خطبة عن اسم الله ( المعِزُّ المذِلُّ )
يناير 13, 2018خطبة عن ( الطريق إلى الجنة )
يناير 20, 2018الخطبة الأولى (الاسلام يحدد علاقة الانسان بالبيئة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (41) الروم ، وقال الله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (71) المؤمنون
إخوة الإسلام
لقد ضُمّن الإسلامُ مجموعةً من المبادئ والقواعد التي تضبط سلوكيات الإنسان في تعامله مع بيئته ، بما يصونها ويحفظها، ويضمن سلامتها واستمراريتها ، ومن هذه القواعد والمبادئ : أولا : الدعوة إلى الإصلاح والنهي عن الفساد والإفساد: فقد نهى الإسلام عن الفساد والإفساد ، فقال الله تعالى : ﴿ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (85) الاعراف ، ومن المعلوم أن الافساد ضد الاصلاح، والفساد : كل سلوك بشري يفسد نعم اللَّه ويحيلها إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة، فكل شيء بما فيه الأرض بشؤونها قائم على الصلاح ،ولكن الإنسان هو الذي يفسد، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ (204) :(206) البقرة ، وقد جاء أن هذه الآيات نزلت في الأخنس بن شريق الذي أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه ، ثم خرج فمرّ بزرع فأحرقه، وحمر فعقرها ، فذكر الله تعالى أن ما فعله إفساد ومخالف للسلوك الإسلامي القويم . ثانيا : ومن قواعد ومبادئ الاسلام في تعامل الانسان مع البيئة : الدعوة إلى الاعتدال : والاعتدال وسط بين الاسراف والتبذير، وبين الشح والتقتير ، فعلى الإنسان نبذ الإسراف ، وسلوك الطريق الوسط ، فلا إفراط ولا تفريط، وهو مبدأ عام لا يختص في جانب معين، وقد نهى الإسلام عن الإسراف لما فيه من أضرار كثيرة، وهو كل سلوك يتعدى الحدود المعقولة والمقبولة، وإذا عطفنا الكلام على موضوع البيئة فإنه يتمثل في الاستخدام المفرط لموارد البيئة بمايشكل خطراً وضرراً على البيئة ومواردها، ولذلك قال الله تعالى : ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ (الأعراف:31). وقال الله تعالى : ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ (الاسراء:26-27). فهذا النص القرآني عامّ فيشمل كل سلوك إنساني .
والإسراف في استخدام موارد البيئة ، قد يهدّد البشرية بأخطار كثيرة ، فمثلاً : الإسراف في قطع الأشجار والنباتات ، أدى إلى مخاطر كثيرة ، ومصائب جمة ، ومنها : جرف التربة ، والفيضانات العنيفة ، وانتشار التصحّر، والاختلال في دورة الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون ، وغير ذلك…. والقرآن دعا من خلال هذه الآيات إلى الاعتدال والوسطية، أي الاستخدام الراشد، والاستثمار دون استنزاف موارد البيئة ، لأن اللَّه جعل لكل شيء قدراً ، ومنها البيئة، وعلى الانسان أن يراعي الموازنة بين القدرة الانتاجية للبيئة، وبين النمو السكاني، والموازنة بين الأعمال اللازمة لاشباع احتياجاته المتسارعة، وبين المحافظة على البيئة سليمة خالية من العطب والخلل، فلا تعني حماية البيئة أن نترك كنوز الأرض في مواقعها، ولا التحريم المطلق للاستفادة من ثروات الأرض الحيوانية والنباتية ، بل تعني الاستفادة دون إسراف، لأن البيئة ليست ملكاً لجيل بعينه ،يتصرف بها كيف يشاء ،بل هي ميراث البشرية كلها ، في الحاضر والمستقبل .
ثالثا : ومن قواعد ومبادئ الاسلام في تعامل الانسان مع البيئة : رعاية الأحياء الفقيرة : فكما دعا الإسلام إلى الحفاظ على موارد البيئة ومكوّناتها، ودعا إلى عدم الإسراف في استخدامها، فإنه حارب أيضاً كل ما يؤدي إلى فسادها، ولا شك أن الفقر هو أحد الأسباب الكامنة لانتشار الأمراض والأوبئة، لذلك رغب الإسلام في بناء مجتمع يتكامل أبناؤه اجتماعياً، وإضافة إلى ما أوجبه من فرائض مالية كالزكاة،، فقد دعا أيضا إلى الإنفاق والتصدق ،بما يرفع حاجة المحتاجين، وما أكثر الآيات الشريفة الواردة في ذلك ، ومنها قوله تعالى : ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة:256). رابعا : ومن قواعد ومبادئ الاسلام في تعامل الانسان مع البيئة : الدعوة إلى استزراع الأرض وحماية البيئة : فقد أودع الله تعالى في مكونات البيئة الحيوية الكثير من المنافع الملموسة، وغير الملموسة ، والتي سخرها بقدرته وحكمته لخدمة الإنسان ، وتوفيراً لمتطلبات حياته ، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (النحل:14). وقال الله تعالى : ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ (5) ،(6) النحل ،وهذه الآيات واردة في مقام المِنّة على الإنسان، وأنه تعالى أنعم بها على الإنسان ،فواجبه أن يقوم بشكرها، والمحافظة عليها من التلف أو التلوّث أو غير ذلك ، لأن هذه المخلوقات والكائنات تشاركه الحياة وأن وجودها مهم لاستمراره.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الاسلام يحدد علاقة الانسان بالبيئة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن قواعد ومبادئ الاسلام في تعامل الانسان مع البيئة : الابتعاد عن المعاصي : فإن المعاصي لا يقتصر أثرها على العقاب الأخروي ، ولكن بسببها يتعرض الانسان للعقاب الدنيوي، ففي مسند أحمد (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) ، بل إن بعض الذنوب تكون سببا في انتشار الأمراض ، والجدب ، والقحط ، ونقص الثمرات ، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِى أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ». وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- « اليَمِينُ الْكَاذِبَةُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ ». وقال الله تعالى : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل:112). وهكذا فإن اتباع الإنسان لهواه، وركضه وراء شهواته ،وإشباع غرائزه على حساب المثل العليا، وترجيحه لرغبات يومه ، دون التفات إلى غده، يُحدث الفساد في الكون كلّه، قال الله تعالى : ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ …﴾ (المؤمنون:71). فواجب على كل منا أن يحافظ على البيئة صالحة كما خلقها الله ، ولا نكون من المفسدين
الدعاء