خطبة عن: علامات قوة الشخصية (فهل أنت قوي الشخصية؟)
فبراير 4, 2017خطبة عن الصحابي: (كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ)
فبراير 5, 2017الخطبة الأولى ( مع أسماء الله الحسنى : اسم الله الْوَهَّابُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة»، وقال تعالى : (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) (35) ص
إخوة الإسلام
من الأسماء الحسنى التي وردت في كتابه الله العظيم: اسمه تعالى : (الْوَهَّابُ) ، يقول الله تعالى في محكم آياته :
( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) آل عمران : 8 ،وقال تعالى : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) (9) ص ،وقال تعالى : (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) (35) ص ، وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ: (( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ )).
إخوة الإسلام
( الوهَّاب ) : اسم من أسماء الله الحسنى ، والتي نتعبد إلى الله وندعوه بها،ومن المعاني التي يحملها هذا الاسم الجليل :
أن ( الوهَّاب ) : هو الذي يهب العطاء دون عِوَض ،ويعطي الحاجة بغير سؤال ، فهو كثير النعم ، دائم العطاء . وقال الطّبري رحمه الله:(الوهاب لمن يشاء من خلقه، ما يشاء من ملك وسلطان ونبوّة) ،وقال الخطّابي رحمه الله : “الوهَّاب هو الّذي يجود بالعطاء من غير استثابة ” أي: من غير طلب للثّواب من أحد. وقال الحليمي رحمه الله :(الوهَّاب ): ” هو المتفضّل بالعطايا، المنعم بها ،لا عن استحقاق عليه “. وقال النسفي: الوهاب : الكثير المواهب ،المصيب بها مواقعها ،الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته ، ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الكريم : أن المؤمن يكون كثير الهبة والعطايا للآخرين ، مقتديا في ذلك بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، – وأن أعظم هبة وهبها الله للعبد هي الاستقامة على دينه، ولذلك وصف الدّاعين بهذا الدّعاء بأنّهم أولو الألباب، فقال:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عران] (7) ، 8 . ولذلك كانت النبوّة أعظم هبة، قال تعالى عن موسى عليه السّلام:{فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: من الآية21]، وكذا العلم الّذي هو ميراث النبوّة. – وإذا علم العبد أنّ الهبة من الله تابعة لحكمته ومشيئته، فينبغي له الرّضا بما قسم الله له: – فالذرّية هبة من الله تعالى، وقد ذكر الله أنبياء بذرّية ذكور كنوح، ويعقوب عليهم السّلام، وذكر أنبياء لهم ذرّية إناث كنبيّ الله لوط عليه السّلام، وذكر أنبياء وليس لهم ذرّية كعيسى ويحيى ويوسف عليه السّلام، وذكر أنبياء وهبهم الله ذرّية بعد كبر في السنّ ووهن في العظم كنبي الله إبراهيم وخليله القائل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]، ونبيّ الله زكريّا عليه السّلام القائل: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: من الآية38]. بل ذكر أنّ نبيّا آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد بعده، ووهب له الرّياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، أي حيث شاء، وسخّر له الشّياطين تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وقدور وجفان، ويغوصون في البحر يستخرجون منه اللّآلئ، وقال الله له: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص:39]. ومع ذلك لم يهب له إلاّ شقّ ولد، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام: ” لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ” فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ )). – وليعلم أنّ الله سمّى الولد هبة، فينبغي له أن يرضى بهبة الله تعالى له، سواء أكان ذكرا أو أنثى، سواء أكان صحيحا أم سقيما، وما أقبح أن لا يرضى العبد بعطيّة الله له.
أيها المسلمون
وقد يحسن البعض إلينا ،إما بهدية مثلا، أو يسدي إلينا جميلا ، أو يصنع معنا معروفا ،أو يقضي لنا حاجة ؛ فيجد الإنسان منا نفسه معبرا له عن امتنانه وشكره ،بكلمات معبرة عن اعترافه بهذا الجميل ، فما بالنا بالله الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، فالوهاب سبحانه ليس كمثله شيءٌ في هباته وذلك من وجوه : أولاً : فالله تبارك وتعالى هو الوهاب بحق إذ هو الذي يهب ما يملك، كما أنه هو الذي يعطي بلا مقابل ولا ينتظر الرد . لأنه سبحانه وتعالى خالق الهبات ، فما من أحد من خلق اللَّه يهب هبةً إلا وهو محتاج إلى شيءٍ موجود مخلوق ليهبه ، وما خلق هذه الهبات وغيرها إلا اللَّه تبارك وتعالى ، والناس يهبون من هبات اللَّه ، واللَّه يعطي من هباته هو ومن صُنع يده . قال تعالى : (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) الرعد 16 . أما هبة المخلوق فهي هبة مجازية لأنه يهب ما هو موهوب له من الله عز وجل. ثانيًا : الله سبحانه يهب بغير عوض ولا غرض :فكل من يهب شيئًا لغيره من الخلق فإنما يهبه لغرض في نفسه ، ومقابل يرجوه ، فإن لم يكن الواهب يبغي من هبته مقابلا دنيويا فإنه لا محالة يبغي جزاء الآخرة.
والحق سبحانه وتعالى لا ينال من عطائه للعباد أي مقابل على الإطلاق .. لأنه الغني عما سواه على الإطلاق، ولا حاجة به لغيره في وجوده ولا في بقائه وفي ذلك يقول عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيز ) سورة فاطر 15، 16 ،17
ثالثًا : كثرة هباته وعظمتها :فإن الناس وإن وهبوا فتكون هباتهم قاصرة ضعيفة ، فقد يهب الرجل مالاً أو نوالاً ، ولكن هل يستطيع أن يهب شفاءً لسقيم ، أو ولدًا لعقيم ؟ لا يقدر على ذلك وغيره إلا اللَّه وحده . قال تعالى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ } الحجر 21. رابعًا : اللَّه عز وجلَّ هو الوهاب على الحقيقة :وكل الناس واهبين على المجاز أي لا يملكون العطاء إلا لمن أراد اللَّه ، فالوهَّاب في حقيقة الأمر وأصله هو اللَّه ، ولكن يجعل لذلك أسبابًا ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ » رواه أحمد ،وحين جاء جبريل عليه السلام إلى مريم عليه السلام قال لها: { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا } مريم 19، أي : أن الوهاب على الحقيقة هو اللَّه ، ولكن جبريل هو الذي تجري الهبة على يديه فيكون واهبًا على المجاز . خامسًا : عموم هباته وشمولها للخلق جميعًا :فإن العبد إن وهب غيره فإن هباته تكون خاصة بشخص دون آخر أو بجماعة دون غيرهم ، ولكن اللَّه عز وجل وهب خلقه جميعًا البر منهم والفاجر، المؤمن والكافر ، فما من أحد إلا وهو يتقلب في نعمه وينعم في هباته . قال تعالى : ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه 50 . سادسًا : الحكمة في الهبة :فإن الناس قد يهبوا من لا يستحق أو من تضره الهبة ، فيضروه من حيث أرادوا نفعه ، أمَّا اللَّه عزَّ وجلَّ فإنه حكيم فيما يهب ولمن يهب عليم بمن يستحق خبير بمن تصلحه الهبات ممن تفسده ، ولذلك فإنه لا يملك الهبة والنفع بها إلا الله وحده . سابعا : نعم الله لا تعد ولا تحصى :والمولى عز وجل كما أخبر عن نفسه: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ) (9) ص – فحين خلقنا عز وجل من العدم كان ذلك هبة منه جل وعلا . – فبدن الإنسان هبة ، وعقله هبة ، وسمعه هبة ، وبصره هبة ، وقلبه هبة . – والكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان .. فالهواء الذي نتنفسه هبة .. والماء الذي نشربه هبة .. والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة .. والدواب التي تحملنا إلي الأماكن المتباعدة هبة .. والشمس التي تمدنا بالدفء والضوء هبة .. والقمر الذي نسير على أشعته ليلا هبة منه تبارك وتعالى. – والرسالات السماوية التي يرسلها ليهدينا بها إلي سواء السبيل هبة منه جل وعلا . – والهداية والانتقال من الكفر إلي الإيمان هبة منه، وفي ذلك يقول جل شأنه: ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة النور 21 ، – والزوج هبة من الله عز وجل لزوجته، والزوجة هبة لزوجها قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان : 74
وقال تعالى عن نبيه زكريا عليه السلام :(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) الأنبياء : 90.
– والأهل هبة :قال تعالى في نبيه أيوب عليه السلام : { ووهبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا } ص 32
– والأطفال هبة للوالدين وفي ذلك يقول جل وعلا: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) 49، 50 الشورى ، وقال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } الأنبياء 76 وقال عز وجل عن نبيه داود عليه السلام :{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص 3. وقال جل وعلا عن نبيه زكريا : { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى } الأنبياء : 90 ، ولو استقصينا الأدلة التي تتحدث عن هبات اللَّه جل جلاله في القرآن والسنة لا نكاد نحصيها كثرة وتعددًا وتنوعًا واختلافًا من كثرتها وتعددها واختلافها ، فما من مخلوق أُعطي رزقًا إلا والله هو الذي أعطاه ، وما من عبدٍ وُهِبَ نعمة إلا والله هو الذي وهبه .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع أسماء الله الحسنى : اسم الله الْوَهَّابُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن ثمار الإيمان باسم الله (الْوَهَّابُ ) : – دعاء اللَّه باسمه الوهاب :وهذه ثمرة معرفة اللَّه بهذا الاسم الطيب ،رجاؤه وسؤاله من هباته وواسع فضله سبحانه وبحمده ،ومن دعاء الصالحين : (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) آل عمران : 8 ، – العلم بأن الهبة ليست مجرد عطاء :فإن العطاء لا يكون هبة حتى يكون مقرونًا بطاعة وخير وبركة في الدنيا والآخرة . وهذا معنى قوله تعالى : { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } آل عمران : 8. فقد علَّم اللَّه أولياءه كيف يسألونه الإنعام والإحسان على وجه لا يكون فيه مكر ولا استدراج ، كما فعل بالكفار حين خلق لهم ومكنَّهم مما فيه ضررهم وهلكتهم ، وقد كان الأنبياء عليهم السلام يسألون ربهم تبارك وتعالى الهبات المقرونة بالمغفرة ، كما قال تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا } ص : 35 ، ونبي اللَّه زكريا عليه السلام لم يسأل مجرد الولد والذرية ولكنه سأل وليًا للَّه صالحًا ؛ إذ قال : { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا } مريم : 5 ، وقد وصف اللَّه عباد الرحمن فكان من دعائهم :{ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } الفرقان : 74 ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يَعْنُونَ من يعمل بطاعة اللَّه فتقرَّ به أعينهم في الدنيا والآخرة . فهم لا يسألون مجرد زوجة ، بل يسألون الصالحة منهن وهذا ما يسعدهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ » متفق عليه ، ولا يسألون مجرد الولد والذرية ، ولكنهم يسألون أولادًا عُبَّادًا زُهَّادًا ، صالحين قانتين ، من الأبرار ليسوا من الفجار ، علماء ليسوا من الجهلاء . – شكر اللَّه على هباته : فمن رأى هبات اللَّه لا يسعه إلا أن يسبح بحمده تبارك وتعالى ، كما قال خليل الرحمن عليه السلام حين وهبه اللَّه ولديه إسماعيل وإسحاق : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ } إبراهيم : 39
– الرضا :الرضا إذا أُعطِي والرضا إذا مُنع : إن أُعِطيَ علم أن اللَّه عزَّ وجلَّ قد أعطاه برحمته ، وإن مُنِع علم أنّ الله تبارك وتعالى قد منعه بحكمته ، ولا يكون كعبد الدينار والدرهم ، فإنه لا يرضى إلا للدنيا ولا يسخط إلا لها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ) رواه البخاري . – إذا آمنا أن الله هو الوهاب يعطي عباده بحكمة ويمنع لحكمة فمعنى ذلك ألا نحسد أحدا على ما آتاه الله من فضله . -الصبر عند المصيبة وضياع النعم والهبات :فقد يكون المنع هو عين العطاء ، فإن ابتلاك اللهُ بالحرمان من نعمة بأن صرفها عنك أو أخذها بعد أن وَهَبَك إياها فلا بد وأن هناك حكمة من ذلك ، فاصبر لحكم ربك فمن أعظم ما يُسلي العبد ويُصبِّره إرجاعه الأمر لصاحبه وتسليمه المُلك لمالكه ويعلم أنه لا حق له في النعم ، ولله أن يعطي ويمنع ويقبض ويبسط ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه . – الزهد في الدنيا : فهل رأينا هبة من هبات الدنيا قد بقيت لصاحبها ؟ فليعلم كل من وهبه اللَّه شيئًا من الدنيا، أنه زائل عنه ولا بد ، فكما أخذه لابد أن يذهب عنه ، فلا ينشغل بالخلق عن خالقه ، ولا بالرزق عن رازقه ، ولا ينشغل بالهبة عن واهبها تبارك وتعالى ،
الدعاء