان : (الْقَابِضُ الْبَاسِطُ ) لم يأتيا بلفظهما في القرآن الكريم، وإنما أتيا فعلين وذلك في قوله تعالى : “وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” [البقرة : 245]. كما وردا في أحاديث كثيرة منها، ما رواه مسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ».وفي الصحيحين واللفظ للبخاري 🙁 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيَطْوِى السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ » ،وقال العلماء : إن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله , فإذا أطلق وحده أوهم نقصا ، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ،قال ابن القيم رحمه الله : ” أسماؤه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا وليس مقترنا بغيره وهو غالب الأسماء ، ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده ؛ بل مقرونا بمقابله ” ، وقال الزجاج رحمه الله : ” ( الْقَابِض الباسط ) الْأَدَب فِي هذَيْن الاسمين أَن يذكرَا مَعًا ؛ لِأَن تَمام الْقُدْرَة بذكرهما مَعًا ، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت إِلَى فلَان قبض أَمْرِي وَبسطه دلا بمجموعها أَنَّك تُرِيدُ أَن جَمِيع أَمرك إِلَيْهِ ” ، وقال الخطابي رحمه الله : ” ( القَابِضُ البَاسِطُ ) قدْ يَحْسُنُ فِي مِثل هذَيْنِ الاسْمين أنْ يُقْرَنَ أحَدُهُمَا في الذكْرِ بالآخَرِ، وَأنْ يُوصَلَ بِهِ فيَكُوْنَ ذَلِكَ أنْبَأ عَنِ القُدْرَةِ ، وَإذا ذَكَرْتَ القَابِضَ مُفْرَدَاً عَنِ البَاسِطِ : كُنْتَ كَأنكَ قَدْ قَصَرْتَ بِالصفَةِ عَلَى المَنْعِ والحِرْمَانِ ، وَإذَا أوْصَلْتَ أحَدَهُمَا بِالآخَرِ ، فَقَدْ جَمَعْتَ بَيْنَ الصِّفَتين ، مُنْبِئَاً عَنْ وَجْهِ الحِكْمَةِ فِيْهِمَا . فَالقَابِضُ البَاسِطُ : هُوَ الذِي يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُقَترُهُ ، وَيَبْسُطُهُ بِجُوْدِهِ وَرَحْمَتِهِ ، ويقْبِضُهُ بِحِكْمَتِهِ عَلَى النظَرِ لِعَبْدِهِ كَقَوْلِهِ تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ الله الرزْقَ لِعِبَاده لَبَغَوْا فِيْ الأرْضِ وَلَكِنْ يُنَزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) الشورى/27 “
أيها المسلمون
وقد ذكر العلماء معان كثيرة ومتعددة لهذين الاسمين ، وأذكر لكم بعضا مما ذُكر من أقوال العلماء في معاني هذين الاسمين ، ومنها : من معاني اسم الله الباسِطُ سبحانه : هو الذي يَبْسُط الرزق لعباده بجُوده ورحمته ، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته ، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته ،والباسط سبحانه أيضا : هو الذي يبسط يده بالتوبة لمن أساء ، وهو الذي يملي لهم فجعلهم بين الخوف والرجاء ، روى مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ، وقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: إنَّ أَعْظَمَ البَسْطِ: بَسْطُ الرَّحْمَةِ عَلَى القُلُوبِ حَتَّى تَسْتَضِيءَ، وتَخْرُجَ مِنْ وَضَرِ الذُّنُوبِ، قال تعالى : ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]. وأما اسمه القابِضُ سبحانه : فهو الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العِبادِ بلطفه وحِكمته ،فيُضَيِّقُ الأسباب على قوم ،ويُوَسِّع على آخرين ابتلاء وامتحانا ، فإن شاء وسع ،وإن شاء قتر، فهو الباسط القابض ، فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر، فإن خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى ،قال تعالى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } [الحجر :21]ومن معاني اسمه الْقَابِض : أنه يقبض الأرض بيده كما قال تعالى : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67] ، وفي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَرْضَ وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ » . ومن معاني اسمه الْقَابِض : أن الله عز وجل يقبض القلوب بإعراضها ويبسطها للإيمان بإقبالها فيقلب للعبد نوازع الخير والشر في قلبه ،وَقَالَ الغَزَالِيُّ: “(القَابِضُ البَاسِطُ) هُوَ الذِي يَقْبِضُ الَأرْوَاحَ عَنِ الَأشْبَاحِ عِنْدَ المَمَاتِ، ويَبْسُطُ الَأرْوَاحَ فِي الَأجْسَادِ عِنْدَ الحَيَاةِ. ويَقبِضُ الصَّدَقَاتِ مِنَ الأغْنِيَاءِ، ويَبْسُطُ الأرْزَاقَ للُّضعَفَاءِ، ويَبْسُطُ الرِّزْقَ عَلَى الأغْنِيَاءِ حَتَى لا يَبْقَى فَاقَةٌ، ويَقْبِضُهُ عَنِ الفُقَرَاءِ حَتَّى لا يَبْقَى طَاقَةٌ. ويَقْبِضُ القُلُوبَ فَيُضَيِّقُها بِمَا يَكْشِفُ لَهَا مِنْ قَلَّةِ مُبَالَاتِهِ وتَعَالِيهِ وَجَلالِهِ، ويَبْسُطُها بِمَا يَتقَرَّبُ إليهَا مِنْ بِرِّهِ ولُطْفِهِ وجَمَالِهِ” وقالوا: يقبض بالعدل ويبسط بالفضل، ويقبض بالحِكمة ويبسط بالرّحمة، فإذا أعطاك ستُعجب وتهلك، فيقبض بالحكمة ، ويمنع عنك حتّى إذا أوشكت على اليأس والقنوط أغاثك بالرحمة، فيُولج ليل البسط في نهار القبض ،ويولج نهار البسط في ليل القبض، ويرزق من يشاء بغير حساب،
أيها المسلمون
وأخبرنا سبحانه عن وجه الحكمة في عدم بسط الرزق والتضييق الذي يقع على العبد أو على الجماعات أحيانا فقال تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ) [الشورى:27] .وقد ظنت يهود أن منع الله لهم بخلاً منه سبحانه أو فقراً تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً فكذبهم ولعنهم , وتوعدهم بالخزي والعذاب ، قال الله تعالى : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) [المائدة :64] ، قال الله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) [ آل عمران :181 -182 ]، وعطاؤه سبحانه وبسطه لعبده في الأرزاق والأموال , والأولاد من أعظم ما يمتحن به عباده ويبتليهم به ،وقد ظن بعض المعرضين المكذبين للرسل أن ذلك لكرامتهم على الله , وأنه اصطفاء منه لهم ،فأخبر سبحانه أن عطاءه ليس دليلا على رضاه ، فقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) سبأ 34ـ 37 ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْه لا قَابِضَ ولا بَاسِطَ إلا اللهُ سُبْحَانَهُ، فهُوَ الذِي يَقْبِضُ الجَمِيعَ ويَبْسُطُهُ. وهُوَ الذِي يَبْسُطُ القُلُوبَ والألْسنَةَ والأيْدِيَ وَسَائِرَ الأسْبَابِ. فَإِنْ كُنْتَ مَبْسُوطَ القَلْبِ بالمَعَارِفِ، والعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، فَابْسُطْ بِسَاطَكَ، وابْسُطْ وَجْهَكَ، واجْلِس للنَّاسِ حَتَّى يَقتَبِسُوا مِنْ ذَلِكَ النِّبْرَاسِ. وإنْ كُنْتَ ذا بَسْطَةٍ فِي الجِسْمِ، فابْسُطْهُ فِي العِبَادَةِ التي تُفْضِي بِكَ إلَى السَّعَادَةِ، وفِي الصَّولَةِ عَلَى الأعْدَاءِ، بِمَا خُوِّلْتَ مِنَ المِنَّةِ والشِّدَةِ. وإِنْ كُنْتَ ذا بَسْطٍ فِي المَالِ، فابْسُطْ يَدَكَ بالعَطَاءِ، وأَزِلْ مَا عَلَى مَالِكَ مِنَ الغِطَاءِ، ولا تُوِكِ فَيُوكِي اللهُ عَلَيكَ، ولا تُحْصِ فَيُحْصِي اللهُ عَلَيكَ. وإِنْ كُنْتَ لم تَنَلْ حَظًّا مِنْ هَذِهِ البَسَطَاتِ فابْسُطْ قَلْبَكَ لِأَحْكَامِ رَبِّكَ، ولِسَانَكَ لِذِكْرِهِ وشُكْرِهِ، وَيَدَكَ لِبَذْلِ الوَاجِبَاتِ عَلَيكَ، وَوَجْهَكَ للْخَلْقِ، كَمَا في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ».
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله (الْقَابِضُ الْبَاسِطُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وحظّ المؤمن من هذين الاسمين من أسماء الله الحسنى : أن يفهم فقه القبض والبسط: فهو سبحانه بسطك كي لا تكون مع القبض ،وقبضك كي لا تكون مع البسط ،وأخرجك عنهما ،كي لا تكون لشيء دونه، والمعنى: أنه أعطاك كي لا تيأس ولا تحزن ،وحتى لا تستحوذ عليك ظلال المنع ،فتشعر أن الأبواب مغلقة ، هذا يحمل كل معاني الرجاء وحُسن الظّنّ.. وإن مع العسر يسرا.. ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : إدراك سعة رحمة الله تعالى: روى مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( إِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ). ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : أن من بسطت له الدنيا فعليه أن يعترف بفضل الله ومنته ، قال الله تعالى : {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) [ يوسف :101] ، ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : أن يبسط لسانه لله بالشكر ويده بالعطاء . ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ): أن يعلم المؤمن أنه مبتلى بهذا المال، قال تعالى : { قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [ النمل : 40] ، ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : أن يخشى المؤمن أن يكون ما بسط له فيه قد يكون استدراجاً من الله له ،قال تبارك وتعالى : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [الأنعام: 44] ، ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : أن يوقن العبد المؤمن الذي حرم شيئا من الدنيا, ولم يقدر له مع السعي في تحصيله ،أن هذا اختيار الله له , فلعل الله حرمه لتصفو نفسه لمولاه وتقر عينه بربه ، ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : ” أن يعلم العبد المؤمن أن الله يربي عبده على السراء والضراء ،والنعمة والبلاء ،فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال , فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال , ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : حسن التوكل على الله عز وجل ، فكل ما يناله العبد من الخير والعطاء فهو رزقه في سابق القضاء ، وما كتب له في اللوح سيصله بالتمام ، ومن ثم يصبر عند البلاء ويشكر عند الرخاء ، روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَقُولُ اللهُ تعالى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الْجَنَّةُ ) ، ويَجِبُ عَلَى مَنْ ضَيَّقَ عَلَيه فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لا يَلْجَأ إِلَّا إلَى القَابِضِ البَاسِطِ الذِي يَمْلِكُ مَا يَتَمَنِّى ويُرِيدُ، وأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِعَدْلِهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ لا يَظْلِمُ أَحَدًا. ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) : أن يوقن المؤمن أن الذي أعطى غيره لا يعجزه أن يعطيه مثلهم ، فهو الذي بيده سبحانه الملك كله وعلى العبد أن يسعى ، ومن آثار الإيمان باسمه (القَابِضُ البَاسِطُ) :الدعاء بهما: فقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّه دَعَا رَبَّهُ وأَثْنَى عَلَيه، بِذِكْرِ قَبْضِهِ وبَسْطِهِ وتَفَرُّدِهِ فِي ذَلِكَ سُبْحَانَهُ. فَفي مسند أحمد : (عَنْ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعةَ الزِّرْقِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِىَ عَلَى رَبِّى ». فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفاً فَقَالَ « اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ اللَّهُمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ وَلاَ هَادِىَ لِمَا أَضْلَلْتَ وَلاَ مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ )
الدعاء