خطبة عن (اعْرِفْ نَفْسَك)
يونيو 26, 2025الخطبة الأولى ( اعْرِفْ رَبَّكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (19) محمد ،وفي صحيح ابن جبان : (عن جابر بن عبد الله أن رجلا قام فركع ركعتي الفجر فقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون حتى انقضت السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا عبد عرف ربه وقرأ في الآخرة قل هو الله أحد حتى انقضت السورة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عبد آمن بربه)
إخوة الإسلام
ليس الإيمان مجرد قول القائل (آمنت بالله) من غير علم بالله ،فحقيقة الإيمان أن يعرف العبد ربه الذى يؤمن به، بل ويجب عليه أن يبذل الجهد في معرفة أسمائه وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين، فكلما ازداد العبد معرفة بربه ،ازداد إيمانه ، والله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وبالإلهية يفردوه، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (56) الذاريات، ولا يمكن أن يعبدوه دون أن يعرفوه؛ فالعبادة إنما تقوم على الحب الكامل ،المقرون بالذل التام للمحبوب، ومن عرف الله لم يكن شيء أحب إليه منه، ولم تبق له رغبة فيما سواه، وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة، وفضله عليه عظيم متوال من كل وجه، وأن يكون جاهلًا بربه، منشغلًا عن معرفته ،ومعرفة أسمائه وصفاته، فأي شيء عرف من لم يعرف الله تعالى ورسله، وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة، وأي علم أو عمل حصل من فاته العلم بالله، والعمل بمرضاته، ومعرفة الطريق الموصلة إليه، وما له بعد الوصول إليه.
إن القلوب إذا لم يحركها حادي معرفة الله عز وجل وتعظيمه، فإن العطب سيتمكن منها، والران سيكسوها، فأي شيء يريده قلب لم يتعرف على الله عز وجل، فالحياة المادية إذا استغرقنا فيها ،وابتعدنا عن تذكير القلوب بهذا المعنى المهم (معرفة الله) فإننا ولا شك سنستجلب الهم والغم، ونبتعد عن التوفيق، بل وعن لذة الحياة، فأي لذة في حياة من لم يتعرف على الله أو غفل عن سبل معرفته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن اللذة والفرحة، وطيب الوقت ،والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه ،إنما هو في معرفة الله – سبحانه وتعالى – وتوحيده والإيمان به… وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة ،إلا في محبة الله ،والتقرب إليه بما يحبه، ولا تكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه). وقال رحمه الله: (والعبد كماله في أن يعرف الله فيحبه، ثم في الآخرة يراه ويلتذ بالنظر إليه). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن أجل معلوم ،وأعظمه وأكبره هو الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين، وقيوم السموات والأرضين، الملك الحق المبين، الموصوف بالكمال كله، المنزه عن كل عيب ونقص)
والله سبحانه وتعالى تعرف إلى عباده في كتابه، وذكر من أسمائه وصفاته وأفعاله ما يوجب محبتهم له؛ فإن القلوب مفطورة على محبة الكمال ومن قام به، والله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق من كل وجه، وهو سبحانه الجميل الذي لا أجمل منه، بل إن كل جمال في الوجود هو من آثار صنعه، فله جمال الذات، وجمال الأوصاف، وجمال الأسماء، وجمال الأفعال، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها كمال، وأفعاله كلها جميلة، وفي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِ فَيَخْتِمُ بِپ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « سَلُوهُ لأَىِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ » . فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ »،فالله سبحانه وتعالى يحب من يحب ذكر صفاته.
أيها المسلمون
وليكن معلوما لدينا جميعا: أن في معرفة الله جل جلاله والسير إليه النجاة الموصلة إلى دار الخلود، ولو تفكر الإِنسَان في ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لآمن به ،وازداد به يقيناً ومعرفة، ولهذا قال من قال من السلف: “اعرف نفسك تعرف ربك”، فإذا عرفت ضعفك ،عرفت قوة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا اعرفت جهلك ،عرفت علم الله سبحانه تعالى، وإذا عرفت ذنوبك ،عرفت رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بك ولطفه، وأنه لم يهلكك بهذه الذنوب ،ولم يؤاخذك بها ،بل تركك لعلك تتوب، وإذا عرفت تقصيرك عرفت كرم الله ومنَه عليك بالنعم والخيرات التي تتابع وتتوالى وأنت في غفلة عنها ولا تدري ولا تحسب لها أي حساب، ولو فقدت واحدة منها لتغيرت حياتك جميعها، فقد كنت عدما محضا ،قال الله تعالى : { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } مريم (67) ، ثم خلقك الله من نطفة ، فجعلك سميعا بصيرا ،قال الله تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } الانسان (2) ، ثم تدرجت من ضعف إلى قوة ، ومردك إلى ضعف ، قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }الروم (54) ،ثم النهاية التي لا شك فيها الموت ،وأنت في تلك المراحل تنتقل من ضعف إلى ضعف ،لا تستطيع أن تدفع عن نفسك الضر ،ولا تجلب لنفسك النفع إلا باستعانتك على ذلك بنعم الله عليك من الحول والقوة والقوت ،وأنت فقير محتاج من حيث الفطرة ،فكم من شيء تحتاج إليه لاستبقاء حياتك ليس في متناول يدك ،وقد تناله مرة ،وتسلبه أخرى ،وكم من أشياء تنفعك وتريد الحصول عليها ،وقد تفوز بها مرة ولا تظفر بها أخرى ،وكم من شيء يضرك ويخيب آمالك ،ويضيع جهودك ويجلب لك المحن والآفات ،وتريد دفعه عن نفسك ،فتدفعه مرة وتعجز أخرى، ألم تستشعر فقرك وحاجتك إلى الله ؟ والله تعالى يقول :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } فاطر (15) ، يعترضك فيروس ضعيف ،لا تراه العين المجردة ، فيرديك صريع المرض ، فلا تستطيع دفعه ،وتذهب إلى إنسان ضعيف مثلك ليعالجك ،فمرة يصيب الدواء ، وتارة يعجز الطبيب ،فتعم الحيرة المريض والطبيب ،ألا ما أضعفك يا ابن آدم ،فلو سلبك الذباب شيئا ما استطعت استعادته منه ،وصدق الله حيث يقول : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }الحج (73) ،فإذا كنت لا تستطيع استنقاذ ما سلبك الذباب فماذا تملك من أمرك ؟ :فناصيتك بيد الله ، ونفسك بيد الله ،وقلبك بين إصبعين من أصابع الرحمن ،يقلبه كيف يشاء ،وحياتك وموتك بيد الله ،وسعادتك وشقاوتك بيد الله ،وحركاتك وسكناتك وأقوالك بإذن الله ومشيئته ،فلا تتحرك إلا بإذنه ،ولا تفعل إلا بمشيئته ،إن وكلك إلى نفسك ،وكلك إلى عجز وضعف وتفريط وذنب وخطيئة ،وإن وكلك إلى غيرك ،وكلك إلى من لا يملك لك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ،فلا غنى لك عن ربك طرفة عين ، بل أنت مضطر إليه على مدى الأنفاس ظاهرا وباطنا ،يسبغ عليك النعم ،وأنت تتبغض إليه بالمعاصي والكفر مع شدة الضرورة إليه من كل وجه ، قد اتخذته نسيا ،ومردك إليه ، ومرجعك وموقفك بين يديه ، يا أيها الإنسان : نظرا لضعفك وعجزك عن تحمل تبعات ذنوبك : { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } النساء (28) ،أرسل الله الرسل ،وأنزل الكتب ،وشرع الشرائع ،ونصب أمامك الطريق المستقيم ،وأقام البينات والحجج والشواهد والبراهين ،حتى جعل لك في كل شيء آية دالة على وحدانيته وربوبيته وألوهيته ،وأنت تدفع الحق بالباطل ، وتتخذ الشيطان وليا من دون الله ،وتجادل بالباطل، أنستك نعم الله التي تتقلب فيها بدايتك ونهايتك ،فيا أيها الإنسان لماذا تحرم نفسك لذة الوقوف بين يدي الله تناجيه ؟ ليغنيك من فقر ،ويشفيك من مرض ،ويفرج كربتك ،ويغفر ذنبك ،ويكشف ضرك ،وينصرك إن ظلمت ،ويدلك إن تحيرت وضللت ،ويعلمك ما جهلت ،ويؤمنك إذا خفت ،ويرحمك حال ضعفك ،ويرد عنك أعداءك ، ويجلب لك رزقك ،ومن أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان – بعد نعمة الدين – هي نعمة العقل ، ليميز به بين ما ينفعه وما يضره ،وليعقل عن الله أمره ونهيه ،وليعرف به أعظم غاية وهي عبودية الله وحده لا شريك له ،فالعاقل يحب معالي الأمور ،ويكره سفاسفها ،ويود أن يقتدي بكل صالح وكريم من الأنبياء والصالحين ،وتتطلع نفسه إلى أن يلحق بهم وإن لم يدركهم ، والسبيل إلى ذلك هو ما أرشد إليه سبحانه بقوله : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } آل عمران (31)، وإذا امتثل ذلك ألحقه الله بالأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين ، قال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } النساء (69) ،فيا أيها الإنسان إنما أعظك بأن تخلو بنفسك ، ثم تتأمل ما جاءك من الحق ، فتنظر في أدلته ،وتتدبر براهينه ،فإن رأيته حقا فهلم إلى اتباعه ،ولا تكن أسير الإلف والعادة ،واعلم أن نفسك أعز عليك من أقرانك وأترابك وميراث أجدادك ،وإنك حينما تسلم لن تخسر شيئا ،قال الله تعالى : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا } النساء (39) ،واعلم أن إسلامك لن يحول بينك وبين أي شيء تريد عمله أو تناوله مما أحله الله لك ،بل إن الله يأجرك على كل عمل تعمله تبتغي به وجه الله ، وإن كان مما يصلح دنياك ويزيد في مالك أو جاهك أو شرفك ،بل حتى ما تتناوله من المباحات إذا احتسبت أن تكتفي بالحلال عن الحرام ، فلك فيه أجر ،ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ « أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِى حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ».،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اعْرِفْ رَبَّكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فيا أيها الإنسان إنك إن أسلمت لن تنفع إلا نفسك ،وإن كفرت فلن تضر إلا نفسك ،فإن الله غني عن عباده ،فلا تضره معصية العاصين ،ولا تنفعه طاعة الطائعين ،ولن يعصى إلا بعلمه ،ولن يطاع إلا بإذنه ،وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
أيها المسلمون
إذاً: فلو أن الإِنسَان عرف نفسه عَلَى الحقيقة فلن يرى في نفسه إلا الضعف والعجز والافتقار، ويعرف أن ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الموصوف بكمال الغنى، وكمال العلم، وكمال الحكمة، وأنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فالتفكر في هذه الأمور، مما يجب علينا جميعاً، لنزداد إيماناً بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ونزداد عبودية له سبحانه في أنفسنا، والسؤال : كيف نتعرف إلى الله عز وجل؟، ولعل هذه الأصول الثلاثة يدور حولها الجواب: أولها : صحبة ولي مرشد دال على الله عز و جل، يقرب لك الطريق وينير لك الدرب، ويرفعك حاله ويدلك على الله مقاله. ثانيها : تدبر كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، فيه صفات الرحمن وأسماؤه التي بها عرف نفسه سبحانه عز وجل إلى خلقه. ثالثها : الإكثار من العبادة والتقرب من المولى سبحانه خصوصا عبادة الذكر والتفكر. قال أحد الصالحين: من لم يكن كلامه ذكر فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكر فهو سهو. ألا فهل آن الأوان في أن تعرف ربك ؟؟؟، ( فاعْرِفْ رَبَّكَ )
الدعاء