خطبة عن حديث (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ
يونيو 23, 2018خطبة عن حديث (أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟)
يونيو 23, 2018الخطبة الأولى ( يعلمني الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة 3، وقال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (9) الصف، وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ وَقَالَ « أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي ».
إخوة الإسلام
إن الإسلام مدرسة تربوية وأخلاقية ، يتعلم فيها المسلم أسس الأخلاق ، ومبادئها القويمة , فهو دين قد جاء ليعلي من شأن الأخلاق , ويهدي لأحسنها ، فماذا علمني الإسلام ؟ الإسلام علمني : أن أصلي لربي وأعبده كما أمرني، فإنه سبحانه لم يخلقني عبثًا، ولم يخلقني لآكل وأشرب وأنام فقط، فهذه حياة الحيوانات، ولا يريد مني أن أطعمه وأسقيه، لقد خلقني لأمرٍ جلل، وهو طاعته وعبادته، ولم يتركني عبثًا أتيه في الحياة بين الأفكار والنظريات، بل بعث رسلًا، وأنزل وحيًا، وبين لي كيف أعيش، وكيف أعبده، وكيف أتعامل، وسخر لي ما في السماوات وما في الأرض . وأول وأهم أمرٍ في العبادة هو الصلاة، ويسبقها الوضوء، فأتطهر بالماء وأغسل الأعضاء المطلوبة كما بينها المصطفى صلى الله عليه وسلم، استعدادًا لهذا الأمر العظيم . وفي الوضوء حط للخطايا ومغفرة الذنوب، ففي صحيح مسلم : عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ». والاسلام علمني : إذا سمعت الأذان للصلاة قلت كما يقول المؤذن، وسألت الله في آخره أن يؤتي نبينا الوسيلة والفضيلة، كما في الدعاء المعروف، ودعوت الله بين الأذان والإقامة، فإن الدعاء لا يرد بينهما . والصلاة مع أنها عبادة لله سبحانه وتعالى، إلا أن لها فائدتها الروحية والاجتماعية ، التي تعود بالنفع على المسلم ومجتمعه، فهي تنهي عن الفحشاء والمنكر ،كما ورد في القرآن الكريم، قال الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت 45، فالمؤمن المطيع لربه، الحريص على عبادته، المخلص له فيها، لا يفعل الأمور القبيحة، ويبتعد عن المعاصي والمنكرات، وعن الظلم والفساد . إضافةً إلى أن صلاة الجماعة فيها اجتماع بين الجيران وأهل الحي، وتنظيم لوقت المسلم، وتكفير لخطاياه ،ففي صحيح مسلم أيضًا : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الصَّلاَةُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ». وحتى الخطوات التي يخطوها المسلم أثناء ذهابه إلى المسجد له فيها أجر، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً ».[رواه مسلم] . ويشهد لمرتادي المساجد بانتظامٍ بالإيمان . وفي الحديث المتفق عليه عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ». وهي أصعب ما تكون على المنافقين، الذين يتظاهرون بالإسلام، وخاصة صلاة الفجر والعشاء . وفي حديث جليلٍ فيه تشجيع للمسلم وتذكير له بفضل صلاة الجماعة، أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ».[رواه مسلم] . وقد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المكتوبات ، ونهينا نهيًا أكيدًا في تركهن ،ففي حديث صحيح رواه مسلم :أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ » ، وفي حديث صحيح رواه الترمذي وغيره : «أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ….» . وفي الصف الأول من الجماعة فضل كبير، مع إتمام الصفوف الأولى، وتسويتها والتراص فيها .وللصلاة سنن رواتب، يؤدي بعضها قبل الصلاة، وبعضها بعدها، الأفضل أن تصلي في البيت، حيث ورد في الحديث المتفق عليه : عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا ». وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة الوتر، فهي سنة مؤكدة .وكذلك صلاة الضحى . وفي الصلاة يحرم رفع المأمور رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام، وكذا الركوع والسجود قبله .ولا يضع المصلي يده على خاصرته .وتكره الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه، وكذا وهو متضايق من البول والغائط .ولا يرفع بصره إلى السماء في الصلاة . ولا يتلفت فيها بغير عذر، فإنه «اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» كما رواه البخاري .ولا يصلي باتجاه قبر .ويحرم المرور بين يدي المصلي .
الإسلام علمني : أن يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، ففي حديث رواه مسلم أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ». وفيه صلاة الجمعة التي أغتسل قبلها وأتطيب لها وأحضرها مبكراً في المسجد الجامع مع إخواني، وأستمع إلى الخطبة وأنصت إذا تكلم الإمام، وفيها ساعة الاستجابة، التي « فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّى يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ » متفق عليه . ويستحب فيها ذكر الله سبحانه وتعالى ، والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . وقد حبب إلي الإسلام قيام الليل، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أهله بقوله تعالى : ” كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ” [الذاريات: 17] ، وفيه تتفتح نفس المؤمن على عبادة ربه والتذلل له، والتضرع إليه والخشوع له، وذرف الدموع بين يديه، وتطويل السجود والركوع له سبحانه، والاستغفار من الذنوب، والاعتراف بالتقصير، وطلب الرحمة، والتجاوز عما كان، والعهد على الطاعة.. وإنها لعادة جميلة، وعبادة جليلة، أن يتعلم المسلم ذلك، ويعزم على نفسه القيام به، فهو من خلق أهل الله الأكارم، وعباد الله الصالحين، حيث ورد في الحديث الصحيح، الذي رواه أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم :«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ ». كما حثني الإسلام على النظافة، وأدبني بآداب الفطرة، كالختان، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وإعفاء اللحية، وقص الشارب، وغيرها . والسواك من الفطرة، وهو « مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ » كما رواه البخاري ويستعمل عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند تغير رائحة الفم، ندباً لا وجوباً .إنه النظافة التي يحرص عليها الإسلام، والشخصية المتكاملة التي يحافظ عليها المسلم، في كل شئونه .
والإسلام أمرني : بأن أؤدي الزكاة، فقال جل شأنه :” وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ” البقرة: 43، وهو مال أو زرع أو عرض أو نعم، إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، أو جاء يوم حصاده ، أخرج منها جزء قليل وأعطي للفقراء، وهو ركن عظيم من أركان الإسلام، يقاتل مانعوه، ويهدف إلى التوازن الاقتصادي ومساعدة الفقراء والتكافل الاجتماعي، فمن أبى كان له عذاب شديد في الآخرة ،وفي حديث نبوي كريم رواه الشيخان، ورد قوله صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». وعلى المسلم أن يؤديها من طيب ماله وطيبة بها نفسه فهو أمر الخالق الكريم واهب الولد والمال وكل ذلك امتحان . وأوجب علي الإسلام صيام شهر رمضان، فقال سبحانه : ” فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ” [البقرة: 185] . وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجر الصائم كبير جداً، على أن يحافظ على صيامه من السب والفسق وما إليه .وهناك باب في الجنة خاص بالصائمين يدعى باب الريان، لا يدخل منه أحد منه غيرهم .وصيام رمضان إيماناً واحتساباً يعني غفران ما تقدم من الذنوب . وفرحة الصائم تكون أكبر ما تكون عند لقاء ربه، حيث الثواب الجزيل والأجر الكبير . ويتأكد في هذا الشهر الكريم الجود، وفعل المعروف، والإكثار من الخير، والزيادة منه في العشر الأواخر . وفي السحور بركة، كما في الحديث الصحيح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً » متفق عليه. ولا يؤخر الإفطار، بل الفضل في تعجيله إذا تأكد دخول الوقت .وإن وجد تمراً أفطر عليه، وإلا فعلى ماء، فإنه طهور . والمناسب في حق الصائم هو التقوى والخشوع، ولا يناسبه قط رفع الصوت والكلام الفاحش والكذب، فهذا مرفوض شرعاً، فكيف بمن يصوم ويفعل هذا ؟ وفي شهر رمضان يكون ثواب العمرة كحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسم، كما دل عليه حديث رواه الشيخان رحمهما الله . وهناك مناسبات أخرى يسن للمسلم أن يصوم فيها، منها ستة أيام من شوال، ويوم عرفة، وعاشوراء، ويوما الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر . وقد ورد في الحديث الصحيح أن إتباع رمضان بصيام ست من شوال، يكون كصيام الدهر .وأن صيام يوم عرفة « يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ » كما في صحيح مسلم .وفيه أيضاً أن صيام يوم عاشوراء « يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ » . وفي حديث حسن صحيح رواه الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا » . وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ ».[رواه أبو داود بإسناد صحيح] . وشهر رمضان شهر العبادة والقرآن، شهر تصفو فيه نفس المؤمن، حيث تقيد الشياطين، فيحد من إغوائها وسيطرتها، فيقبل المرء على عبادة ربه، ويصل إخوانه وأقاربه، في مناسبات الإفطار والقيام، ويحافظ على شعائر الإسلام بين أهله وأولاده، ويعلمهم القرآن، ويحبب إليهم الصيام، ويذكرهم بعهد الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم .
والإسلام أمرني بالحج إن كنت قادراً عليه، من نفقة، وصحة تمكنني من أداء مناسكه، قال سبحانه وتعالى : ” وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ” [آل عمران: 97] . ومرتبة الحج المبرور كبيرة في الإسلام، والمبرور هو الذي لا يرتكب صاحبه فيه معصية، من الكلام اللغو والجدال والفواحش والمعاصي، وثوابه أن يرجع الحاج طاهراً بلا ذنوب، كيوم ولدته أمه ،وفيه يوم عرفة، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ».[رواه مسلم] . والشوق إلى حج بيت الله لا يعرفه إلا من كابده، ولا يتصوره إلا من كمل إيمانه وحن إليه وذرف الدموع الغزيرة لييسر الله له ذلك، ربما أشهر وسنوات، وإذا كان فقيراً جمع الدرهم إلى الدرهم عقوداً من الزمن حتى يتسنى له أداؤه، أو يساعده أحد أولاده الأبرار، أو من ذويه الأوفياء، وقد يبقى كذلك ويموت وهو لم يقدر على الحج، وما أكثرهم ،وفي بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة تلتقي الجموع الإسلامية من كل صوب في دنيا الله، ومن كل جنس وكل قوم، بأشكالهم المختلفة، ولغاتهم المتعددة، وعاداتهم المتباينة، لكن الذي يجمعهم هو عقيدة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وحب مكة والمدينة، أقدس مدينتين عند المسلمين. وكلهم إخوة، وكلهم يحبون بعضهم البعض، ويجتمعون في مكة ليؤدوا مشاعر الحب لله ودينه، ويعاهدوا الله على الطاعة، وعلى نبذ الشيطان وأهله . فالحج مؤتمر كبير، وجامعة عالمية، لا دنيا فيها ولا رياء، هو السلام والمحبة، والألفة والمودة، والإحسان والإكرام، والطاعة والإسلام . ويبقى الشوق إلى مكة… بل ويزداد لمن حج مرة وأكثر…. ولا ينقطع الشوق إلا بانقطاع الحياة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الإسلام علمني )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والإسلام أمرني بالجهاد عند وجوبه، ولو كان ذلك شاقاً على النفس التي تحب الراحة وتؤثر السلامة، فإنه لابد منه لمواجهة الأعداء، ولم يكتب للإسلام النصر إلا بعد الحرب . قال الله تعالى : ” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ” [البقرة: 216] . وللجهاد والمجاهدين فضل كبير لا يوصف، فإن العمل الشاق يترتب عليه أجر على قدره .كما أنه يتسنم مرتبة عليا بين أولويات الدين، فقد ورد في حديث صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « حَجٌّ مَبْرُورٌ » متفق عليه، والأمور التي تتعلق بالجهاد تأخذ مجراها من الأجر العظيم، فالحراسة والبقاء في ثغور الإسلام في مجابهة العدو ورد فيه أكثر من حديث، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : « رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا » ، وفي حديث عند مسلم : «خيرٌ من صيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ» ، ومنزلة الشهيد في الجنة كبيرة عالية، لا يفضلها سوى درجات الأنبياء والصديقين، ولهذا ود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو فيقتل، ثم يغزو فيقتل، ثم يغزو فيقتل، كما ذكره مسلم .وروى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ » .وقد وصف الله تعالى الشهداء بقوله تعالى : ” أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ” [آل عمران: 169-170] . والإنفاق على الجهاد ومساعدة المجاهدين وذويهم بمثابة الجهاد نفسه، ففي الحديث المتفق عليه : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا » .
وفي حديث رواه الترمذي وحسنه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ». وقد يقاس على ذلك صنع الأسلحة إذا ابتغى بها الجهاد ضد العدو للفتك بهم، وكلما كانت النكاية أكبر كان الأجر أكبر . وكذلك التخطيط للحرب، مما يسمى بالإستراتيجية العسكرية وخططها الحربية، فـ « الْحَرْبُ خُدْعَةٌ » كما في الحديث المتفق عليه .وكذا الإعلام العسكري، لتقوية معنويات المجاهدين، وإثباط عزائم الأعداء، والتصدي للإشاعات، وإثارة الرأي العام لصالح الجهاد وأهله .يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بإسناد صحيح : عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ ». وروى احمد ( عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ إِذَا لَقِىَ الْعَدُوَّ « اللَّهُمَّ بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ » ، وليتنبه المجاهد إلى الدين الذي عليه، فإنه يغفر له كل ذنب اقترفه ما عدا الدين، لأنه يتعلق به حقوق العباد . وعلى أن يكون قد استشهد وهو مقبل على مصارعة الأعداء، لا منهزماً منهم، ويكون ذلك بصبر وثبات، واحتساب أجر وثواب، من عند الله العزيز الرحيم . ولينظر من أجل ماذا يُقاتل، فإن النية هي التي تحدد المصير، وفي الإسلام يطلق الشهيد على : « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ، فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » رواه البخاري ومسلم . ومن رحمة الله سبحانه بعباده أن أعطى مثل ثواب الجهاد لمن تمناه بصدق، وبلغه منزلة المجاهدين وإن مات في غير ساحة حرب ! حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم : « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ » . وقد يكون عدم مشاركتهم في الجهاد لأسباب وأسباب، كمرض وإعاقة وفقر واحتباس ونحوه، ولكنهم يدعون الله لإخوانهم المجاهدين في كل مكان، أن يقويهم ويسددهم ويوحدهم وينصرهم على أعدائهم أعداء الدين . وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ » .أما ترك الجهاد، أو عدم التفكر به وتمنيه، فهو صفة من صفات المنافقين، ففي حديث رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ » . وأخيراً، فإن الجهاد متعلق بعزة الأمة، ولا قيمة ولا هيبة لأمة تتمتع بقوة عسكرية رادعة، ولهذا ورد في القرآن الكريم قوله تعالى : ” وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ” [الأنفال: 60] ولنعلم جميعا أن الذل والهوان هو مصير من ترك الجهاد .
الدعاء