خطبة حول معنى قوله تعالى ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ )
نوفمبر 25, 2023خطبة عن (أسباب الانحراف في الدين)
نوفمبر 27, 2023الخطبة الأولى (الاستغفار: فضائله وفوائده)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (3) هود.
إخوة الإسلام
الاستغفار: هو الدعاء بطلب العفو والمغفرة من الله تعالى، على ذنب اقترفته، أو حق من الحقوق قصرت فيها، والاستغفار: هو طلب منك أن يستر الله الذنوب، فلا تعاقب عليها، فعند استغفارك الله تعالى، فأنت ترجو منه سبحانه وتعالى أمرين: أن يستر ذنبك، وأن يسامحك فلا تُعاقب عليه. يقول بن تيمية: “المغفرة شيء زائد عن الستر؛ لأن المغفرة معناها وقاية شر الذنب، بحيث لا يعاقب عليه العبد، وأما مجرد ستر الذنوب فهذا لا يستلزم إسقاط العقوبة؛ فالله سبحانه قد يستر على من يعاقب وعلى من لا يعاقب”
وقد بيّن الله تبارك وتعالى لنا فضائل الاستغفار في الكثير من الآيات القرآنية، ومنها قوله تعالى: (وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) هود (52)، وقوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (10): (12) نوح، وقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). [النساء:106]، وقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) [غافر:55]، وقال تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [النصر:3]،
كما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة أهمية الاستغفار وفضائله، ومنها: ما رواه الامام أحمد في مسنده: (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ »، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دائم الاستغفار، وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذبنه وما تأخر، ففي صحيح البخاري: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»، وفي سنن الترمذي: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً».
أيها المسلمون
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نستغفر الله تعالى: فيبدأ المستغفر بالثناء على ربه سبحانه وتعالى، والاعتراف بذنبه، والتوبة عنه، ونيته بعدم الرجوع إليه، ثم يسأل الله عز وجل المغفرة، ففي صحيح البخاري: (عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ». قَالَ «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، وقد سُمي هذا الدعاء بسيد الاستغفار، لأنه قد جمع كل معاني التوبة، وحسن الثناء على الله تعالى، والاعتراف بالضعف، والخضوع إلى الله تعالى، وهذه درجة عالية من التوبة وطلب المغفرة. كما ورد في الصحيحين: (عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ – رضي الله عنه – أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي قَالَ «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، ومن صيغ الاستغفار ما جاء في سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا»، وفي مسند أحمد: (قَالَ أَبُو أُمَامَةَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا قَالَ « فَإِذَا رَأَيْتُمُونِى فَلاَ تَقُومُوا كَمَا يَفْعَلُ الْعَجَمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضاً ». قَالَ كَأَنَّا اشْتَهَيْنَا أَنْ يَدْعُوَ لَنَا. فَقَالَ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَارْضَ عَنَّا وَتَقَبَّلْ مِنَّا وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَنَجِّنَا مِنَ النَّارِ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ»
وهناك مواطن يستحب فيها الاستغفار: فمن مواطن الاستغفار: بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: حيث يأتي الذي ظلم نفسه بارتكاب الذنب، فيستغفر بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويجعله وسيلته إلى اللَّه سبحانه، ليغفر له، ومن ثم يستغفر له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ليجد اللَّه تواباً رحيماً. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ “النساء/ 64”. ومن مواطن الاستغفار: أثناء أداء فريضة الحج، وذلك عند الإفاضة من عرفات، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ “البقرة/ 199”. ومن مواطن الاستغفار: عقيب النصر: وهذا النوع من الاستغفار كان دأب الأنبياء جميعاً، وذلك شكرا للَّه تعالى، واعترافاً منهم له تعالى، بأن النصر والغلبة منه سبحانه، قال تعالى: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ “سورة النصر”.
أيها المسلمون
وقد دعا اللَّه سبحانه وتعالى عباده للمغفرة، عن طريق الإيمان به، وخلقه للسموات والأرض، وعدم الشك في ذلك قال تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ “إبراهيم- 10”، كما جعل سبحانه استجابة العبد للأنبياء والرسل، والإيمان بهم موجبين للمغفرة والصفح وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ” الأحقاف- 31″، ومن أهم أسباب تنزل الرزق ونشره الاستغفار الصادق، الذي يصاحبه العزم على عدم العود إلى الذنب، وأداء حق العبودية للَّه، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًاً﴾ “نوح/ 10- 12”. والاستغفار سبب للوقاية من العذاب، ومانع منه، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ “الأنفال/ 33”. ومن فضائل الاستغفار أن الله عز وجل مدح أهله وأثنى عليهم في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها: قوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} آل عمران (17)، ومن فضائل الاستغفار أنه من صفات المتقين كما أخبر سبحانه وتعالى في قوله تعالى: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} آل عمران (133): (136)، ومن فضائل الاستغفار أن الله تعالى يغفر لمن استغفره، قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} النساء (110)، ومن فضائل الاستغفار أنه من موجبات رحمته تعالى، قال تعالى: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} النمل (46)، وهو أيضا من مبعدات عذاب الله، أليس هو القائل: {وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال (33)، ومن فضائل الاستغفار أنه من الوسائل الجالبة للخير العميم والمتاع الحسن خاصة عند اقترانه بالتوبة، يقول اللّه تبارك وتعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} هود (3).
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الاستغفار وفضائله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فمن فوائد الاستغفار: أنه يجلب الرزق، وييسر الوصول إليه. وبالاستغفار تُمحى الذنوب، وتحصل محبة الله له، وتحقق القرب منه جل وعلا، ويجعل المؤمن يشعر بحلاوة القرب من الله والإيمان به سبحانه. واستغفار الله يُذهب الهم والحزن وضيق الصدر، ويدخل الفرح والسرور إلى القلب. والاستغفار يوصل المؤمنين للجنة، وهي الفوز الأعظم. والاستغفار يدرر الغيث، ويذهب الفقر. وبه تسهل الطاعات، ويبتعد العبد عن المعاصي والذنوب. وهو أيضا يزيد العقل والإيمان والحكمة. ويقلل من تعلق القلب بالدنيا الفانية. وتنحل به العقد، وتحل به الصعوبات والأزمات.
أيها المسلمون
وكان للسلف الصالح آثار في الاستغفار: فمن آثار السلف في الاستغفار: قال قتادة رحمه الله :”إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار ” .وعن الحسن البصري قال: ” أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم ،وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، أينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة). وعن أبي المنهال قال: “ما جاور عبد في قبره من جار خير من استغفار كثير). وقال أبو عبد الله الوراق: (لو كان عليك مثل عدد القطر وزبد البحر ذنوبا لمحيت عنك إذا دعوت ربك بهذا الدعاء مخلصا إن شاء الله تعالى: اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ولم أوف لك به، وأستغفرك من كل عمل أرد به وجهك فخالطه غيرك، وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك، وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار وسواد الليل في ملأ أو خلاء وسر وعلانية يا حليم)، فيا من تريد راحة البال. وانشراح الصدر، وسكينة النفس، وطمأنينة القلب، والمتاع الحسن عليك بالاستغفار، ويا من تريد قوة الجسم، وصحة البدن، والسلامة من العاهات والآفات والأمراض والاوصاب، عليك بالاستغفار، ويا من تريد الأمن من الحوادث، والأمن من الفتن والمحن، عليكم بالاستغفار، ويا من تريد الغيث المدرار، والذرية الطيبة، والولد الصالح، والمال الحلال، والرزق الواسع، عليكم بالاستغفار، ويا من تريد تكفير السيئات وزيادة الحسنات، ورفع الدرجات، عليك بالاستغفار، فالاستغفار هو دواؤك الناجح، وعلاجك المؤكد من الذنوب والخطايا،
الدعاء