خطبة عن (إِغَاثَةُ الْمَلْهُوف )
فبراير 1, 2023خطبة عن (الأنس بالله )
فبراير 2, 2023الخطبة الأولى ( الإقدام وعدم التردد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159) آل عمران ،وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ».
إخوة الإسلام
من فوائد العلم: أنه يدلُّك على العمل الصواب، وكيفية أدائه على الوجه الأفضل، وأول العمل العزم، فإذا عزمت فتوكل على الله، وإياك بعد التوكل أن تقيم وزنًا لمخالفة بشر، طالمًا كنت على صواب؛ فإذا ما تأكد لك الصواب فامضِ في عزمك، وإياك أن تنظر للخلق، وإذا ما راجعك الناس، ووجدت الحق معهم، فإياك والجمود على رأيك، والانتصار لنفسك، وليكن رضا الله هو المبتغى، قال الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]. يقول ابن جرير الطبري في تفسيرها: (إذا صح عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامضِ لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك، أو خالفها، وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاول أو تزاول على ربك، فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم، فإنَّ الله يحبُّ المتوكلين، وهم الراضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه ) ومن المعلوم أن التردد والتذبذب من صفات المنافقين، فقد قال الله تعالى في وصف المنافقين : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) (142) ،(143) النساء،
فكن أخي المسلم ذا عزيمة قوية، وإقدام غير احجام، فالتردد والإحجام والتخوف الزائد من الأمور الغير محمودة، بل هو يجعل الإنسان دائماً في مؤخرة الركب، فيجب على الإنسان العاقل أن يسعى بعزيمة قوية، وبخطى وثَّابة نحو الهدف، وطلب معالي الأمور، ففي صحيح الجامع للألباني: عن الحسين بن علي بن أبي طالب: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، و يَكرَهُ سَفْسافَها)، فالله تعالى يحبُّ الأمورَ عاليةَ الشأنِ، ورفيعةَ القدْرِ، التي ترفعَ قدْرَ صاحبِها، مِثلَ: عِزَّةِ الإيمانِ وقوَّتِه، والامتثالِ لله والرَّسولِ، “ويَكرَهُ سَفْسافَها”، أي: رَديئَها وحَقيرَها، والتوافهَ التي تُنبئُ عن الخِسَّةِ والدناءةِ، وعدمِ المروءةِ، مِثلَ: الإصرارِ على الذُّنوبِ، والغِيبَةِ والنميمةِ، وتدَخُّلِ المرءِ فيما لا يَعنِيه، فالإقدام المقصود هو السعي إلى الأعمال النافعة والخير المتعدي للناس عموماً، ويدخل في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقـوله تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].
والإقدام وعدم التردد لا يخص الأفراد فقط، بل يشمل المنظمات أيضاً، فالفرد معني بهذه الصفة على مستوى أعماله الفردية، والمنظمة معنية بالإقدام على مستوى المجموعة، فكل يقدم ويسارع في تحقيق أفضل المصالح له ولمجتمعه، ولا شك أن الإقدام وعدم التردد يحتاج إلى عدد من الخطوات المهمة، ومنها: أولا: الاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه، فهو سبحانه الميسر والمعين والقادر على كل شيء، قـال تعالى: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق (2) ،(3)، ثانيا: البذل والتضحية، فلكل مجتهد نصيب. ثالثا: الصبر على الصعاب والمشاق التي تعترض الإنسان في حياته. رابعا: التخطيط والدراسة الجيدة للعمل المراد الإقدام عليه؛ لأن العشوائية وعدم التنظيم يضيع بسببها الكثير من الأموال والأوقات والجهود. خامسا :الاستخارة، فهي مطلب شرعي حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّى وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي – قَالَ – وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ»، سادسا: استشارة أهل الحكمة والرأي السديد، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (7) الانبياء، وقال تعالى في وصف المؤمنين: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى (38)، ويقول الماوردي: “مِنْ حَقِّ الْعَاقِلِ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْيِهِ آرَاءَ الْعُقَلَاءِ، وَيَجْمَعَ إلَى عَقْلِهِ عُقُولَ الْحُكَمَاءِ، فَالرَّأْيُ الْفَذُّ رُبَّمَا زَلَّ وَالْعَقْلُ الْفَرْدُ رُبَّمَا ضَلَّ”
أيها المسلمون
إن عقيدة التوحيد، وتعاليم الإيمان والإسلام، لا ترتبط بالتردّد والشك والوسوسة، بل هي تدعو دائماً إلى الاقدام والمضي دون تردّد، والانطلاق والمسارعة في الاستجابة لله ولرسوله، ولاشك أنَّ هناك معوّقات كثيرة ومثبطات عديدة تحول دون الإسراع في التنفيذ، ونسيان تحديد الهدف والغاية، لذا جاء الأمر النبوي بوجوب النيّة عند البدء بكلِّ عبادة أو معاملة، ففي صحيح البخاري: (أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، والعزم في تنفيذ الأوامر والأعمال صفة رسل الله الكرام، حيث وصف ثلة من أنبيائه بأولي العزم، فقال تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف:35).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الإقدام وعدم التردد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن التردّد وعدم حسم الأمور ليس من شيم الرِّجال، وأصحاب الدَّعوات، وحملة الرّسالات، يقول الشيخ الغزالي: ( أنَّ الرّجولات الضخمة لا تعرف إلاَّ في ميدان الجرأة، وأنَّ المجد والنجاح والإنتاج تظل أحلاماً لذيذة في نفوس أصحابها، وما تتحوَّل حقائق حيَّة إلاَّ إذا نفخ فيها العاملون من روحهم، ووصلوها بما في الدنيا من حس وحركة. وكما أنَّ التردد خدش في الرجولة، فهو تهمة للإيمان، ومن هنا كان فعل الرّسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد مخافة أن تصطبغ شؤونه بطابع التردّد، أو التأرجح بين إرادات شتى، ففي صحيح البخاري: (وَشَاوَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ فَلَمَّا لَبِسَ لأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا أَقِمْ . فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَالَ « لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ»، وقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى الثبات وعدم التردد، والعزيمة الصادقة، ففي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً وَأَسْأَلُكَ لِسَاناً صَادِقاً وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ»، فإذا حصل الثبات أولاً، والعزيمة ثانياً، والتوكل ثالثاً، كان الفلاح والنجاح والتوفيق حليفك بإذن الله تعالى، فإذا هَمَمْت فبادر، وإذا عزمت فثَابِر، واعلم أنَّه لا يُدرِك المفاخر من رضي بالصف الآخر، قال الله تعالى: { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(159) آل عمران.
الدعاء