خطبة عن اسم الله (الَخَافِضُ، الرَّافِعُ )
أبريل 21, 2018خطبة عن الصحابي: (حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ)
أبريل 21, 2018الخطبة الأولى ( الإسلام علمني )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة 3، وقال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (7) :(9) الصف
إخوة الإسلام
الإسلام مدرسة تربوية وأخلاقية ، يتعلم فيها المسلم أسس الأخلاق ، ومبادئها القويمة , فهو دين قد جاء ليعلي من شأن الأخلاق , قال الله سبحانه : ” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (34) ،(35) فصلت ،ووصف الله سبحانه وتعالى نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالخلق العظيم , فقال الله تعالى : ” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) القلم . بل كان الهدف الاسمي من بعثته صلى الله عليه وسلم هو إكمال وإتمام مكارم الأخلاق , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ) رواه أحمد، والأخلاق التي نتعلمها من الإسلام هي سلوكيات المسلم مع ربه وخالقه , وسلوكياته مع نفسه , وسلوكياته مع جميع الناس من حوله , وكذا سلوكياته مع جميع الكائنات التي تعيش معه في الكون. فالإسلام علمني : أن أزيد من رقعة البر والإكرام، فضلًا عن الوالدين والأهل، كأصدقاء الأب، وصديقات الزوجة، وخدمة الأصحاب والأحباب، وانظر إلى بر هذا الصحابي الجليل ووفائه النادر، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي فَقُلْتُ لَهُ لاَ تَفْعَلْ. فَقَالَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا آلَيْتُ أَنْ لاَ أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ خَدَمْتُهُ ). فأحرى بنا أن نكون أوفياء مكرمين لمن له فضل علينا، أو على والدينا، ولا ننسى ودهم وفضلهم، ليبقى هذا الخلق الرفيع فينا، ونكون جديرين بحياة الخلافة الحميدة . والإسلام علمني : أن أوقر الكبار، وأحترم العلماء وأهل الفضل، وأقدمهم على غيرهم، وأرفع مجالسهم، وأظهر مرتبتهم، يقول الله تعالى : ” هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ” [الزمر: 9]، وفي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله تعالى عنها – أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ ). والإسلام علمني : أن أصحاب أهل الخير، وأزورهم، وأجالسهم، وأحبهم، وأطلب الدعاء منهم، وأزور المواضع الفاضلة ، وفي صحيح مسلم ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَزُورُ قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا ). والصداقة أمرها خطير، فإن المرء يقارن بصديقه، فإن لم تعرف حاله عرف به، وفي الصحيحين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ». فالمرء إن كان رفقاؤه سيئين أشرارًا فهو سيء شرير، وإن كانوا طيبين خيرين فهو طيب خير، فلينظر الإنسان من يختار لصحبته، فإنه مثلهم، ومصيره مصيرهم، في الجنة أو في النار ، والمؤمن يختار الصحبة الطيبة، ويحرص على أن يكون صديقه مؤمنًا تقيًا، وقد روى الترمذي بإسناد حسنٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ ».
والإسلام علمني : أن الحب الأنفع هو ما يكون لله، فلا أحب المرء إلا لله، فإذا كنت كذلك وداومت عليه كنت أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وقد روى مسلم في صحيحه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي ». وفي سنن الترمذي (قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ » ، والإسلام علمني : أن لا أؤذي الصالحين والضعفة والمساكين، فهؤلاء هم أكثر من يتعرض للظلم والإهمال والنسيان في المجتمع، وإن إيذاءهم جريمة كبيرة لا يعرف جرمها إلا مؤمن خائف، يقول الله سبحانه وتعالى : ” وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ” [الأحزاب: 58] . وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري : «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» . بل يكون المرء بالمقابل إيجابيًا، يحاول أن يمد لهم يد العون، ويتابع أحوالهم، فيتقرب إلى الله بهذه الأعمال الحسنة . والإسلام علمني : أن أحافظ على أمن المجتمع ووحدة الكلمة بين المسلمين، وعدم إثارة الفتن والخلافات بينهم، فإن في الاتحاد قوة، وفي الخلاف والتراجع الضعف والفشل، وأن أجري أحكام الناس على ظاهرها، وأكل سرائرهم إلى الله تعالى . وما أجمل كلام عمر رضى الله عنه في ذلك ، فقد روى البخاري : (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – يَقُولُ إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْىِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، وَإِنَّ الْوَحْىَ قَدِ انْقَطَعَ ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ ). وعلمني الإسلام : أن أخاف من الله رب العالمين، فإنه سبحانه يقول : ” وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ” [البقرة: 40] ويقول سبحانه وتعالى : ” وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ” [آل عمران: 28] . وأن أخاف العقوبة التي أعدها لمن خالف أوامره وآثر طريق الشيطان على نهج الرحمن ، فغن عذابه شديد فظيع لا يتصور، والحساب دقيق، فلن يدخل أحد الجنة أو النار حتى يسأل، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ » [رواه الترمذي وهو صحيح] . فالأصل هو الخوف والوجل من الله حتى تصلح أعماله في الدنيا، وإن من خاف الله في الدنيا أمنه في الآخرة، ومن أمنه في الدنيا خافه في الآخرة، فكن حذرًا لتأمن، والله يقيك سوء العذاب .
والإسلام علمني : أن أرجو رحمة ربي وغفرانه مهما كثرت ذنوبي، فإن رحمته وسعت كل شيء، وهو أرحم الراحمين، وألا أقنط أبدًا من هذا ولا أيأس، فهو سبحانه يقول : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” [الزمر: 53] إنه سبحانه سبقت رحمته غضبه، هو أرحم بعباده من المرأة بوليدها، إنه يريد من عباده أن يعزموا ويقوموا بأقل الأعمال وأسهلها لغفر لهم، لا حجاب بين عبوديتهم وعظمته، وروى مسلم :(عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». فالله هو اللطيف الرحيم، فإذا تقرب منه العبد قليلًا – وهو عبد – تقرب إليه الرب أكثر – وهو رب – وهو يفرح بتوبته لأنه رحيم يريد أن يتوب ويغفر ، يدعوه إلى الجنة بأعمال صالحة، ويمهد له طريقها ليسلكها بأمانٍ مع عزيمة وصبر، فكن مع الله يكن معك، وكن جامعًا بين فضيلتي الخوف والرجاء، ترجو رحمته، وتخشى عقابه، وأحسن به الظن عند الموت، فهو الذي يتولاك برحمته .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الإسلام علمني )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والإسلام علمني : أن أكون خاشعًا لله، متذللًا لعظمته وجبروته وكبريائه، باكيًا من خوفه، متشوقًا إلى لقائه، فإن ما عنده سبحانه من عظمةٍ وترهيب لا نعرفه، ولو عرفناه لضحكنا قليلًا ولبكينا كثيرًا، وقد أمرنا جل جلاله أن نتدبر الأمر بجد وعمق، وألا نجعله يخترف آذاننا دون مسمع منا : ” أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ، وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ “النجم: 59 – 60 ، والبكاء من خشية الله له أجر كبير، فيحول بين المرء وبين النار، وله فائدة تعود على المرء نفسه، فيلين إن قطرة الدمع التي تذرفها من خشية الله، لا تقل قيمة عن الدم الذي يسيل من جسدك في سبيل الله، وقد روى الترمذي وحسنه، قوله صلى الله عليه وسلم : « لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ » ، والإسلام علمني : أن أزهد في الحياة وأتقلل من الدنيا، فإنها إلى زوال ، قال تعالى : ” وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ” [القصص: 60] ويقول سبحانه وتعالى : ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ” [الكهف: 46] ،ويقول سبحانه وتعالى : ” هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ” [العنكبوت: 64] ، والمرء في هذه الدنيا في امتحان، كلما ازداد منها حوسب أكثر، وإذا تقلل منها قل الحساب ، والخوف على المشغول فيها والمغرور بها وارد . وروى البخاري :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِمَنْكِبِي فَقَالَ « كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ .
والإسلام علمني : أن أكون قانعًا، عفيفًا، مقتصدًا في المعيشة والإنفاق، لا أسأل من غير ضرورة، وفي الصحيحين (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ » . وإن القناعة والعفاف تدلان على نفسٍ طيبةٍ كريمة، وعدمهما يدل على طمعٍ وجشع… والقانع العفيف من الصنف الذي يحب العمل والإنتاج، والمشاركة في أعمال الخير، ويتوكل على الله، فيبارك له فيه، فتطيب نفسه، ويتفاءل ويهنأ، بعكس السائل الذي لا ينتهي طعمه إلى حد، فيكون جزعًا، منقبضًا، بخيلًا، ترى الفقر بين عينيه . والسؤال صفة ذميمة لا يلجأ إليها سوى ضعاف النفوس، إلا عند الحاجة والضرورة القصوى، وما عدا ذلك فهو سحت، أي حرام، وروى البخاري (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ » ، والإسلام علمني : الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير، ولو كان شيئًا قليلًا، وما أنفقته ابتغاء وجه الله يعوضني خيرًا منه، إن في الدنيا أو في الآخرة، فالفائدة تعود علي قال الله تعالى : ” وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ” [البقرة: 272] ، وهو تأس برسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي وصفه أحد صحابته كما في الصحيحين أن (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لاَ. والإسلام علمني : أن أذكر الموت وأقصر من الأمل، فالموت يذكرني باليوم الآخر وما فيه من حساب، ويبعدني من الالتهاء بالدنيا والغرور بنعيمها، ويقربني من العبادة وطلب العفو من الله، ويحد من طغيان النفس وظلم الإنسان . يقول الحق سبحانه : ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ” [آل عمران: 185] . ومن السبل التي تذكرني بالموت زيارة القبور، فلا دور هناك ولا أسواق، ولا أشجار ولا أنهار، إنما هي بقايا أعظم وأشعار، وشواهد أحجارٍ وآثار، تذكر بأسماء كانت لها حياة على الأرض فصارت تحت التراب، وكأنها تقول لي : سيأتي دورك، وستنتهي أنفاسك أيها الإنسان .
الدعاء