خطبة عن حديث (الأَعْمَالُ سِتَّةٌ)
يوليو 5, 2025خطبة عن (تَجَاوز اللَّه عَن الْخَطَإ)
يوليو 5, 2025الخطبة الأولى (الاستغاثة)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (9) الأنفال.
إخوة الإسلام
في غزوة “بدر” كان المسلمون قلة، وكان عدد الكفار كثير، فاستغاث المسلمون بربهم ،وطلبوا منه النصر على عدوهم، فاستجاب الله دعاءهم، وأمدهم بألف من الملائكة، يتبع بعضهم بعضًا، ورُوِيَ عن ابنِ عَبَّاسٍ قال: قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (لَمَّا كان يومُ بَدرٍ نَظَر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المُشْرِكين، وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وبِضعةَ عَشَرَ رَجُلًا، فدخل العريشَ هو وأبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه، واستقبلَ القِبلةَ ومَدَّ يَدَه، فجَعَل يَهتِفُ برَبِّه عَزَّ وجَلَّ: (اللَّهُمَّ أنجِزْ لي ما وعَدْتَني، اللَّهُمَّ إنَّك إن تُهلِكْ هذه العصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدُ في الأرضِ)، فما زال يَهتِفُ برَبِّه عَزَّ وجَلَّ مادًّا يَدَيه حتى سَقَط رداؤُه عن مَنكِبَيه، فأخذ أبو بكرٍ رداءَه، فألقاه على مَنكِبَيه، ثم التَزَمه من ورائِه وقال: يا نبيَّ اللهِ كفاك مناشَدَتُك رَبَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعدك، فأنزل اللهُ عَزَّ وجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (9)، (10) الأنفال،
فالمسلم يعتقد أن الاستغاثة بالله وحده هي من أجَّل العبادات، سواء أكان ذلك في شفاء المرضى أو طلب الرزق، أو طلب النصر على الأعداء ،أو كشف الضر، وغيره. وفي سنن الترمذي :(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ».
ومن الاستغاثة المشروعة: الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق، بشرط: أن يعتقد أن المغيث الحقيقي هو الله، وأما المخلوق فإنما هو سبب، وقد دل عليه قوله تعالى عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) {القصص:15}. فلو أن إنساناً وجد نفسه في مشكلة، فيستغيث بالمسلمين، ليغيثوه، فهذا جائز، ولكن تحرم الاستغاثة بمخلوق إذا كان لا يقدر عليها؛ وعدم المقدرة تكون في أمور ثلاثة: الأول: إذا كان المُستغاث به ميتاً، كأن تقول لأصحاب القبور: اغثني يا شيخ فلان، أو المدد يا فلان. الثاني: إذا كان هذا المستغاث به حياً حاضراً وقادراً، لكنه غائب لا يسمع استغاثتك، فيظن المستغيث أنه يسمعه، ولو كان في أبعد مكان. الثالث: إذا كان هذا المُستغيث يستغيث بمخلوق حي حاضر في أمر لا يقدر عليه إلا الله،
فالاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا كفر، كأن يقول يا فلان ارزقني الولد، أو اشفني من المرض، أو يا فلان اغفر ذنبي، قال بعض السلف: «استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون». وقال آخر: «استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق»، وفي معجم الطبراني وصححه الألباني: (عن عبادة بن الصامت: أنَّهُ كانَ في زمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ منافِقٌ يؤذي المؤمنينَ فقال بعضُهم: قوموا بنا نستغيثُ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من هذا المنافقِ فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إنه لا يُستغاثُ بي، وإنما يُستغاثُ باللَّهِ)،فالاستغاثة بالمخلوق فيما لا يملكه ولا يقدر عليه شرك، لأن الاستغاثة دعاء، والدعاء عبادة، والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله، قال تعالى: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ*وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (يونس:106، 107)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الاستغاثة)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن معتقد أهل السنة والجماعة أن الدعاء عبادة، ويجب صرفه لله تعالى وحده لا شريك له، فمن دعا غير الله، أو استغاث بغير الله، أو طلب المدد من غير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فقد كفر وخرج من الإسلام سواءً كان هذا الغير نبيا، أو ولياً، أو ملكاً، أو جنياً، أو غير ذلك من المخلوقات، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس:106]، وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ [الشعراء:213]، وفي صحيح البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ». وَقُلْتُ أَنَا مَنْ مَاتَ وَهْوَ لاَ يَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)،
لذا فيجب على كل مكلف أن يعلم أنه لا غياث، ولا مغيث على الإطلاق إلا الله، فالأمر كله لله وحدَه، فهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يضر وينفع، وهو الذي يرفع ويخفض، وهو الذي يُعِزُّ ويُذِلُّ، لا رادَّ لحكمه، ولا مُعقِّب لقضائه، ولا رب غيره، ولا إله سواه وقد قال صلى الله عليه وسلم لأقربِ الناس إليه، لا أُغنِي عنكم من الله شيئًا، ففي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ». فيجب على العباد أن يتوجَّهوا بالعبادة إلى الله وحدَه؛ فهو الذي يدعى، وهو الذي يُسأل، وهو الذي يُستغاث به،
الدعاء