خطبة عن حديث (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا)
فبراير 10, 2018خطبة عن حديث (اسْتَعِنْ بِاَللَّهِ, وَلَا تَعْجَزْ)
فبراير 17, 2018الخطبة الأولى ( مع اسم الله ( الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال الله تعالى : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (19) الشورى
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العزيز: اسمه سبحانه: (الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ) : قال الله تعالى : (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (66) هود ، وقال الله تعالى : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (19) الشورى ، وقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (58) الذاريات ، وروى الامام أحمد في مسنده :(قَالَتْ عَائِشَةُ خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ – قَالَتْ …..فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ يَا عُمَرُ وَيْحَكَ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمَ وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَتْ وَيَرْمِى سَعْداً رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ لَهُ فَقَالَ لَهُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ. فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَعْدٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِى حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ. قَالَتْ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَتْ – فَرَقَى كَلْمُهُ وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَكَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَضَعَ السِّلاَحَ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ – ….)
أيها المسلمون
واسم الله تعالى : (الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ) ، وردت في معانيه للعلماء أقوال ، ومنها : قال الجوهري في الصحاح : القوة خلاف الضعف ، والمتين: مأخوذ من المتانة، وهي شدة الشيء وصلابته. وقال الخطابي: (المتين: الشديد القوي الذي لا تنقطع قوته ولا تلحقه في أفعاله مشقة، ولا يمسه لغوب) ،(والمتانة تدل على شدة القوة لله تعالى فمن حيث إنه بالغ القدرة: (القوي)، ومن حيث إنه شديد القوة: – متين-) ، وقال الطبري (القوي: الذي لا يغلبه غالب ،ولا يرد قضاءه راد ،ينفذ أمره، ويمضي قضاؤه في خلقه، شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حججه) ، وقال ابن كثير : القوي: (أي: لا يغلبه غالب ، ولا يفوته هارب) ، ويقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – في نونيته: وهو القوي له القوى جمعا تعالى … رب ذي الأكوان والأزمان
ومن هذه الأقوال يتضح لنا معنى القويُّ : فهو التام القوة ،الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال ، فهو سبحانه صاحبُ القدرة المطلقة ، والمشيئة الكاملة . والله سبحانه وتعالى قويٌّ في ذاته ،غيرُ عاجز، لا يعتريه ضعف أو قصور، ولا يتأثر بوهن الدّهور، ولا يمنعه مانع ولا يدفعه دافع، والقُوَّةُ نقيض الضَّعف؛ قال الله عزَّ وجل لنبيه موسى عليه السلام حين كتب له الأَلواح: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (لأعراف:145) أَي: خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك، وقال تعالى لنبيه يحي عليه السلام : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} (مريم:12) أَي: بِجِدّ وعَوْن من الله تعالى. والقوة تدل على القدرة التامة ، والمتانة تدل على شدة القوة ،والله هو القوي صاحب القدرة التامة البالغة الكمال ،والله هو المتين، شديد القوة، والقدرة ، والله متم قدره ،وبالغ أمره . وعلى الإنسان ألا يغتر بقوته ، بل هو مطالب أن يظهر ضعفه أمام ربه ، كما كان يفعل عمر الفاروق حين يدعو ربه فيقول : ( اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي ) ، ولأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فهو ذو القوة أي صاحبها وواهبها ، وهذا لا يتعارض مع حق الله أن يكون عباده أقوياء بالحق ،وفي الحق . ومن الملاحظ أنه غالباً ما يقترن اسم الله القوي باسمه تعالى العزيز، وذلك ليبيِّنَ سبحانه أنَّ قوَّته عن عزَّة وغنى، لأنَّ القوَّة دائماً تتبعها مصلحة وحاجة تعود على صاحبها، فأصحاب القوَّة في العالم؛ إمَّا يؤمِّنُون بها أنفسهم، أو يمنحونها لغيرهم طلباً لتبعيتهم وشراءً لذمتهم ،أو تهديداً لنهب ثرواتهم، أمَّا ربُّ العزَّة والجلال ،فهو الغني عن العالمين، وهو القويُّ الذي يلطف بالخلق أجمعين، فقوَّته عن عزَّة وقدرة وحكمة. ومن النصوص القرآنية التي ارتبط فيها اسم الله القوي باسمه العزيز؛ قوله تعالى :{ فَلمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}. (هود:66)، فالله جلّ جلاله هو “القوي” بل هو “القوي” وحده، ولا قوي سواه، وكل قوة في الأرض مستمدة من قوة الله، وكل قوة في الأرض في الذوات والأشياء مستمدة من قوة الله تعالى، تأييداً للمؤمنين، أو استدراجاً لغير المؤمنين، أو تسخيراً للجمادات، لحكمة بالغةٍ ، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، وقوة الله تعطي ملامح ثلاثة، قوة في الجمال، و قوة في الكمال، وقوة في النوال (أي في العطاء)، فالله هو المعطي، منحك الوجود، ومنحك نعمة الإيجاد ، ومنحك قوة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، ومنحك عقلاً، ومنحك سمعاً وبصراً، منحك زوجة، منحك أولاداً، منحك حرفة تتكسب بها، منحك أشياء لا تعد ولا تحصى، فالله سبحانه وتعالى له القدرة المطلقة، إن شاء فعل ،وإن شاء لم يفعل. وهذا ليس إلا لله سبحانه وتعالى القوي المتين. و(الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ): اسمان من الأسماء الجلالية لله تعالى ،والتي تشير إلى معاني السلطان والعظمة ،والجبروت والقهر ،والغلبة والقوة، وجميعها تذكر لله تعالى على سبيل الإطلاق، فلا حدود لها ولا قيود عليها. فالله تعالى هو وحده الذي خلق كل ما في الكون، وبيده وحده الأمر كله، لا يشاركه ولا ينازعه في ملكه أحد ، فلابد أن يكون قويا متينا قادرا على كل شيء؛ لأنه إله واحد وخالق واحد ومدبر واحد، وهذا كله ليس لأحد غير الله -سبحانه وتعالى- القوي المتين والذي لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء. فإذا أراد شيئا ما كبر أم صغر فإنه يقول له كن فيكون؛ لأن له القدرة المطلقة الشاملة لكل شيء ،والقوة الخارقة التي عجز الواصفون عن وصفها ،والمتانة المطلقة التي بها يخلق ما يشاء كيفما يشاء.
و(الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ) هو سبحانه لا يمنعه مانع، وماله من دافع ، ولا يعتريه عجز ، ولا قصور ، ولا يأتي عليه وهن الدهور، فحين جاء الأحزاب لحصار المدينة تآمروا لكسر شوكة المؤمنين ،وأحكموا كيدهم سراً وعلانية ، هنا أرسل الله (الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ) عليهم ريحاً وجنوداً لم يروها ، كما قال تعالى : (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) (25): (27) الاحزاب ، ونحن البشر ،بل وجميع المخلوقات ،لضعفنا وعجزنا نحتاج كثيراً إلى اسم الله القوي والمتين في حياتنا ، وفي قلوبنا ، وبين أعيننا ، فطلب القوة من الله أمر مرغوب فيه ، والقوَّة عند المؤمن مُرغَّب فيها ، فالمؤمن القويّ محبوبٌ عند الله سبحانه، ففي صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ الْمُؤمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خَيرٌ احرص على مَا يَنفَعُكَ وَاستَعِن بِالله وَلا تَعجِزْ ) ، ولكن إذا امتلك المؤمن القوَّة ، فعليه أن يسخرها في طاعة الله سبحانه، وفي عمارة الأرض بالخير والعمل الصًّالح، وألاَّ يبخل بها في دعم مسيرة العمل الإسلامي المتعدّدة إذا طلبت منه ، وإذا كان المسلم في قتال الأعداء، وهو ممتلك للقوَّة ، فعليه ألاَّ يسالمهم، قال: { فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السّلمِ وأَنتُمُ الأَعلَوْنَ}. (محمَّد:35)، لذلك قال بعض الفقهاء : (إذا قدر بعض أهل الثغور على قتال العدو لم يجز مسالمتهم). ولكنَّ المسلم القوي إذا همَّ بالظلم تذكَّر قوَّة الله، قال تعالى: {أوَلمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} (فاطر:44). فإذا عَلِمَ المسلم معانيَ اسم الله القوّي تعزَّز بقوَّته سبحانه، والتجأ إلى حِمَاه وقوَّته، فمن استمد قوَّته من الله عزّ وجل، فلن تغلبه قوى الأرض كلّها لو اجتمعت، وبدأ يسعى في الأرض ليحصّل مصادر القوَّة المعنوية والمادية ليتمكَّن منها، وليعمل على تحقيق قوله تعالى :{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }. (الأنفال:60). لأنَّه أمرٌ إلهيٌّ جازمٌ بإعداد كلّ ما في الاستطاعة من قوَّة، ولو بلغت القوة من التطوّر ما بلغت.
أيها المسلمون
وللإيمان باسمه تعالى الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ آثار في حياة المؤمن وسلوكه ، فمن آثار وثمرات إيمان العبد باسمه (الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ) : – أن يعتقد المؤمن أن عاقبة الظلم وخيمة فهذا العبد الذي يبارز ربه ويشرك به – رئيساً كان أو مرؤوسا- ويفسد في الأرض ،من قتل وسفك دم ،ويتكبر فيها بغير الحق ،خصوصاً إذا حباه الله النعم مثل الملك والجاه والولد والمال ، فلاشك أن الله سينتقم منه ،وتأملوا ما قص الله علينا عن الأمم السابقة التي طغت ، قال الله تعالى عن قوم هود :(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت:15)، فماذا كان عاقبة أمرهم : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ) (فصلت:16)، فهؤلاء اغتروا بقوة أبدانهم وضخامة أجسادهم وعظيم بطشهم في البلاد والعباد – كحال بعض الطغاة هذه الأيام – فلم تغن عنهم من عذاب الله.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله ( الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آثار وثمرات إيمان العبد باسمه (الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ) أنه لا قوة للعبد على طاعة الله إلا بقوة الله وتوفيقه ،ولا حول له على اجتناب المعاصي ودفع الشرور إلا باستعانته بقوة الله العلي العظيم ، وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ». قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ « لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ». وعندما تؤمن إيماناً جازماً أن الله هو القوي والمتين ، يتبين لك أن من بارزه بالقوة سيهلك! فكيف لمخلوق ضعيف أن يبارز ربا قويا؟، وتأمل حال كل طاغية ،استقوى وظن أنه القوي، واستضعف الناس ،فكانت النتيجة : أن القوي غلبه ، وألحق به عذابه . ومن أثر الإيمان بهذا الاسم أنه سبحانه يحبّ القوة والأقوياء المقسطين، والأقوياء في إيمانهم وفي علمهم وفي عطائهم وأخذهم وسائر أمورهم ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ .. ) رواه مسلم ويكره الله القوة المبنية على العسف والطغيان. كما قال عليه الصلاة والسلام « لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ ». أَوْ :« كَيْفَ قُدِّسَتْ لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِيدِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ ». رواه ابن ماجة – وإيمان الشخص باسم الله القوي يثمر فيه انكسارًا بين يدي الله ،وخضوعًا لجنابه ،وخوفًا منه سبحانه ،ولجوءًا إليه وحده ، وحسن التوكل عليه ،واستسلامًا لعظمته ،وتفويض الأمور كلها إليه ،والتبرؤ من الحول والقوة إلا به ! – ومن آثار الايمان بهذا الاسم : أنه يجعلنا نشعر بالقوة أي نقوى بربِّنا بالتوكل عليه في مواجهة الظلم والعدوان، وكل مصاعب الحياة ، فنقوى بالطاعة له ،والعبادة ،ونقوى بالحق ،ومعرفة أن الله مع عباده الصالحين يجعلنا نشعر بالقوة لأننا نكسب القوة منه ،ولكن في نفس الوقت يشعرنا هذا الاسم بالضعف أمام قوته المطلقة مما يجعلنا في اجتهاد وجهاد مستمر لكسب رضاه وعلينا أن نظهر ضعفنا أمام ربنا وليس سواه لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولننظر إلى الرزق ،كم شغل القلوب ،وأحزن الأفئدة ، ويقول الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات ٥٨. فاسمه المتين يقوي في قلب العبد الثقة به وبرزقه جل في علاه ، فالله لا يعجزه أن يرزقك لأنه قوي ،وبيده خزائن السماوات والأرض. وهذا الاسم يعلمنا القوة ،قوة الإرادة والتحمل ، تحمل المصائب والابتلاءات ،وبقلب راضي وشاكر وحامد لربه :” فهذه مريم عليها السلام ، كانت قوية لما طلب منها رب العالمين أن تهز النخلة ،وهي في وضعها ، وهذا يوسف عليه السلام، كان قويا وتحمل أذى اخوانه ،وزوجة العزيز والسجن ،وهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام ،كان قويا عندما أُلقي في النار ،وعندما طلب منه الله أن يذبح اسماعيل ، وهذا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان قويا بأسلوبه الرائع في الدعوة ،وتحمل ما تحمل من الأمور العظام التي واجهته ، وأذى المشركين ،فضع قوة الله في قلبك ،وإياك أن تتكبر أو تتجبر أو تستضعف أحداً ما ،فالله أقوى منك ،فمثلا: عندما يتقوى الرجل على زوجته ويستضعفها فليتق الله ،وأيضاً عندما تشعر بالضعف في العبادة و الكسل عنها ،فاستعذ بالله القوي المتين
وعندما يداهمك خوف من العين والسحر أو قد تبتلى بهما أو بأحد منهما ،استشعر قوة الله القوي المتين ،وأنه أقوى من الجن و السحرة ،وكل حسد ،استشعر ذلك ،وتقوى بالقرآن والرقية ، ولا تيأس ،ولا تقعد مهزوماً عاجزاً ،حتى يكبلك الضعف ،فمعرفتك لله القوي هي مفتاح لا يُغلب للقضاء على الخوف، وعندما يتسلط عليك أحد الخلق ، ويستضعفك ،ويحاول أن يذلك ويهينك، استشعر أن الله هو القوي المتين ،واطلب منه سبحانه أن يرفعك ويقويك حتى المرض ،فالمرض من أدوات الضعف في سنن الكون الثابتة إذ أنه يورث ضعفا قلبياً ، وضعفاً جسدياً ،وخوفاً من المجهول والمستقبل القادم ، فاستشعر أيها المريض أن الله هو القوي المتين ،وهو القادر على أن يقويك على مرضك أياً كان ،وهو قادر على أن يشفيك منه بقوته ومتانته جل في علاه ، وفي هذا الزمن أصبحت الأخبار السياسية مصدر رعب وضعف وهلع ،ومن عرف أن الله هو القوي لم يخشَ قوة أحد، وعاش متمسكاً بالله ،طالباً القوة منه ، فالله عز وجل هو القوي الأقوى من كل ظلم ،ومن كل ظالم
الدعاء