خطبة عن ( لا ضرر ولا ضرار)
مارس 31, 2017خطبة عن ( البيع المحرم وأسبابه )
أبريل 5, 2017الخطبة الأولى (الإسراف والتبذير : معناه. صوره. أسبابه. نتائجه. علاجه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) (31) الاعراف، وقال تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (26)، (27) الاسراء ،وقال تعالى : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (29) الاسراء ،وفي سنن ابن ماجة :(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ ».
إخوة الإسلام
إن الدين الإسلامي الحنيف لم يُحرم زينةَ الحياة الدنيا ،والطيبات من الرزقِ، فقال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الاعراف 32، وإنما حرم الاسلام الاعتداء والطغيان ، والإسراف والتبذير في الاستمتاع بها ،وفي نفس الوقت، حرم البخل والتقتير والشح. والإسراف : هو الزيادة ،وتجاوز الحد في مقابل الاقتصاد و الاعتدال. ولا ينحصر الإسراف في الأمور المادية بل في الأمور المعنوية . وأما التبذير : فهو تفريق المال وإنفاقه في السرف . ويعرف بعض الفقهاء التبذير بأنه : عدم إحسان التصرف في المال ، وصرفه فيما لا ينبغي ، وأما صرف المال إلى وجوه البر فليس بتبذير ،وعلى هذا فالتبذير أخص من الإسراف ؛ لأن التبذير يستعمل في إنفاق المال في السرف أو المعاصي ، أو في غير حق ،وأما الإسراف فهو أعم من ذلك ، لأنه مجاوزة الحد ، سواء أكان في الأموال أم في غيرها ، كما يستعمل الإسراف في الإفراط في الكلام أو القتل وغيرهما . ويقول الراغب الأصفهاني : ” إن التبذير في الحقيقة أقبح من الإسراف ؛ لأن بجانبه حقا مضيعا ، ولأنه يؤدي بصاحبه إلى أن يظلم غيره ، ولهذا قيل إن المبذر أقبح ؛ لأنه جاهل بمقدار المال الذي هو سبب استبقاء الناس ” . وعليه ، فإن الإسراف والتبذير بينهما علاقة عموم وخصوص ، تخضع لقاعدة : ” إذا اجتمعا اتفقا ، وإذا افترقا اختلفا ” . وقد وردت دعوة الدين الحنيف إلى عدم الإسراف والتبذير في العديد من الآيات القرآنية، ومنها قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف (31) كما وردت دعوة – عدم الإسراف والتبذير – في العديد من الأحاديث النبوية، ففي صحيح البخاري (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا ،فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ » وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :(كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ ). فالدين يدعو إلى الوسطية والاعتدال ، ولذا قال الله تعالى ممتدحا أهل الوسطية في النفقة ، والذين لا يبخلون ولا يسرفون : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67). وقال عز وجل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29). فالمسلم الحق معتدل، ومتوسط، ومقتصد في أموره كلها، لا إِفْراطَ ولا تفرِيطَ، ولا غُلُو ولا مُجافَاةَ، ولا إسراف ولا تقتير، لأنه ينطلق في ذلك من تعاليم الإسلام التي تأمره بالاعتدال والتوازن والاقتصاد في جميع الأمور، وتنهاه عن الإسراف والتبذير.
أيها المسلمون
وللإسراف والتبذير في حياتنا صور متعددة : فمن صور الإسراف: الإسراف في الماء، والماء نعمةٌ عُظمى، وهبةٌ ومنحةٌ كبرى، ورسولنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – ضرب للأمة أروعَ الأمثلة في المحافظة على هذه النعمة، فعَنْ أَنَسِ قَالَ ( كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) رواه مسلم. وقد نهى النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم – عن الإسراف في الوضوء؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ« هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ » أَوْ « ظَلَمَ وَأَسَاءَ » رواه أبو داود. ومن صور التبذير أن ينفق الانسان ماله فيما لا يجدي عليه نفعاً في دنياه ولا يكسبه أجراً في أخراه، فمثلا :إنفاق المال على الدخان والمخدرات والمسكرات من أعظم صور الإسراف والتبذير ، وإنفاقه في فضول الطعام والشراب بل ورمي الطعام والشراب في القمامة من صور الإسراف والتبذير ، ومن صور الإسراف والتبذير متابعة الموضة والانشغال بجنون الأزياء والاستجابة لضغوط الحملات الإعلامية الصاخبة التي تحمل كثيرا من متابعيها على شراء ما لا يحتاجون. وإنَّ شرَّ مواضع الإسراف أن تقام الولائم العظيمة ويدعى إليها الأغنياء، ويحرم منها الفقراء, وإنَّ ما يلقى منها في الفضلات ليُشبع خلقاً كثيراً من أهل الحاجة ،ومن صور الإسراف أن يتجاوز في القتل إلى غير القاتل من إخوانه وأقربائه كما كان يفعل أهل الجاهلية قديماً، وكما هو الحال اليوم مع أهل الجهل ،ومن صور الإسراف والتبذير: الإسراف في الملابس والمراكب والأثاث وغيرها ،كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. ومن صور الإسراف والتبذير: ما ينفق على حفلات الأعراس ،وهل من شكر الله تعالى على نعمته إنفاقه فيما يسخطه سبحانه وتعالى؟! ومن صور الإسراف والتبذير: الإسراف في النوم ، فبعضهم يصوم وهو نائم فيصلي الفجر ثم ينام إلى الظهر، ثم يواصل النوم على بركة من الله إلى صلاة العصر، ثم ينام من العصر إلى الغروب، فما أحس جوعاً ولا ظمأ ولا عاش عبادة ولا قرآناً ولا نوافل ولا تسبيحاً،
أيها المسلمون
وللإسراف والتبذير أسباب وبواعث توقع فيه، وتؤدي إليه، ونذكر منها: – جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره ، ومن أسباب التبذير : النشأة الأولى: فالفرد قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي، – ومن أسباب التبذير : الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا : فطبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة. والواجب يقتضي أن نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة إلى وقت آخر. – ومن أسباب التبذير : السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر : فقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماماً، فيكون الإسراف والتبذير. ومن أسباب التبذير : صحبة المسرفين: فالإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ » ،ومن أسباب التبذير والاسراف : حب الظهور والتباهي: فهناك من يظهر للناس أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله. ومن أسباب التبذير والاسراف : المحاكاة والتقليد: فهو يحاكي الآخرين ويقلدهم ،حتى لا يوصف بالبخل، فينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها. ومن أسباب التبذير والاسراف : الزوجة والولد: فقد يبتلى المسلم بزوج أو ولد دأبهم وديدنهم الإسراف وقد لا يكون حازما معهم فيؤثرون عليه وبمرور الأيام وطول المعاشرة ينقلب مسرفا مع المسرفين. ومن أسباب التبذير : الغفلة عن شدائد وأهوال يوم القيامة: فمن غفل عن أهوال ذلك اليوم فإنه يصاب بالإسراف والترف بل ربما ما هو أبعد من ذلك.
أيها المسلمون
وللإسراف والتبذير أضرار جمة ومتعددة ،تعود عل الفرد والمجتمع ، فمن الأضرار المترتبة علي الإسراف والتبذير : عدم محبة الله للمسرفين والمبذرين: قال تعالى: ( إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) [الأنعام: 141]. ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : أنه يفضي إلى طلب المال بالكسب الحرام: لأنَّ المسرف ربما ضاقت به المعيشة، نتيجة لإسرافه؛ فيلجأ إلى الكسب الحرام، ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : أن الإسراف في الأكل والشرب يضرُّ بالبدن:
قال علي بن الحسين بن واقد: (جمع الله الطبَّ كلَّه في نصف آية فقال تعالى : (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ) [الأعراف : 31]. وقال محمد رشيد رضا: (فمن جعل شهوة بطنه أكبر همه فهو من المسرفين، ومن بالغ في الشبع وعرض معدته وأمعاءه للتخم؛ فهو من المسرفين، ومن أنفق في ذلك أكثر من طاقته، وعرض نفسه لذلِّ الدين، أو أكل أموال الناس بالباطل؛ فهو من المسرفين، وما كان المسرف من المتقين) . ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : أن المسرف والمبذر يشاركه الشيطان في حياته: فإنَّ الذي يسرف ويبذر معرض لمشاركة الشيطان في مسكنه، ومطعمه، ومشربه، وفراشه، ففي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ « فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ ». ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه :أن الإسراف والتبذير من صفات إخوان الشياطين قال تعالى:(وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) [الإسراء: 26-27]. وقال السعدي: (لأنَّ الشيطان لا يدعو إلا إلى كلِّ خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) [الفرقان: 67] .
ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : أن الإسراف يجرُّ إلى مذمَّات كثيرة: فالإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذمَّات كثيرة، وينتقل من ملذَّة إلى ملذَّة فلا يقف عند حدٍّ. ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : التعرض للمساءلة والحساب عن مصارف ماله: ففي سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ». ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : أن الإسراف والتبذير فيه تضييع للمال. ففي صحيح البخاري أن النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ » . ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : قلة البركة والحرمان من الهداية: قال تعالى مشيراً الى هذه الحقيقة : (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) غافر 28،
ومن أضرار الاسراف والتبذير ونتائجه : الفقر: وذلك لأن المسرف يبذر و يشتت المصادر و يجفف المنابع التي ينبغي أن توفر له حياة كريمة، و بالنتيجة سيعود الخطر على الفرد والمجتمع معا، وكذلك الهلاك: فالإسراف يجر الإنسان الى الهلاك، و قد قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله: ( ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَیناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ، وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِین) الانبياء 9، ومن أضرار الاسراف : العذاب الأخروي: فقال تعالى في كتابه الكريم: ( وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ یؤْمِنْ بِآیاتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى) طه 127،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الإسراف والتبذير : معناه. صوره. أسبابه. نتائجه. علاجه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونأتي إلى طرق العلاج من داء الاسراف والتبذير : ومنها: (1) التفكر في الآثار والعواقب المترتبة على الإسراف فإن ذلك من شأنه أن يحمل على تدارك الأمر والتخلص من الإسراف قبل فوات الأوان. (2) ومن طرق العلاج من داء الاسراف والتبذير: الحزم مع النفس وذلك بفطمها عن شهواتها ومطالبها وحملها على الأخذ بكل شاق وصعب من قيام ليل إلى صوم تطوع إلى صدقة ونحو ذلك. (3) دوام النظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته فإنها مليئة بالتحذير من الإسراف بل ومجاهدة النفس والأهل والعيش على الخشونة والتقشف ، ففي الصحيحين ( عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ ابْنَ أُخْتِي ، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – نَارٌ . فَقُلْتُ يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ قَالَتِ الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ أَلْبَانِهِمْ ، فَيَسْقِينَا ، (4) ومن طرق العلاج من داء الاسراف والتبذير: دوام النظر في سيرة سلف هذه الأمة، من الصحابة المجاهدين و العلماء العاملين فقد اقتدى هؤلاء به صلى الله عليه وسلم فكان عيشهم كفافاً، ولا هم لهم من الدنيا إلا أنها معبر أو قنطرة توصل للآخرة. دخل عمر بن الخطاب على ابنه عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – فرأى عنده لحماً، فقال: ما هذا اللحم؟ قال: أشتهيه! قال: وكلما اشتهيت شيئاً أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلَّ ما اشتهاه)! وأتى سلمان الفارسي أبا بكر الصديق – رضي الله تعالى عنهما – في مرضه الذي مات فيه فقال: أوصني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: (إن الله فاتح عليكم الدنيا فلا يأخذنَّ منها أحد إلا بلاغاً) ،(5) ومن طرق العلاج من داء الاسراف والتبذير: الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوى الهمم العالية و النفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كل حياتهم من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض، (6) الاهتمام ببناء شخصية الزوجة و الولد فإن ذلك من شأنه أن يقضي على كل مظاهر الترف، ( 7) ومن طرق العلاج من داء الاسراف والتبذير: دوام التفكر في الواقع الذي تحياه البشرية عموماً والمسلمون على وجه الخصوص، فإن ذلك يساعد على التخلص من كل مظاهر الإسراف ، حتى يمكن لمنهج الله وترفع الراية الإسلامية من جديد. (8) دوام التفكر في الموت، وما بعده من شدائد وأهوال، فإن ذلك أيضاً يعين على نبذ كل مظاهر الإسراف و الترف، استعداداً لساعة الرحيل ويوم اللقاء.
(9) تذكر طبيعة الطريق، وما فيها من متاعب وآلام، وأن زادها ما يكون بالإسراف والاسترخاء و الترف بل بالخشونة و الحزم و التقشف، ومن أنجح الوسائل في القضاء على السرف والإسراف أن يبدأ بذلك قادة الناس من الأمراء والعلماء وغيرهم من وجهاء الناس وأعيانهم فعلى ولاة الأمر أن يبدأوا في ذلك بأنفسهم ويأمرون به ذوي خاصتهم قبل غيرهم .
الدعاء