خطبة عن لا تقلق ولا تخف (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا)
فبراير 8, 2020خطبة عن (إياك والكسل)
فبراير 12, 2020الخطبة الأولى ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (101) آل عمران
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (101) آل عمران ، فقد جاء في تفسير السعدي : ذكر الله تعالى السبب الأعظم ،والموجب الأكبر ،لثبات المؤمنين على إيمانهم، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم، وأن ذلك من أبعد الأشياء، فقال الله تعالى : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ، أي: الرسول بين أظهركم ،يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت، وهي الآيات البينات ،التي توجب القطع بموجبها ،والجزم بمقتضاها ،وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق ،وأعلمهم ،وأفصحهم ،وأنصحهم ،وأرأفهم بالمؤمنين، الحريص على هداية الخلق ،وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه، فصلوات الله وسلامه عليه، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين، فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ،ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا، ثم أخبر أن من اعتصم به ،فتوكل عليه ،وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر، واستعان به على كل خير { فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} موصل له إلى غاية المرغوب، لأنه جمع بين اتباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله ، وبين الاعتصام بالله. ، وفي الوسيط لطنطاوي ، قال : ومن يلتجئ إلى الله في كل أحواله ،ويتوكل عليه حق التوكل، ويتمسك بدينه، فقد هدى إلى الطريق الذي لا عوج فيه ولا انحراف. ، وفي هذا إشارة إلى أن التمسك بدين الله وبكتابه كفيل بأن يبعد المسلمين الذين لم يشاهدوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما يبيته لهم أعداؤهم من مكر وخداع. ، ويقول الامام الطبري: ومن يتعلق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته ” فَقَدْ هُدِيَ “، فقد وُفِّق لطريق واضح، ومحجةٍ مستقيمة غير معوجَّة، فيستقيم به إلى رضى الله، وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته، ويقول ابن كثير : فالاعتصام باللّه والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد وحصول المراد ، وهكذا يتبين لنا أن المعنى : إنَّ مَن يتعلَّق بأسباب الله مُتمسِّكًا بدِينِه مُتوكِّلًا عليه، فقد وُفِّق لطريقٍ واضحٍ غير مُعوجٍّ، فيستقيمُ به حتى يُوصِلَه إلى رِضوان الله، وإلى النَّجاة من عذابِه والفوزِ بجنَّته سبحانه ، وعن الزهري قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي وتكيده السموات والأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجًا، وما من عبد يعتصم بمخلوق من دوني إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأسخت الأرض من تحت قدميه.
أيها المسلمون
الاعتصام بالله سبحانه مبدأ إسلامي عظيم، متأصل في قلب كل مسلم، ونفس كل مؤمن، إذ هو مطلوب منه تدينا وتخلقا، وطاعة له وتعبدا، وهو زاد المسلم وعدته القوية، وركيزته المتينة، وحصانته المنيعة، عليه تنبني حياته وتسير، وبه يعتدي ويستنير، ويسعد ويستقيم، وبه يتغلب على تذليل الصعاب ،ويتوفق في أموره وأعماله إلى الحق والصواب. ومن ثم، فإن الاعتصام بالله والتوكل عليه لا غنى عنه للمسلم، ولا مندوحة عنه للمؤمن، به يستعين في جميع شؤونه وأحواله، وبه يتقوى علما هو واجب عليه من حقوق الله وحقوق العباد، وبه يستعد لجهاد والتضحية في سبيل رب العالمين، وإعلاء كلمة الحق والدين، وخوض غمار الحياة ،ونصرة قضايا الإسلام والمسلمين، وإعزاز أوطانهم وشعوبهم المسلمة، والوقوف إلى جانبهم في الشدة والرخاء، والبأساء والضراء، فيكون بذلك من الصادقين المفلحين. ، فبفضل الاعتصام بالله سبحانه يتحلى المسلم بقوة الإيمان والصبر والثبات واليقين، والسير في الحياة على النهج المرضي القويم، ويستطيع مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، ومقوماتها، والأخذ بزمامها، والإمساك بعنانها ،حتى لا تجمع أو ترمي به أحيانا في أحضان مفاتن الدنيا، ومباهج زينتها، أو الوقوع تحت تأثير عواصفها العاتية ،أو رياحها القوية الهوجاء، التي ترمي بالإنسان في مكان سحيق ، وإن أسوأ ما يمكن أن يحدث للإنسان : هو الضّلال عن طريق الحقّ ،وطريق الخير ،وطريق الرّشد، وأنّ أشدّ ما يؤلم الإنسان : هو اكتشافه بعد أمة أنّه كان ساربًا في مسالك الضّلالة ، حاسبًا نفسه من المهتدين، ومن هنا تظهر أهمية هذه القاعدة الإيمانية: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} آل عمران:101، والمعنى : مَن يتمسّك بالدّين فلا يخشى عليه الضّلال، فالاعتصام هنا استعارة للتمسّك. وفي هذا إشارة إلى التمسّك بكتاب الله ،ودينه لسائر المسلمين ،الّذين لم يشهدوا حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فالاعتصام بالله هو أن نتّبِع ما تُلِيَ علينا من الآيات، وما سَنّه لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذن فباب الاعتصام هو كتاب الله وسنّة رسوله، فالإيمان بالله، هو المعتصم، ولا معتصم غيره، إذا استمسك به الإنسان فقد ضمن النّجاة والفلاح.. يقول الأستاذ عبد الكريم الخطيب: في الآية (توجيه إلى الطّريق الّذي ينبغي أن يستقيم عليه العاقل، ويلتزمه، وهو الإيمان بالله، والاعتصام به من وسوسة الضّالين، وكيد المبطلين، فذلك هو الّذي يعصم المؤمن من الزّلَل، ويحميه من الضّلال، وفي هذا نجاته وسلامته]. إنّ كثيرًا من النّاس يهرولون في سبل الضّلال ،ويجرون في طرق الغواية ،متّخذين صراط الله المستقيم ظِهريًّا، ويحسبون أنّهم على شيء. والحقّ أنّ هؤلاء إن وجدوا راحة ،فهي راحة غرور وغفلة، وإن وجدوا اطمئنانًا ،فهو اطمئنان غرور وغفلة، إذ لا راحة بحقّ ،ولا اطمئنان بحقّ ،ولا هداية بحقّ ،إلاّ في دين الله، وصراطه المستقيم. يقول الله عزّ وجلّ: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} الكهف (103) :(105).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} آل عمران:101، فحين تجتمع عليك الدنيا من كل صوب، وحين تصبح مرتعدا وخائفا ليس من شيء ،بل من نفسك ! ، تذكر أن تعتصم بالله . وحين تحتار في الطريق، وتكثر حولك الفتن، وتخاف من الغد، ويرهقك التفكير ،وتحمل هم الآخرة قبل الدنيا، تذكر أن تعتصم بالله ،تتمسك بكتابه وسنة نبيه، فتأوي إليه ،وتحتمي برحابه ومن يأوي إلى الله آواه الله ، وقد آوى إلى ركنٍ شديد. وحين يجتمع عليك أعداؤك ، وتضطهد لأنك أظهرت الحق، وتُرمى بالباطل لأنهم يريدون التخلص من صوتك، فاعتصم بالله، واعلم أنه كافيك . وحين تتزين لك الدنيا بمفاتنها، وتتيسر لك المعصية بمغرياتها ،وتناديك هيت لك، فاعتصم بالله وقل “معاذ الله”، وتذكر أنه من يعتصم بالله ، فقد هدي إلى صراط مستقيم . فالاعتصام بالله قاعدة إيمانية ،وسبب من أسباب الهداية والنجاة! ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين :(وأما الاعتصام به : فهو التوكل عليه ،والامتناع به ،والاحتماء به ،وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه ويعصمه ويدفع عنه، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب ، ويحميه منه ،فيدفع عنه الشبهات ،والشهوات ،وكيد عدوه الظاهر والباطن ،وشر نفسه ،ويدفع عنه موجب أسباب الشر بعد انعقادها ،بحسب قوة الاعتصام به ).فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة، والاعتصام به يعصم من الهلكة، فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطريق، والسلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول الأمرين له، فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل، والاعتصام بالله، يوجب له القوة والعدة والسلاح، والمادة التي يستلئم بها في طريقه،
الدعاء