خطبة عن قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
أكتوبر 28, 2017خطبة عن قوله تعالى ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
أكتوبر 28, 2017الخطبة الأولى اسم الله (الْمُهَيْمِنُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم : ( من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال الله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الحشر (23)
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العظيم: اسمه سبحانه: ( الْمُهَيْمِنُ ) ، قال الله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الحشر (23) ، كما ورد اسم الله المهيمن في الحديث الذي أخبر به عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً على هذا المنبر -يعني منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو يحكي عن ربه عز وجل، فقال: (إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة جمع السماوات السبع والأرضين السبع في قبضة, ثم يقول عز وجل: أنا الله, أنا الرحمن, أنا الملك, أنا القدوس, أنا السلام, أنا المؤمن, أنا المهيمن)، أورده الإمام البيهقي في كتاب الأسماء والصفات،
أيها المسلمون
واسم الله (المهيمن ) جاء في أقوال العلماء فيه معان متعددة : ومنها : قال ابن عباس: المهمين :هو الشاهد على خلقه بأعمالهم ،بمعنى أنه هو الرقيب عليهم، قال تعالى : {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} المجادلة 6، وقال الحُلَيمي : «المهيمن لا يُنقص للمطيعين يوم الحساب من طاعاتهم شيئًا فلا يثيبهم عليه،…». وقال الحسن البصري: المهيمن المُصدق، وهو في حق الله تعالى يعني: أن يكون ذلك التصديق بالكلام فيُصدق أنبياءه بإخباره تعالى عن كونهم صادقين ويُظهر المعجزات على أيديهم. ويقول الشيخ السعدي: إن المهيمن هو المطلع على خفايا الأمور ،فهو يعلم سرك وعلانيتك ويعلم الصالح لك من الفاسد ، قال تعالى : «وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»، البقرة/220، وقال بعض أهل العلم : المهيمن : هو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم. أي أنه مطلع عليهم ، ومتمكن منهم لا يستطيعون أن ينفذوا منه يمنة أو يسره ، ولا يخرجون عن سلطانه وقدرته ، وهو أيضا لهم حافظ ،ومطلع ، وقادر. والمهيمن أيضا : هو العالم بجميع المعلومات الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، قال تعالى : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس/61] ،
أيها المسلمون
فمن أعظم الفضائل التي منَّ الله سبحانه وتعالى بها على عباده، إدراكهم لهيمنة خالقهم عليهم ، ورعايته لأمور معاشهم ومعادهم، وأنه ما خلقهم إلا ليُسعدهم، وما إحسانه وجوده الذي عمّ أهل السماء والأرض إلا أثرٌ من آثار هيمنته ، قال سبحانه وتعالى: { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } (النحل:53). وللإيمان باسم الله (المهيمن) آثار في عقيدة المؤمن وسلوكه في حياته : فمن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم: أنه يورث القلب القدرة على مواجهة مصاعب الحياة ومتاعبها، ويعين العبد على القيام بالمأمور من الصبر على مرّ القضاء، لإدراكه أن الخالق سبحانه وتعالى مطّلعٌ على أمور عباده قائمٌ عليها، فلن يختار لعباده إلا ما هو الأصلح لهم والأنفع لعاقبتهم، مهما كانت صنوف المكاره وأنواع المضارّ، فلعلّ في ثناياها الخير الكثير، والفضل العميم، قال تعالى : { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } (النساء: 19). ومن آثار الإيمان باسم الله المهيمن : إدراك المؤمن لمدى سعة علم الله تعالى للغيب والشهادة، فلا تخفى عليه خافية، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } (آل عمران:5)،
فتزداد رقابة العبد على نفسه ،ويحاذر من مخالفة ما أُمر به أو مقاربة ما نُهي عنه، لعلمه باطلاع الخالق عليه، وشهوده على أفعاله، وصدق الله العظيم إذ يقول: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (يونس:61). ومن آثار الإيمان باسم الله ( المهيمن ) في عقيدة وسلوك المؤمن في حياته :الرضا : فالله يعلم ما يصلحك وما يفسدك ، فسلم له أمرك وارض بما قسمه لك.. ومن آثار الإيمان باسم الله ( المهيمن ) : الاستقواء به : فأنت حينما تكون مع ( المهيمن ) فأنت في حصن حصين، وأنت مع القوي الكبير، وأنت مع من بيده مقاليد السماوات والأرض ،وإذا كنت مع ( المهيمن ) فلن يخيب مسعاك، ولن تشعر بالإحباط، و لن تشعر بالإخفاق،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية اسم الله (الْمُهَيْمِنُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آثار الإيمان باسم الله ( المهيمن ) : التصديق : فالله سبحانه وتعالى جعل كلامه المنزل على خاتم أنبيائه ورسله مهيمنًا على ما قبله من الكتب، وفي هذا إشارة إلى كمال التصديق بما في الكتاب، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة/48] ،فقوله (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ): أي هو محتوي لكل ما جاء في هذه الكتب السابقة ، وهو عال عليها وعلوه على سائر كتب الله ذلك بما زاد عليها من السور، وأن الله جعله قرءانًا عربيًا مبينًا، وأن جعل نظمه وأسلوبه معجزا، ومن آثار الإيمان باسم الله ( المهيمن ) : مراقبة الله في السر والعلانية : فطالما أنه مهيمن رقيب إذًا فواجب عليك مراقبته سبحانه وتعالى في السر والعلن ، قال تعالى : ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [ طه/7] ، فأنت تحتاج إلى أن تراقبه في سائر أحوالك، فإن عين الله تعالى ناظرة تبصر حالك. وعندما تفهم معنى (المهيمن) تفهم معنى الحديث : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) ، ومن آثار الإيمان باسم المهيمن : الخوف منه وإجلاله وتعظيمه. فالله يراقب قلبك ويحاسبك على ما قام فيه, ويجازيك على قدر ظنك فيه، ومن آثار الإيمان باسم المهيمن : أن تفهم أن هناك كتابا كُتب فيه كل ما كسبته. كُتب فيه مدافعات قلبك وجهدك الذي تجتهده من أجل أن تردّ عن نفسك الوسواس والشيطان، فالمهيمن رقيب على قلبك شهيد على جهادك حافظه لك, أيضاً من آثار اسم المهيمن : محبة الله والتقرّب إليه بالطاعات والقربات تعبّدًا له وحبًّا والتماسًا لمرضاته وشكرًا له على نعمائه وأفضاله وإحسانه. إذن اسم المهيمن يدفعك للأعمال الصالحة، ويجعلك تزداد حبًّا له، ومن آثار اسم المهيمن: التوكل عليه وحده وتفويض الأمور إليه. فإذا كنت تعلم أنّ الله مطلع على كل شيء , وعلى قلبك وقلوب الناس ومهيمن وحفيظ على كل شيء، فتعلم أنه يدبر الأمور بعلمه. أما عن الدعاء باسم الله تعالى المهيمن : فمما رُوي عن السلف ما جاء في دعاء يحيى بن معاذ الرازي دعاء المسألة باسم الله المهيمن ، فكان يقول:
جلالك يا مهيمن لا يبيد … وملكك دائم أبدًا جديد
وحكمك نافذ في كل أمر … وليس يكون إلا ما تريد
ذنوبي لا تضرك يا إلهي … وعفوك نافع و به تجود
فنعم الرب مولانا وإنا … لنعلم أننا بئس العبيد
وينقص عمرنا في كل يوم … ولا زالت خطايانا تزيد
قصدت إلى الملوك بكل باب … عليه حاجبٌ فظ شديد
وبابك معدن للجود يا من … إليه يقصد العبد الطريد
الدعاء