خطبة عن ( من أهداف الزواج ومقاصده)
يوليو 1, 2017خطبة عن ( السلف وتعظيمهم للنبي )
يوليو 1, 2017الخطبة الأولى ( الأَمَانَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون 8 : 11. وروى البيهقي في سننه : (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلاَّ الأَمَانَةَ يُؤْتَى بِصَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقَالَ لَهُ : أَدِّ أَمَانَتَكَ فَيَقُولُ : رَبِّ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُؤَدِّيهَا فَيَقُولُ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ حَتَّى إِذَا أُتِىَ بِهِ إِلَى قَرَارِ الْهَاوِيَةِ مَثُلَتْ لَهُ أَمَانَتُهُ كَيَوْمِ دُفِعَتْ إِلَيْهِ فَيَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ يَصْعَدُ بِهَا فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ خَرَج مِنْهَا هَوَتْ وَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الآبِدِينَ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنَّ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء 58 .
إخوة الإسلام
الأمانة من أعظم ما يُحمل الإنسان، ويُسأل عنه يوم القيامة. ففي الحديث المتقدم : قال صلى الله عليه وسلم : (الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلاَّ الأَمَانَةَ ) . وجاء هذا المعنى في حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ « أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّى خَطَايَايَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ قُلْتَ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّى خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلاَّ الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ لِي ذَلِكَ ». فالإسلام دين الأمانة ، وأداء الأمانة فيه من صفات المؤمنين: قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]. والأمانة: لفظ عام يشمل كل ما افترضه الله تعالى على المسلم، وأمَره بحفظه، فيدخل فيها حفظ قلبه وجوارحه عن كل ما يُغضب الله تعالى، وحفظ كل ما ائتمنه الناس عليه ،وقد حثنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم على حفظ الأمانة: فقد روى الترمذي بسند حسن 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ». وروى الشيخانِ : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِى يُنْفِقُ – وَرُبَّمَا قَالَ الَّذِى يُعْطِى – مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلاً مُوَفَّرًا ، طَيِّبٌ نَفْسُهُ ، إِلَى الَّذِى أُمِرَ بِهِ ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ »
أيها المسلمون
وللأمانة في حياتنا صور متعددة ، فمن صور الأمانة في حياتنا والتي يجب المحافظة عليها وأداؤها : التكاليف الشرعية أمانة: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. فإقامة الصلاة المفروضة أمانة: فيجب على المسلم أن يحافظ على إقامتها في وقتها في المساجد، مع المحافظة على شروطها وأركانها، وأدائها بقلب خاشع لرب العالمين. قال الله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]. وروى الترمذي عن أبي هريرة : قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَىْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ » ، وأداء الزكاة المفروضة أمانة: فالزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]. وصيام شهر رمضان أمانة: قال سبحانه: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]. وأداء مناسك الحج أمانة: يقول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]. والعقل أمانةٌ عظيمة: فهو مِن أعظم نِعَم الله تعالى على الإنسان؛ وهو أساس التكاليف الشرعية، والثواب والعقاب، وهو أمانة عند الإنسان، سوف يحاسبه الله تعالى عليها يوم القيامة، فيجبُ على المسلم أن يحافظ على هذه الأمانة، ويستخدمها في طاعة الله ورسوله، وبالتفكير في العلوم النافعة، التي تعود بالنفع على المسلمين في أمور دِينهم ودنياهم. وجوارح الإنسان أمانة : فالأُذُن أمانة، والعين أمانة ، والأيدي أمانة ، والأقدام أمانة واللسان أمانة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسؤولا ﴾ [الإسراء: 36]. فاحرص، أخي المسلم الكريم، أن تستخدمَ هذه النعمة ، وتلك الجوارح في طاعة الله تعالى ، والوالدانِ أمانة: فقد أوصانا الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين؛ فقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]. وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رِضَا الرَّبِّ فِى رِضَا الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِى سَخَطِ الْوَالِدِ ». والأولاد أمانة: فتربية الأبناء أمانة في أعناق الآباء، وهم مسؤولون عن أبنائهم أمام الله يوم القيامة. روى البخاري أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » . والجيران أمانة: فيجب أن نحافظَ عليهم من كل سوء، ولقد أوصانا الله تعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم؛ فقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]. وروى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ » وروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ) ، وتولية القضاء أمانة: ففي الصحيحين عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ » ، وليحذَرْ مِن تولية القضاء مَن لا قدرة له؛ لأنه يعرِّضُ نفسَه لغضب الله في الدنيا والآخرة. ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا ». ، وروى الترمذي في سننه : (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ ». والمال أمانة: قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15]. فيجب على المسلمِ أن ينفقَ المال الذي رزقه الله فيما يُرضي الله، وليعلم أنه مسؤولٌ عن ذلك المالِ يوم القيامة. وروى الترمذي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ». فليحذر المسلم أن ينفق ماله في معصية الله تعالى، فيكون وبالًا عليه يوم القيامة. والعلم النافع أمانةٌ: فالعلم أمانة في عنق العالم، يسأله الله عنه يوم القيامة، فيجب عليه أن يؤديَ هذه الأمانة إلى الناس، وليتذكر العالم عظيم ثواب الله يوم القيامة. فقد روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ – رضى الله عنه – سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم …. فَوَ اللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ » فليحذر العالم أن يخالف فعلُه قولَه، فيكون بذلك قد خان أمانة العلم. قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]. وروى البخاري : ( عن أسامةَ بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِى النَّارِ ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ ، فَيَقُولُونَ أَىْ فُلاَنُ ، مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ » وإتقانُ العمل أمانة: فإتقانُ العمل أمرٌ واجب على المسلم، وهو أمانة عظيمة في عنقه، وهو سبيل تقدُّم الأمة الإسلامية، وليعلم المسلم أن الله تعالى مطَّلع عليه، وسوف يحاسبه يوم القيامة. وروى الطبراني في المعجم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يحبُّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنَه))؛ فليحذَرِ المسلم خيانة أمانة العمل، وذلك بالتقصير في عمله، أو غش المسلمين من أجل الحصول على الربح الكثير؛ فإن هذا المال حرام، ولا بركة فيه. والوقت أمانة: فرأسُ مال العبد المسلم في هذه الدنيا وقتٌ قصير، وأنفاس محدودة، وأيام معدودة؛ فمَن استثمر تلك اللحظات والساعات في أعمال الخير، فطوبى له، ومَن أضاعها وفرَّط فيها، فقد خسِر خسرانًا مبينًا، وليعلم المسلم أنه مسؤول عن الوقت يوم القيامة. وروى الحاكم في المستدرك عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعِظه: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحتَك قبل سقَمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك))؛ (صحيح الجامع للألباني ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الأَمَانَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وحفظ الأسرار أمانة: فحِفظ الأسرار ينشُرُ السلام والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم، وإفشاء الأسرار ينشُرُ الحقد والكراهية بين الناس. فيجبُ على الرجل أن يحافظ على أسرار زوجته وبيته، والمرأة تحافظ على أسرار زوجها وبيتها، والصديق يحافظ على أسرار صديقه، والعامل يحافظ على أسرار العمل في المكان الذي يعمل فيه؛ فمَن أفشى الأسرار، فقد خان الأمانة التي جعلها الناس في عنقه. وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَتَى عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ – قَالَ – فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِى إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّى فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ مَا حَبَسَكَ قُلْتُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِحَاجَةٍ. قَالَتْ مَا حَاجَتُهُ قُلْتُ إِنَّهَا سِرٌّ . قَالَتْ لاَ تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ ). وتولية مناصب الدولة أمانة: فولاية مناصب الدولة أمانة عظيمة في أعناق ولاة أمور المسلمين، سوف يسألهم الله تعالى عنها يوم القيامة، فليجتهد ولاة الأمور في القيام بمهام هذه الأمانة العظيمة، التي جعلها المسلمون في أعناقهم، وليحذر المسؤولون من استغلال مناصبهم في جلب منافع شخصية لهم، أو تعيين أشخاص من غير ذوي الكفاءات في الأماكن التي يتولَّوْن قيادتها، أو في أي مكان آخر، فمن فعل ذلك منهم، فقد خان اللهَ ورسوله والمؤمنين. روى مسلم : (عَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ فَقَالَ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». وحِفظ ودائع الناس أمانة: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].
أيها المسلمون
وضَياع الأمانة من علامات يوم القيامة: فقد روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – فِى مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ ، فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ « أَيْنَ – أُرَاهُ – السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ » . قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » ،وهذا نبيُّنا يستعيذ بالله من الخيانة ويحذر منها : روى أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ ». وروى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ »
أيها المسلمون
ومن أقوال سلفنا الصالح في الأمانة: قيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى، قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله عز وجل، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يَعنيني؛ وفي سنن البيهقي : (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِى كِلاَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَقُولُ : لاَ يُعْجِبَكُمْ مِنَ الرَّجُلِ طَنْطَنَتُهُ وَلَكِنَّهُ مَنْ أَدَّى الأَمَانَةَ وَكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ فَهُوَ الرَّجُلُ ). وقال نافع مولى ابن عمر: طاف ابن عمر سبعًا وصلى ركعتين، فقال له رجل من قريش: ما أسرع ما طُفْتَ وصليت يا أبا عبدالرحمن! فقال ابن عمر: أنتم أكثر منا طوافًا وصيامًا، ونحن خير منكم بصدق الحديث وأداء الأمانة؛ وقال الأصمعي: قال بعض حكماء العرب: إن مما تعجل عقوبته ولا تؤخر: الأمانة تخان، والإحسان يكفر، والرحم تقطع، والبَغْي على الناس، وأيما رجل أدى أمانته طيبًا بها نفسه، فهو أحد الصِّدِّيقين؛
الدعاء