خطبة عن حديث (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا)
مارس 24, 2018خطبة عن ( وقفات مع سورة الحجرات)
مارس 24, 2018الخطبة الأولى ( مع اسم الله ( الْمُقْسِط )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:“ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.ومن الأسماء الحسنى: اسمه سبحانه: (الْمُقْسِط) ،واسم الله «المقسط» لم يرد صراحة في القرآن الكريم، وإنما ورد المعنى في بعض الآيات، وهو ما استند إليه العلماء ، كما قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، « الحجرات: 9»، وقال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، « المائدة:8» وقال الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، « الممتحنة: 8»،وقوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، « الأنبياء: 47». ومن السيرة النبوية جاء في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك : (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر : ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت و أمي ؟ قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذلي مظلمتي من أخي فقال الله تبارك و تعالى للطالب : فكيف بأخيك و لم يبق من حسناته شيء ؟ قال : يا رب فليحمل من أوزاري قال : و فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال : إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم ،فقال الله تعالى للطالب ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه ،فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب و قصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا ؟ ،قال : هذا لمن أعطى الثمن قال : يا رب و من يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه ،قال : بماذا قال : بعفوك عن أخيك قال : يا رب فإني قد عفوت عنه ،قال الله عز و جل : فخد بيد أخيك فادخله الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : اتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين ) ،ومعنى «المقسط» ، أي : العادل في حكمه، الجاعل لكل من عباده نصيباً من خيره، فالله هو المقسط ،القائم بالقسط، المقيم للعدل، وفي اللغة أقسط الإنسان إذا عدل، وقسط إذا جار وظلم، والمقسط في حق الله تعالى هو العادل في الأحكام، غاية العدل والإنصاف، ولا يقدر عليه إلا الله تعالى. والإمام الغزالي يقول: المقسط هو الذي ينتصف للمظلوم من الظالم، وكماله في أن يضيف إلى إرضاء المظلوم إرضاء الظالم فإذا طغى عبد على عبد، انتصر للمظلوم من الظالم، فإذا رجع الظالم عن ظلمه وتاب إلى الله أكرمه ، إن أوفر الناس حظاً من هذا الاسم من ينتصف أولاً من نفسه، فقد يكون الإنسان بموقع لا أحد يستطيع محاسبته، فكماله أن ينتصف من نفسه، وأن يعترف بخطئه ، والمقسطون هم العادلون فيما وُلوا وحكموا فيه ،وهم أهل العدل في حكمهم ،وفي أهليهم وفيما ولاهم الله عليه ،وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في عدة مواضع ، ومنها قوله تعالى (… وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، « المائدة: 42». وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ». ومن صفات المقسطين أنهم علموا أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه المقسط :أي العدل فخافوا مقام ربهم، لعلمهم بقدرته عليهم، وأن مرجعهم إليه ،فينبئهم بأعمالهم ،ويجزيهم بها ،واستجابوا لأمر ربهم ،حين أمرهم بالقسط، فهم المقسطون لأنهم أرادوا التخلق بالأخلاق التي يحبها الله ،ليفوزوا بمحبته ، وهم ينصفون المظلوم ولو على أنفسهم، وسلكوا بذلك نهج الأنبياء الذين يأمرون بالقسط ،وبذلوا الجهود للتحلي بهذه الصفة وإقامة العدل في الأرض. فإنَّ المؤمن عندما يكون مُقسطًا مع المؤمنين، فذلك من الخير الذي يمارسه المؤمن، وهو أمر أقرب ما يكون إلى الطبيعي؛ لتماثل العقائد، وتشابه الفكر، ووحدة الهمِّ، وعقيدة الولاء، فالمؤمنون أبناء جلدة واحدة، يربطهم دين واحد، ومصير واحد، ومع كل هذا فقد أمرنا الله جل جلاله في كتابه أن نقسط في حكمنا بين المؤمنين، ولكن الأجر الأعظم والمقام الأجود هو أن تقسط مع غير المؤمنين، من الذين يعادونك، ويُسيئون إليك،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله ( الْمُقْسِط )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن المؤمنين المقسطين قد طهَّر الله جل جلاله قلوبهم من حظوظ النفس، فهم يقسطون مع الأعداء قبل الأصدقاء، وذلك يتطلب الوعي الراشد ،والفهم الدقيق من مراد التشـريع، ثم الصبر العظيم على ذلك، وهذا هو خُلُق الأنبياء عليهم السلام. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وجاء في أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري: “أمر الله تعالى المؤمنين أن يكونوا قوامين لله تعالى بسائر حقوقه عليهم من الطَّاعات، وأن يكونوا شهداء بالعدل، لا يحيفون ولا يجورون في شـيء، سواء كان المُشهدُ عليه وليًّا أو عدوًّا، ونهاهم أن يحملهم بغض قوم أو عداوتهم على ترك العدل وقد أمروا به، ثم أمرهم بالعدل وأعلمهم أن أهل العدل هم أقرب الناس إلى التقوى” كما جاء القسط في القرآن العظيم – أيضًا – في توثيق الدَّيْنِ بكتابته، وإن كان مبلغًا صغيرًا، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾ [البقرة: 282]، وفي ذلك ربط بين توثيق الأمور بكتابتها ، مع القسط الذي يحبُّ الله جل جلاله أهلَه. والقسط بين الناس أساس الحياة، فأمَرَ الله جل جلاله المؤمنين من عباده أنْ يُقسطوا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135]، والمقسطون هم الذين يؤدون أمر الله جل جلاله بين الناس؛ لذلك فإنَّ من يقتل المقسطين فإنه يستحق العذاب؛ لأنه يقتل أحبابَ الله جل جلاله، والله جل جلاله يغار على أحبابه، ويدافع عنهم، ومقابل ذلك فإن الله جل جلاله سيعذب من يقتل المقسطين، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21]. فمن أجل كلِّ ذلك كان مقام المقسطين بين الناس عظيمًا يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ الله عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) رواه مسلم
الدعاء