خطبة عن (قصة أَصْحَاب الْأخدود دروس وعبر)
مارس 10, 2018خطبة عن ( سنة التدافع )
مارس 10, 2018الخطبة الأولى ( اسم الله (الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:“ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى التي وردت في السنة النبوية : اسمه سبحانه :(الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ) ، فالمقدم والمؤخر اسمان من أسماء الله الحسنى ، ولم يردا في كتاب الله ، ولكنهما وردا في السنة الصحيحة ، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : ( كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ ) ،وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه و سلّم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ :(رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ) ، وروى الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( .. .. ثُمَّ يَكُونُ آخِرَ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ )، وقد ورد في معاني هذين الاسمين الجليلين الكثير من أقوال العلماء والمفسرين ، ومنها : أن المقدم : هو الذي يقدم الأشياء ويضعها في مواضعها، وينزلها في منازلها ، والمؤخر: هو الذي يؤخر الأشياء، ويضعها في مواضعها، وكل ذلك تبعاً لحكمته ومشيئته فالله سبحانه وتعالى هو المنزل الأشياء منازلها يقدم ما يشاء منها ويؤخر ما يشاء.وقال الحليمي : (المقدّم) : هو المُعطِي لعوالي الرُّتب، و(المؤخّر): هو الدّافع عن عوالي الرّتب.»، وقال ابن الأثير: (المقدّم): هو الّذي يقدِّم الأشياء ويضعها مواضعها، فمن استحقّ التّقديم قدّمه» ،وقال الخطابي: : (المقدِّم) : هو المنزِّل للأشياء منازلها، يقدّم ما شاء منها، ويؤخّر ما شاء: قدّم المقادير قبل أن يخلق الخلق، وقدّم من أحبّ من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق فوق بعض درجات، وقدّم من شاء بالتّوفيق إلى مقامات السّابقين، وأخّر من شاء عن مراتبهم وثبّطهم عنها، لا مقدّم لما أخّر، ولا مؤخّر لما قدّم.» ،وقال عبد الرحمن السعدي: «واعلم أنّ التّقديم والتّأخير كلّ منهما نوعان: النّوع الأوّل: تقديم وتأخير كونيّان، كتقديم بعض المخلوقات على بعض في الخلق، وتأخير بعضها على بعض، وتقديم الأسباب على مسبّبتها، النّوع الثّاني: تقديم وتأخير شرعيّان: كتفضيل الله تعالى جنسا على جنس، ومكان على مكان، وزمان على غيره، فالله عز وجل هو المقدم والمؤخر فقد قدم الإنسان وفضله على كثير من خلقه ، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) [الإسراء: 70]. وفضل الله الأنبياء، وقدم بعضهم على بعض، ورفع بعضهم فوق بعض درجات. قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البقرة: 253]. فهو سبحانه وتعالى المقدِّم والمؤخر : فهو الذي قدَّم المؤمنين وأخر الكافرين ،وقدَّم العلماء على الجهلاء، قدَّم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على غيره من الرسل ،ويقدم الصالح ويؤخر الطالح، ويقدم المحب ويؤخر المبغض، ويقدّم الطائع ويؤخر العاصي، ويقدم المقبل ويؤخر المعرض ،وهو الذي قدم الأبرار ،وشغلهم به، وأخّر الفجار، وشغلهم بالأغيار ، والمقدم والمؤخر من الأسماء المزدوجة المتقابلة ، والتي لا يطلق واحد منها على الله إلا مقروناً بالآخر، فإن الكمال في اجتماعها، فهو تعالى المقدم لمن شاء ،والمؤخر لمن شاء بحكمته ، فأكثر العلماء قالوا: لا يفرق بين الاسمين وجوبا، لأنّ المقدّم وحدها ليست من صفات الكمال، والمؤخر وحدها ليست من صفات الكمال ،وقال القرطبي: لا يجوز الدعاء بأحدهما دون الآخر ،والصواب أن يقال: في مقام الإخبار يجوز إفراد أحدهما عن الآخر، أما في مقام الدعاء فلا يجوز فصلهما
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اسم الله (الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللإيمان بهذين الاسمين آثار وثمرات في عقيدة المؤمن وسلوكه ، فمن ثمرات معرفة هذين الاسمين في حياة المؤمن وسلوكه وعقيدته : أولا : الرضا بقضاء الله وقدره، فالمسلم يجب أن يعلم أنّ ما يكون عليه من حال متقدم أو متأخر فإنما هو من تقديم الله وتأخيره، وذلك في كل ما خصَّ الله بعض عباده في العلم والزرق والمال ،ففي الملك على المسلم أن يتذكر قوله تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ) (آل عمران:26) ، وفي مقام العلم يتذكر قوله تعالى :( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف: 76) ، وفي مقام الرزق يتذكر قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً ) (الزخرف:32)، وهذا هو عين الابتلاء، ليعلم الله الصابر من الشاكر ، قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) (الأنعام:165) ثانيا : إذا علم العبد أنّ الله هو الذي قدمه على غيره ،ووفقه ،فينبغي عليه أن يشكر هذه النعمة ،وينسبها إلى ربه، فإن اعترف بذلك فقد تشبه بالأنبياء، قال الله في شأن موسى عليه السّلام : (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) (القصص: 24)، وقال الله على لسان نبي الله سليمان عليه السّلام : (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) (النمل: 19)، وقال الله على لسان يوسف عليه السّلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) (يوسف:101) ،أما إن ادعى شيئا لنفسه فهذا تشبه بأعداء الله، قال الله في شأن قارون : (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) القصص 78، ثالثا : يجب على المؤمن أن يقدم ما قدمه الله ، ويؤخّر ما أخّره الله، فمن العيب أن يؤخّر المسلم ما قدمه الله، أو يؤخر ما قدمه الله ،لأنّ هذا منافٍ لحكمة الله، كذلك من العيب أن يحقر شيئا عظمه الله ،أو يعظم شيئا حقره الله، وعلى العبد أن يعزّ أهل طاعته ويذلّ أهل معصيته، وهذا معنى الحب في الله والبغض في الله، وهو الإيمان، جاء في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ :( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )، وجاء عند أبي داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم :( أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ ) ، رابعا : على المؤمن أن يسابق إلى ما قدّم الله، ويجتنب ما حرم الله ، قال تعالى :(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) البقرة 148، ومن ذلك المسابقة إلى التوبة ،والمسابقة إلى الصفوف الأولى في الصلاة، لذلك فقد ذم النبي صلّى الله عليه وسلّم المتأخرين ،ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ :( تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ ) ، قال النووي : أي يؤخرهم في الرحمة والفضل والعلم ونحو ذلك
الدعاء