خطبة عن حديث (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)
يونيو 6, 2020خطبة عن (عودة فتح المساجد أمام المصلين
يونيو 7, 2020الخطبة الأولى (الإعجاز في خلق النحل )(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (68) ،(69) النحل
إخوة الإسلام
سبحان الذي خلق فأبدع، وأدهشت قدرته العقول، وحيرت الأفهام ، فلم يخلق الله جل جلاله مخلوقاً صغيراً كان أم كبيراً ، إلّا وهداه لسبل عيشه، وزرع في فطرته ما يمكنه من التعايش ،والقيام بأعماله اليومية ، دون تعليم ، أو تدريب، ومن هذه المخلوقات التي تدل على قدرة الله وعظمته ،وبديع خلقه: النحل ، فالنحل يتبع نظاماً تعايشياً مدهشاً ، ومنظماً ، وبصورة تذهل العقول ،فنرى النجل ينقسم في الخلية الواحدة إلى فرق، منها من يلازم الملك دون مفارقته، ومنها من يجهز الشمع ويصنعه، ومنها من يبني البيوت، ومنها من يسقي الماء ، ويحمله على متونه، ومنها من يكنس الخلايا ، ويتخلص من الأوساخ والزبل والجيف، ومن العجيب أنه إذا رأى النحل نحلة دون عمل فإنها تقطعها وتقتلها ، لكي لا تعدي بقية النحل ببطالتها، وتفسد باقي النحل العاملات. وأول شيء يُهتم به ويبنى في خلية النحل هو مقعد وبيت الملكة، حيث يبنى بيت مربع شبيه بالسرير لتجلس عليه، ويحيط بها طائفة من النحل مثل الأمراء والخدم دون أن يفارقوها، ويضع للملكة ما يشبه الحوض المليء بأصفى أنواع العسل ليكون طعاماً لها ولخدمها، ثم تبنى بعد ذلك باقي البيوت في الخلية على شكل خطوط متساوية شبيهة بالسكك بأشكال سداسية متساوية الأضلاع، والسر في بنائها البيوت على شكل سداسي هو أن الأشكال السداسية إن وضعتها بجانب بعضها يصبح لديك شكلاً مستديراً دون خلل أو فراغات، وهو المطلوب لبيوت النحل كي لا تدخل بين الفراغات رؤوس الإبر. والنحل أكفأ الحشرات في جمع، ونقل، وتخزين أكبر قدر من رحيق الأزهار في أقصر وقت، وبأقل مجهود، وهي أكفأ الحشرات على تلقيح النباتات لتساعدها على إنتاج البذور والثمار، وتخرج النحل إلى مكان واحد محدد مسبقاً لتجني رحيق أزهار نوع واحد محدد مسبقاً، والذي يلفت النظر أن أمراض النحل كلها لا تنتقل إلى الإنسان عن طريق العسل، ويتمتع النحل بقدرة يصعب تفسيرها على الإحساس بالزمن ،فيعرف متى تفرز أزهار كل نوع من النبات رحيقها ؟ ومتى تنثر حبوب لقاحها ؟ ثم يداوم على زيارة كل منها في الموعد المناسب فقط، وجني الرحيق الذي يكفي لصنع كيلو واحد من العسل يحتاج إلى طيران أربعمئة ألف كيلو متر، أي ما يعادل عشرة أضعاف محيط الأرض، وقيمة العسل العلاجية أضعاف قيمته الغذائية، ففوائده العلاجية في مختلف أجهزة الجسم وأعضائه ونسجه ثابتة، بل تفوق الحد المعقول، ومن دلائل القدرة أن هناك لغة مشتركة بين النحل والنبات، فيصدر الأخير صوت معين، ليعرف انه جاهز للتلقيح عبر النحل عن طريق المجال الكهربي، فهناك شحنة موجبة على النحلة، وسالبة على النبات، ثم تطير حبوب اللقاح تطير لتلتصق بالنحلة ثم تدخل الزهرة لتلقح المبيض. كما يقوم النحل بطبع علامة على الزهرة التي قام بزيارتها ، حتى لا تضيع نحلة أخرى مجهودها فيها. ومن دلائل القدرة أن مخ النحلة وزن حبة السمسم بذاكرة تماثل خُمس ذاكرة الإنسان، وجينات النحلة تماثل جينات الإنسان بنسبة ٩٥%، مع سرعة تفكير تصل إلى واحد ترليون في الثانية. والنحلة قادرة على قياس العديد من المؤشرات البيئية بواسطة عضو بجوار قرن الاستشعار، كما أنها قادرة على حمل ثلاثة أضعاف بسرعة تقترب من ٢٦ كم / الساعة. وتستطيع النحلة وصف مكان الزهور، وبعده عن الشمس، وكذلك المسافة بين الخلية والحقل ثم توضح أنواع الزهر، وكذلك ذلك عن طريق الرقص والاهتزاز، حيث أن اتجاه الرقص، يوضح اتجاه الزهور، وكل اهتزاز يماثل 50 متر مسافة بين الحقل والخلية، وزمن الرقص يوضح الكمية، وكل ذلك بنسبة خطأ صفر في المائة.
أيها المسلمون
وتتجلَّى بلاغةُ القُرآن في كلمة {رَبُّكَ} بدلاً من كلمة “الله”؛ لأنَّ هذه المقام ليس مَقام الألوهيَّة ، ولكنَّ الوحي إلى النحل لخِدمة الإنسان هو مَقام الربوبيَّة، وأوَّل صفات الربوبيَّة خلق الإنسان، ثم يُسبِغ الرَّبُّ عليه نِعَمَه وآلاءَه، تَتْرَى في كلِّ لحظةٍ؛ لتكون سببًا في تربيته. وجعل الله النحل هنا أسلوبًا من أساليب التربية بأنْ وهَب لنا العسل كتربيةٍ ماديَّة لأجسامنا، ثم جعل طريقة استِخراج هذا العسل والتفكير في غَرائب مَعيشة النحل نموذجًا للتربية الأخلاقيَّة والروحيَّة، والتدبُّر في عظيم صُنعه. وفي قوله تعالى : ﴿ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ ، فقد ألهمَ الله – تعالى – النحل أنْ تتَّخذ بُيوتها من الجبال، ولم يُحدِّد الله جبلاً مُعيَّنًا؛ أي: في كلِّ جبال الأرض، ومن الشجر، ولم يُخصِّص الله – تعالى – لها شجرًا مُعيَّنًا، ولكن من كلِّ الشجر في العالَم.
﴿ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ ، فأمَرَها الله سبحانه وتعالى النحل أنْ تأكُل من كلِّ الثَّمرات في جميع بِقاع العالم، وهذه كلُّها معاني من القُرآن يُقوِّي بعضها بعضًا، وتؤكِّد أنَّ الله – سبحانه وتعالى – ألهمَ النحل أنْ يعيش في كلِّ شبرٍ من الأرض به جبل أو شجر حتى تكون هديَّة الله من هذا الغذاء الطيِّب في متناول يد الإنسان في كلِّ مكان ،وكيف يمكن للنحل أنْ يعيش في كلِّ مكان مع اختلاف البلاد في أجوائها؟ ذلك ممَّا جعَل كلَّ بلد تختصُّ بأنواع مُعيَّنة من الحيوانات والحشرات، وهذا أمرٌ من الله – تعالى – إلى النحل أنْ يكون الدابَّة الوحيدة التي تُشارِك الإنسان في معيشته من أقطار يُغطِّيها الثلوج بعض الشهور إلى أمصارٍ استوائيَّة لافحة الحرارة؛ ولذلك فقد هيَّأ الله – سبحانه وتعالى – لها السبيل إلى ذلك، فالله – سبحانه وتعالى – قد علَّم النحل كيف يرفَع درجة حَرارة مَسكَنه، بالتحرُّك الكثير بداخِله، كما أنَّه يستطيعُ خفْض درجةِ حَرارة بيته بتحريك أجنحته، وهكذا صار بيت النحل مُكيَّفًا مُناسبًا؛ ليتمَّ فيه تفريخ صِغار النحل على درجة حرارة 25 درجة مئويَّة تقريبًا في كلِّ بلاد العالم.
وفي قوله تعالى : ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ، فمن آيات الله البيِّنات في قُدرته أنْ أخرَجَ من بُطون النحل طَعامًا شهيًّا، ولأنَّ الله – تعالى – أمَر النحل أنْ تأكُل من كلِّ الأزهار، فكان طبيعيًّا أنْ يختلف العسل في ألوانه، فمنه الأحمرُ والأبيضُ والأصفرُ. وقد أوصى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأكْل العسل؛ ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْقِهِ عَسَلاً ». فَسَقَاهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلاً فَلَمْ يَزِدْهُ إِلاَّ اسْتِطْلاَقًا. فَقَالَ لَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ « اسْقِهِ عَسَلاً ». فَقَالَ لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلاَّ اسْتِطْلاَقًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ ». فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. ويبدو من هذا الحديث أنَّ الاستِشفاء بالعسَل يتطلَّب مُداوَمة تناوُله فترةً، وهذا ما ثبَت طبيًّا ، كما جاء في الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ) وقد روى البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ ، وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَىِّ » ،وذكَر ابن ماجه في “سننه” عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الإعجاز في خلق النحل )(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويتكوَّنُ عسل النحل من سُكريَّات وأملاحِ كثيرٍ من المعادن وبعض الأحماض العضويَّة والفيتامينات، كما يحتوى على بعض الخمائر التي تجعَلُه غذاءً مهضومًا سهْل الامتصاص ، كما أن العسل طعامٌ مُطهِّر؛ حيث إنَّ النحل لا يتَبرَّز في مسكنه. وعسل النحل له قدرةٌ عجيبةٌ على التعقيم، فهو مُضادٌّ للجرائم ويقتُلها؛ ولذلك استَعمَله قُدَماء المصريين في تحنيط أجسامهم، واستعمَلَه الإغريق والرومان لحِفظ اللحوم لمدَّد طويلة محتفظة بطَعْمِها الطبعي. وتحقيقًا لقول الله – تعالى -: ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 69]، فإنَّ فوائد العسل الطبيعي هي:– أن العسل علاجٌ للأمراض الجلديَّة، فهو يشفي الجُروح، والدَّمامل العميقة.– وأن العسل علاجٌ للجهاز التنفُّسي، وذلك باستِنشاق محلولٍ من العسل والماء بتركيز 10 في المائة. – وأن في العسل علاجٌ للزكام، وذلك باستِعمال العسَل مع اللبن الدافئ، أو مع عَصِير الليمون. – والعسل علاجٌ لأمراض الرِّئة، ولقد ثبَت علميًّا أنَّ تَعاطِي العسل له أكبرُ الأثر في سُرعة شِفاء الأمراض الصدريَّة كالسُّلِّ. – والعسل علاجٌ لأمراض القلب؛ فقد ثبت طبيًّا أنَّ استعمال العسل لمدَّة شهرين للمَرضى الذين يَشكُون من عِلَلٍ خطيرة في القلب يُحدِث تحسُّنًا مَلحوظًا في حالتهم، ويُرجِع حالة الدَّم إلى الحالة العاديَّة ، والعسل يمنَح عضلة القلب أحسَن الظروف لتغذيتها، ويجبُ أنْ يدخُل العسل في الطعام اليومي لمرضى القلب – والعسل علاجٌ لأمراض المعدة والأمعاء؛ لأنَّ العسل أحسن صَديقٍ للمعدة، فهو يُساعِد على الهضم، ويُقلِّل الحموضة لدى المرضى الذين يَشكُون من الحموضة العالية في المعدة، وقد أثبتت الأبحاث الطبيَّة أنَّ العسل مهمٌّ للأشخاص الذين يَشكُون من قُرَحِ المعدة والاثني عشر، وفي هذه الحالة يُؤخَذ العسل في كوب ماء دافئ قبل الأكل بساعتين. كما أثبتَتْ الأبحاث الحديثة أنَّ العسل له فوائد أخرى كثيرة؛ مثل: مُقاوَمة الشيخوخة، وتأخير ظُهورها، ومُساعَدة الأطفال على التسنين، وعِلاج الصِّداع العصبي، ومُقاوَمة شلل الأطفال، ومُساعدة الحوامل أثناءَ الحمل، وفي حالات فقْر الدم، كما يدخُل في مُركَّباتٍ طبيَّة عديدة. وقد اكتشف العلم الحديث أنَّ النحل يخرُج من بطونه سائلاً أبيض يُشبِه اللبن ويُسمَّى لبن النحل، وله خَواصُّ علاجيَّة عجيبةٌ؛ ولذلك سموه “إكسير الحياة”، وتُفرِزه غددٌ خاصَّة تُحوِّل الغذاء إلى هذا اللبن. وصدق الله العظيم حيث قال : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (69) النحل
الدعاء