خطبة عن: تسبيح الكائنات :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )
أكتوبر 28, 2022خطبة عن أضرار الجدال ، وحديث ( مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ )
أكتوبر 29, 2022الخطبة الأولى ( مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ». ، وروى البخاري في صحيحه : (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا »، وفي رواية عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » ، وفي سنن الترمذي بسند حسنه : (عَنْ أُمَيَّةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) وَعَنْ قَوْلِهِ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) فَقَالَتْ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « هَذِهِ مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ حَتَّى الْبِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي كُمِّ قَمِيصِهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا حَتَّى إِنَّ الْعَبْدَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الأَحْمَرُ مِنَ الْكِيرِ »
إخوة الإسلام
لَمَّا نزلَتْ هذه الآيةُ الكريمة من كتاب الله : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]، بلغَتْ مِنَ المسلِمينَ مبلغًا شديدًا مِنَ الخوفِ مِن عَذابِ اللهِ؛ فقالَ لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “قَارِبُوا”، أي: اقْصِدُوا أقْربَ الأمورِ فيما تُعبِّدْتُم به ، ولا تَغْلُوا فيه ولا تُقَصِّرُوا؛ “وسَدِّدُوا”، أي: اقْصِدوا السَّدادَ في كلِّ أمْرٍ، ولا تَتعمَّقُوا فإنَّه لنْ يُشادَّ أحدُكُم هذا الدِّينَ إلَّا غلَبَه؛ ثم بشرهم صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن في كلِّ ما يُصابُ به المسلمُ كفَّارةٌ لِذُنوبِه؛ حتَّى “النَّكبةِ يُنْكَبُها”، وهو ما يُصيبُ الإنسانَ مِنَ الحوادثِ؛ “أوِ الشَّوكةِ يُشاكُها”، أي: تُصيبُه بِحدِّهَا فَإنَّها كفَّارةٌ لِذنوبِه.، وفي قوله صلى الله عليه وسلم :(هَذِهِ مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ ) قال في المفاتيح : ليس معنى الآية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم يوم القيامة ،بل معناها : أنه يلحقهم بالجوع ،والعطش ،والمرض ،والحزن ،وغير ذلك من المكاره ،حتى إذا خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب ، وفي قوله تعالى : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهْ } قال السعدى في تفسيرها :هذا شامل لجميع العاملين، لأن السوء شامل لأي ذنب كان ، من صغائر الذنوب وكبائرها، وشامل أيضا لكل جزاء ،قليل أو كثير، دنيوي أو أخروي، والناس في هذا المقام درجات لا يعلمها إلا الله، فمستقل ومستكثر، فمن كان عمله كله سوءا ،وذلك لا يكون إلا كافرا، فإذا مات من دون توبة ،جوزي بالخلود في العذاب الأليم، ومن كان عمله صالحا، وهو مستقيم في غالب أحواله، وإنما يصدر منه بعض الأحيان بعض الذنوب الصغار ،فما يصيبه من الهم والغم والأذى ،وبعض الآلام في بدنه ،أو قلبه ،أو حبيبه ،أو ماله ونحو ذلك – فإنها مكفرات للذنوب، وهي مما يجزى به على عمله، قيضها الله لطفا بعباده، وبين هذين الحالين مراتب كثيرة، وهذا الجزاء على عمل السوء العام مخصوص في غير التائبين، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما دلت على ذلك النصوص، وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ أُقْرِئُكَ آيَةً أُنْزِلَتْ عَلَىَّ ». قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ فَأَقْرَأَنِيهَا فَلاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنِّى قَدْ كُنْتُ وَجَدْتُ انْقِصَامًا فِي ظَهْرِي فَتَمَطَّأْتُ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَإِنَّا لَمَجْزِيُّونَ بِمَا عَمِلْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ فَتُجْزَوْنَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَلَيْسَ لَكُمْ ذُنُوبٌ وَأَمَّا الآخَرُونَ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى يُجْزَوْا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »، وقد أجمع عامة العلماء على أن الأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها- وإن قلت مشقتها- يكفر الله- تعالى- بها الخطيئات، والأكثرون على أنها- أيضا ترفع بها الدرجات، وهو الصحيح المعول عليه، فقد روى مسلم في صحيحه : ( أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ». ، وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ :قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرَأَيْتَ هَذِهِ الأَمْرَاضَ الَّتِي تُصِيبُنَا مَا لَنَا بِهَا قَالَ :« كَفَّارَاتٌ ». قَالَ أَبِى وَإِنْ قَلَّتْ قَالَ « وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا ». قَالَ فَدَعَا أَبِى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يُفَارِقَهُ الْوَعَكُ حَتَّى يَمُوتَ في أَنْ لاَ يَشْغَلَهُ عَنْ حَجٍّ وَلاَ عُمْرَةٍ وَلاَ جِهَادٍ في سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ في جَمَاعَةٍ فَمَا مَسَّهُ إِنْسَانٌ إِلاَّ وَجَدَ حَرَّهُ حَتَّى مَاتَ).
أيها المسلمون
فعظم الجزاء مع عظم البلاء، فكلما اشتد البلاء بالإنسان صار كفارة له ، وتكفيراً لسيئاته وحطًا لخطاياه، وقد روى البخاري في صحيحه : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ » ، نعم يصب منه بالأمراض أو المصائب والمنغصات ، وفي سنن الترمذي : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد ابتلى الله تعالى أنبياءه ، وهم من صفوة الخلق ، وابتلى غيرهم، فلا ينبغي للمؤمن أن يجزع، بل ينبغي له أن يحتسب ، ويصبر ويتحمل ،ولو كان طال به البلاء ، فقد طال المرض بـأيوب نبي الله مدة طويلة، وأصاب نبينا صلى الله عليه وسلم المرض ، والهموم ، والأحزان ، وكان يقول صلى الله عليه وسلم في دعائه: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ » رواه البخاري. فالابتلاء من الله تعالى قد يكون دليلاً على محبته للعبد ،ففي سنن أبي داود : ( أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ زَادَ ابْنُ نُفَيْلٍ « ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ ». ثُمَّ اتَّفَقَا « حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ».وروى الترمذي في سننه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ »
الدعاء