خطبة عن حديث ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)
سبتمبر 9, 2017خطبة عن قوله تعالى (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ
سبتمبر 9, 2017الخطبة الأولى ( مع اسم الله (الْمَجِيدُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال تعالى : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (13): (16) البروج
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: “ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العزيز : اسمه سبحانه : ( الْمَجِيدُ ) ، قال تعالى : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (13): (16) البروج ، وقال تعالى: (قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (72)، (73) هود ، و”المجيد”: هو ذو الشرف التام الكامل، والمفيض على العباد بالمجد والعطايا، و”المجيد”: هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه. و”المجيد”: هو البالغ المنتهي في الكرم. فهو المجيد في إيجاده، والمجيد في امتداده، والمجيد على الصالحين من عباده، فمجد الإيجاد أنه أوجد الكون واستخلفك فيه، ومجد الإمداد، أنه أمد الكل لعطاء الكل، فأعطى للكافر من مدده كما أعطى المؤمن من فضله. قال ابن القيم رحمه الله: وصف- الله تعالى – نفسه بالمجيد وهو المتضمن لكثرة صفات كماله وسعتها وعدم إحصاء الخلق لها وسعة أفعاله وكثرة خيره ودوامه ، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه. فهو العليم الكامل في علمه، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيئا، الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته التي بلغت غاية المجد فليس في شيء منها قصور أو نقصان، وقد شرع لنا في آخر الصلاة أن نثني على الرب تعالى بأنه حميد مجيد وشرع في آخر الركعة عند الاعتدال أن نقول : (ربنا ولك الحمد أهل الثناء والمجد) ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ « رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ».
أيها المسلم
إذا عرفت ربك المجيد فعليك بإجلاله وتعظيمه ونسيان الاغترار بما أعطاك ،بل عليك أن تذل نفسك قيامًا بحق مجده وإجلاله. وأي معبود سوى الله إذا مجده بعض الخلق فإنه مسلوب العظمة فهو يمرض وينام ويموت، وأما الله المجيد فحي لا يموت قيوم لا ينام. وإلى الباحثين عن المجد في السلطة والشهرة وحفاوة الناس نقول : إن هذا سيندثر كله ؛ ﻷن المجد الحقيقي في أن تكون عبدا لله المجيد حينها ستكون ممجدًا في اﻵخرة. قال الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص (83) ، فاترك الخلق واتجه لربك الحق ،تنل أعظم السبق. وتعظيم الله وتمجيده في الصلاة النافلة بما هو أهله سبب في مغفرة الذنوب فكيف بتمجيده في صلاة الفريضة التي أعظم عند الله من النافلة. جاء في صحيح مسلم « مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ». واعلم أخي أن الله يمجد نفسه يوم القيامة ليعلم أن المجد الباقي هو مجده وحده، واستشعار هذا المعنى يجعلك في ذل له وخضوع، ويجعلك معتزًا به، مشتاقًا للقائه. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : ( وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا الْجَبَّارُ أَنَا الْمُتَكَبِّرُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمُتَعَالِ ». يُمَجِّدُ نَفْسَهُ قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ ) رواه احمد ،وﻷنه سبحانه وتعالى المجيد فقد مجد كتابه فقال تعالى: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ق (1) ،فمن أوتي القرآن ورأى أن غيره أوتي ما هو خير منه فقد حقر ما عظمه الله. وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِى وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِى. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِى – وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِى – فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ). قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ). قَالَ هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله (الْمَجِيدُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
من أراد المجد في ذاته فعليه برفع الهمة إلى الله المجيد، وعليه أن يكون مجيدًا في أخلاقه بتحسينها، ومجيدًا في أفعاله بالتزام اﻵداب والفضائل. ومن المعلوم أن أمتنا مرّت بمجد عظيم حين كانت متعلقة بربها المجيد : كتب خالد بن الوليد إلى كسرى: أسلم تسلم وإلا أتيتك برجال يصرون على الموت كما تصرون على الحياة ،فلما قرأ كسرى الرسالة أرسل إلى ملك الصين يطلب النجدة والمدد، فرد عليه ملك الصين: يا كسرى لا قلب لي بقوم لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها. سأل يوما هرقل جنده حين حاصرهم المسلمون والروم كثرة والمسلمون قلة فقال: أيقاتلونكم ويغلبونكم من كثرة؟ قالوا: لا، والله هم أقل منا عددا فقال: أعندهم سلاح أكثر منكم؟ قالوا: لا ، سلاحنا وعتادنا أكثر منهم. فقال: فلماذا تخافون منهم ويغلبونكم؟ فقام شيخ كبير السن عند هرقل فقال : تسمح لي أتكلم؟ فقال: تكلم. فقال: يغلبوننا ﻷننا نشرب الخمر ولا يشربونها، وﻷننا نزني ولا يستحلونه، وﻷنهم يقومون الليل، ويصومون النهار. فقال هرقل :صدقت ..!
أيها المسلمون
ومن آثار توحيد المسلم لله في اسمه المجيد أن يعظم الله سبحانه وتعالي في قلبه ويعتقد في علوه على خلقه، وأن يكون في قوله وفعله مترفعا عن النقائص والعيوب، سريع التوبة من المعاصي والذنوب، يسموا بهمته إلى الدرجات العلى والفردوس الأعلى في الرفيق الأعلى، ومن آثار الاسم أيضا يقين الموحد بأن عزه ومجده في توحيده لله وعبوديته وقربه وطاعته والرضا بمحبته والفوز بجنته، وليس مجده في طلب الجاه ورفعته أو المال وزينته، فالله سبحانه وتعالي جعل دار القرار جزاء لمن طرح عن نفسه العلو والاستكبار، ومجد الله بتوحيد الأسماء والصفات والأفعال، فلا بد أن يعظم كلام الله ولا يهون من شأنه أو يقصر في تنفيذ أمره، أو يتردد في تصديق خبره . الدعاء