خطبة عن الدنيا وحديث (لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ الله)
يناير 9, 2020خطبة عن النهي عن الكسب الحرام وحديث ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ)
يناير 11, 2020الخطبة الأولى ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (18) الرعد
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (18) الرعد ، قال أبو جعفر (الطبري) : يقول تعالى ذكره : أما الذين استجابوا لله ، فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به، وأطاعوه ،فاتبعوا رسوله وصدّقوه فيما جاءهم به من عند الله, فإن لهم الحسنى, وهي الجنة، وأما الذين لم يستجيبوا لله حين دعاهم إلى توحيده ،والإقرار بربوبيته، ولم يطيعوه فيما أمرهم به, ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عند ربهم, فلو أن لهم ما في الأرض جميعًا من شيء ،ومثله معه ملكًا لهم، ثم قُبِل مثل ذلك منهم، وقبل منهم بدلا من العذاب الذي أعدّه الله لهم في نار جهنم وعوضًا، لافتدوا به أنفسهم منه, فهؤلاء الذين لم يستجيبوا لله لهم سوء الحساب، ولهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها, فلا يغفر لهم منها شيئا, ولكن يعذبهم على جميعها ، وجاء في التفسير الميسر : للمؤمنين الذين أطاعوا الله ورسوله الجنة، والذين لم يطيعوا وكفروا به لهم النار، ولو كانوا يملكون كل ما في الأرض وضِعْفه معه ،لبذلوه فداء لأنفسهم من عذاب الله يوم القيامة، ولن يُتَقبل منهم، أولئك يحاسَبون على كل ما أسلفوه من عمل سيِّئ، ومسكنهم ومقامهم جهنم ،تكون لهم فراشًا، وبئس الفراش الذي مهدوه لأنفسهم. وفي الصحيحين : ( قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَقُولُ : « يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيُقَالُ لَهُ قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ »
أيها المسلم الموحد
هل تعلم ما هو الدليل على صدق إيمانكَ؟ ،وقوة يقينك؟ ، وشدة حبك لله ورسوله ؟؟ ، إن الدليل على ذلك : هو سرعة استجابتك لأوامر الله ورسوله، فعندما تسمع آية فيها أمر الله سبحانه وتعالى، وعندما تسمع حديثاً فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل تتقبل ذلك مباشرة دون تلكؤ؟ ودون تباطؤ؟ ودون تململ؟ أم أنك تماطل، وتسوف، وتؤخر الاستجابة لله ورسوله ، وعندما يبلغك حكم الله في مسألة ما من شئون حياتك، ويبلغك حكم رسول الله في قضية من قضايا معاشك، فكم يمضي عليك من الزمن لتمتثل حكم الله ، وحكم رسول الله؟ ، قال تعالى : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]، وقال الله تعالى : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 51، 52]. ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله : (أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، ومن لم تحصل له هذه الاستجابة، فلا حياة له، وإن كانت له حياةٌ بهيميةٌ مشتركةٌ بينه وبين أرذل الحيوانات، فالحياة الحقيقية الطيبة ،هي حياة من استجاب لله والرسول ،ظاهراً وباطناً، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكملُ الناسِ حياةً ،أكملَهم استجابةً لدعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فإن كلَّ ما دعا إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزءٌ منه، فاته جزءٌ من الحياة ) ، وعلى قدر الاستجابة ، تكون الحياة، فهي مراتب ،كلما زاد العبد في الاستجابة لله ،وامتثال أوامره ،كلما زاده الله هداية وتوفيقاً. وقد شبه الله المستجيبَ لنداء الله ورسوله بالحي، والذي لا يستجيب بالميت، فقال سبحانه: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [الأنعام:36]. وإذا أردنا أن نقارن بين المؤمن والمنافق ،فإن أوضح الفروق بينهما وأظهرَها هو سرعة الاستجابة لله ورسوله، والسمع والطاعة، والانقياد للحق إذا ظهر، يقول تعالى مبيناً هذا الفرقَ بين الفريقين: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور(47): (52) ، وقد ذم الله في كتابه أمما ،بتركهم الاستجابةَ ،والعملَ بما جاءهم، فقال الله في ذم اليهود: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الجمعة:5],
أيها المسلمون
فلا يجوز لأحد أن يؤخر الاستجابة لأمر الله ،وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يستجب لأمر الله، فهو على أحد الخطرين : الأول : إما أن يحال بينه وبين قلبه. والثاني : وإما أن يجمع مع ذلك أن يولى سبيل الظالمين، وأن يصلى جهنم مع المجرمين، وللاستجابة لله أثر عظيم في حياة المسلم ، فمن آثارها : أولا : أن الاستجابة لله وللرسول فيها الحياة: قال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ” ، ثانيا : أن الاستجابة سبب من أسباب إجابة الدعاء: فهي طريق لرضا الله ، فقال تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) البقرة ، ثالثا : أن المستجيب جزاؤه الجنة: فالناس على قسمين: مستجيب لربه، وجزاؤه الحسنى. وغير مستجيب، فجزاؤه النار ، رابعا : أن الاستجابة فيها كمال العقل : كما قال الله تعالى 🙁فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (50) القصص
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولنتأمل معاً كيف استجاب الصحابة لأوامر الله ، ففي تحريم الخمر، ففي صحيح البخاري : (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – رضى الله عنه – مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِى تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ . فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِى أَبَا طَلْحَةَ وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ وَهَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ فَقَالُوا وَمَا ذَاكَ قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ . قَالُوا أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ يَا أَنَسُ . قَالَ فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ ). وأما عن الاستجابة لله في أمر الحجاب: ففي سنن أبي داود : (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ الأَكْسِيَةِ ). وفي الاستجابة لله في أمر الجهاد: ففي سنن البيهقي : (قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : فِي قِصَّةِ أُحُدٍ وَقَتْلِ شَدَّادِ بْنِ الأَسْوَدِ الَّذِى كَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ شَعُوبٍ : حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِى عَامِرٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ صَاحِبَكُمْ تَغْسِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ ». فَقَالَتْ : خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لِذَلِكَ غَسَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ ». وفي معركة خيبر والقدور تغلي بلحمها، والموائد في انتظارها والبطون جوعى، في هذا المشهد المهيب يأتي النهي عن الحمر الأهلية، يصرخ العباس بأعلى صوته: إن الله ورسوله ينهيانكم عن أكل لحم الحمر الأهلية، فما توانوا لحظة وما تأخروا برهة وما أعملوا عقولهم وما رحموا جوع بطونهم، وإنما أراقوا القدور بما فيها من لحوم وبحثوا من جديد عن طعام حلال خشية لله ورسوله واستجابة لنداء الرحمن. وأما عن الاستجابة لأوامر الله في الصلاة ، وقصة تحويل القبلة: فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ – أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ – مِنَ الأَنْصَارِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاَّهَا صَلاَةَ الْعَصْرِ ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ ، وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قِبَلَ مَكَّةَ ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ ..) ، وفي صحيح البخاري : (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بَخْ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ » . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ . تَابَعَهُ رَوْحٌ . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ رَايِحٌ) ، وهكذا سار السلف الصالح بعد الصحابة في تمام الاستجابة، وسرعة الامتثال، فهذا الإمام البخاري رحمه الله، لما علم أن الغيبة حرام في دين الإسلام استجاب وامتثل، وقال عن نفسه: (ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا)
الدعاء