خطبة عن الصحابي : ( حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ)
سبتمبر 30, 2017خطبة عن: اسم الله ( البديع )
أكتوبر 7, 2017الخطبة الأولى ( الأشهر الحُرُم: حكمتها ، وفضائلها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (36) التوبة
إخوة الإسلام
إن الله اصطفى من خلقه صفايا: فاصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليـالي ليلة القدر، ألا فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظيم الأمور بما عظمها الله به ،والأشهر الحرم بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع ، ففي الصحيحين (أَنَّهُ قَالَ « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ …) هذا ، وقد سميت هذه الأشهر بالأشهر الحرم لأمرين : الأول: لأن الله تعالى حرم فيها القتال بين الناس ، يقول الله جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (البقرة:217)، فدل ذلك على أنه محرم فيها القتال، وذلك من رحمة الله تعالى بعباده حتى يسافروا فيها ويحجوا ويعتمروا. والثاني: لتعظيم انتهاك المحارم فيها بأشد من تعظيمه في غيرها، وتعظيم الطاعات فيها أيضا ،وقد ذكر ابن كثير في تفسيره : «وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة، ثلاثة سرد وواحد فرد؛ لأجل أداء مناسك الحج والعمرة في أمن وأمان، فحرم قبل شهر الحج شهر، وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال، فيذهبون إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج وهم آمنون، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك وهم آمنون، وحرم بعده شهر آخر، وهو المحرم؛ ليرجعوا فيه إلى نائي أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول، لأجل زيارة البيت والاعتمار به، لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا» ، ومن المعلوم أن هذه الأشهر ورثت العرب «حرمتها وتعظيمها، فكانت تعظمها فتحرم فيها القتال، وهو مما ورثته من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، غير أن العرب كانت تقوم معيشتهم على الحروب والثارات والغارات، فكانت تضطر إلى الحرب، فكانت تحتال على هذه الأشهر الحرم، فتؤخر تحريم هذا الشهر إلى آخر، وهو النسيء الوارد ، في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (التوبة:37)، وربما حرمت العرب شهرا حلالا وأحلت شهرا محرما، وقد تجد نفسها جعلت السنة ثلاثة عشر شهرا، خلافا لما خلق الله تعالى عليه السنة، ولذلك جاء في الآية: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ} (التوبة:36)،
أيها المسلمون
ومن حرمة هذه الأشهر أن الأعمال فيها «مضاعفة الجزاء، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، لذلك أكد النهي عن الظلم فيها؛ فقال: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة:36)، والظلم هنا يشمل المعاصي كلها؛ كبيرها وصغيرها، بترك الواجبات وفعل المحرمات، مما يتعلق بحقوق الخالق والمخلوق، ويقول القرطبي: «لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال» ،وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «تحفظوا على أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا، فإن الحسنات فيها تضاعف والسيئات فيها تضاعف» ،وقال قتادة: «إن العمل الصالح والأجر أعظم في الأشهر الحرم، والذنب والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء، وتتجلى الحكمة في مضاعفة الأجر والثواب في الأشهر الحرم في «رحمة الله تعالى بالمؤمنين، وحسن تربيته لعباده، والأخذ بأيديهم برحمة وحكمة، فلو أنه سبحانه ضاعف الوزر كامل السنة لربما هلك الصالحون بمضاعفة ما قد يأتون من معصيتهم وظلمهم لأنفسهم؛ إذ أنهم ليسوا بمعصومين، فكان أن جعل الله تعالى الحرمة والمضاعفة خاصة بأربعة أشهر فقط، ليستطيع المسلم شد إزاره والاجتهاد فيها أكثر ما يستطيع ، ثم ليكون ذلك دربة له في باقي الأشهر المخففة، وهكذا إذا اتَّقى الله تعالى وجاهد نفسه؛ وجد نفسه في سائر الشهور متقيا محترسا متيقظا، قد صار له ذلك عادة وسجية» ، فهذه الأشهر مما عظمها الله سبحانه في كتابه , فيجب علينا أن نُعظم ما عظم الله , فإن تعظيمنا يُعد عبادة قلبية من أجلّ العبادات, فحين تدخل هذه الأشهر نستشعر تحريمها وتعظيم الله لها ,
أيها المسلمون
وكما علمتم فإن من بين الأشهر الحرم شهر الله المحرم ،ولشهر الله المحرم في الإسلام مكانةٌ مقدَّسة خاصة؛ ولذلك سماه الرسول عليه الصلاة والسلام: “شهر الله”، ولم يندب عليه الصلاة والسلام إلى صيام شهرٍ كامل على سبيل التطوُّع غير شهر المحرم، وجعله أفضل صيام بعد رمضان. ففي صحيح مسلم : (سُئِلَ أَيُّ الصَّلاَةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ « أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ ». ويظهر أنه كان له كذلك مكانةٌ خاصة في نفوس العرب في الجاهلية، بدليل أنه اختُصَّ من بين الشهور الأربعة الحُرُم بالاسم الذي يدلُّ صراحةً على حرمتِه، وذلك قبل أن يعبثوا في مدة الشهور وأوضاعها، ويبتدعوا نظام النسيء الذي كان يُتِيحُ لهم في الغالب انتهاكَ حرمة هذا الشهر بالذات.
ويُسمَّى اليوم العاشر من شهر المحرم: عاشوراء، وقد يُسمَّى التاسع كذلك: تاسوعاء، والراجح أن هذه وتلك تسميتان عربيتان قديمتان، وليستا منقولتَينِ من لغةٍ أخرى، ويظهر أنه كان ليوم عاشوراء مكانةٌ دينية خاصة عند قريش في الجاهلية. فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِى الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَصُومُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الأشهر الحُرُم: حكمتها ، وفضائلها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد أمر الله بتعظيم الأشهر الحرم ، ومن صور تعظيم الأشهر الحرم : – الإكثار من الصيام في هذه الأشهر الحرم مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: « أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ » (صحيح مسلم). – ومن صور تعظيم الأشهر الحرم : تحري فعل الخيرات في هذه الأشهر لاشتمالها على فضائل وعبادات ليست في غيرها؛ فهي تشمل الحج، إذ إن أفعاله كلها تقع في ذي الحجة، وتشمل هذه الأشهر الليالي العشر التي أقسم الله بها، وتسمى عشر ذي الحجة، كما تشتمل هذه الأشهر على يوم عرفة، وهو أفضل أيام العشر، كما تشتمل على يوم عيد الأضحى. – ومن صور تعظيم الأشهر الحرم : عقد العزم الصادق بالتوبة والإنابة إلى الله والهمة العالية على تعمير هذه الأشهر بالأعمال الصالحة. – ومن صور تعظيم الأشهر الحرم : الابتعاد عن الظلم بجميع أنواعه في هذه الأشهر لقوله تعالى: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة:36). – ومن صور تعظيم الأشهر الحرم : أن انتهاك الحرمات وخاصة في هذه الأشهر فيه زوال للحسنات ولو كانت عظيمة، فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ». قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ.
قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ». (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
الدعاء