خطبة عن ( أهمية الاصلاح بين المتخاصمين)
فبراير 8, 2017خطبة عن (صور ونماذج من خلق الإيثار)
فبراير 8, 2017الخطبة الأولى (خلق الاصلاح بين المتخاصمين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [الحجرات: 10] ، ويقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) الانفال: 1 ، وقال سبحانه : (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) النساء 114 ، وروى أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ».
أيها المؤمنون
إصلاح ذات البين: هو إزالة أسباب الخصام والنزاع، بالتّسامح والعفو، أو بالتّراضي. والإصلاح بين الناس عبادة عظيمة .. يحبها الله سبحانه وتعالى ..وما أحوج الأمة اليوم إلى هذه الخصلة الحميدة، وإلى هذا الخلق العظيم، في زمن كثرت فيه الصراعات والنزاعات، والهجر والقطيعة، فلم يسلم منها الأقارب ولا الجيران ، ولا الأصدقاء، والشركاء. فمِن أخلاق الإسلام، وصنائع المعروف: الصلحُ بين الناس إذا تقاطعوا، والصلح بين الناس إذا تهاجروا ، وقطع أسباب الضغائن والشحناء، وقطع أسباب الفتن والبغضاء، فإنها من أعظم الأمور المقربة إلى الله جل وعلا. فالمصلـح هو ذلك الذي يبذل جهده وماله ويبذل جاهه ليصلح بين المتخاصمين .. قلبه من أحسن الناس قلوباً .. نفسه تحب الخير .. وتشتاق إليه .. ويبذل ماله .. ووقته .. ويقع في حرج مع هـذا ومع الآخر .. ويحمل هموم إخوانه ليصلح بينهم .. وإن سبيل الإصلاح عزيمة راشدة، ونية خيرة، وإرادة مصلحة، وإن بَريدَ الإصلاح حكمةُ المنهج، وجميلُ الصبر، وطِيبُ الثناء. إنه عمل جليل يقوم به لبيب تقي، يَسرّه أن يَسود الوئام بين الناس: ﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ [النساء: 129]. فكم من بيت كاد أن يتهدّم .. بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجه .. وكاد الطلاق أن يفرق بينهم .. فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة .. ونصيحة غالية .. ومال مبذول .. يعيد المياه إلى مجاريها .. ويصلح بينهما .. وكم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين .. أو صديقين .. أو قريبين .. بسبب زلة أو هفوة .. وإذا بهذا المصلح يرقّع خرق الفتنة ويصلح بينهما .. وكم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال .. وفتن شيطانية .. كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم جهد المصلحين .. فيا سعادة مـن وفقـه الله للإصلاح بين متخاصمين كانا زوجين أو جارين أو صديقين أو شريكين أو طائفتين .. هنيئاً له .. هنيئاً له .. ثم هنيئاً له وإن الأمة في كثير من مواقعها تحتاج إلى إصلاح يُدْخِل الرّضا على المتخاصمين، ويُعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس، وتتآلف به القلوب، إصلاح يقوم به أناس خيرون، شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم، وإنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نُبل الطباع وكرم السجايا. فهنيئا لمن أجرى الله الخير على يديه، فجعله سببا للمّ شمل قد تفرق، وإنهاء فُرْقة دامت لسنوات: أخرج ابن ماجة في سننه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيِهِ». حديث حسن. وأخرج أحمد والترمذي عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ»: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خلق الاصلاح بين المتخاصمين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن الاصلاح بين المتخاصمين ، يقول ربنا سبحانه: ﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 114]. والمعنى ﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ ﴾ أي: لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما أنه لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما أنه شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه. ﴿ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾ أي إلا أن تكون هذه النجوى وهذا الكلام أمرا بصدقة من مال أو علم أو أي نفع كان. ﴿ أَوْ مَعْرُوفٍ ﴾ وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه. ﴿ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ وهو عقد الصلح بين متنازعين متخاصمين متهاجريْن؛ سواء بين الأفراد أو الجماعات. ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾. بل إن الاشتغال بالصلح بين المتخاصمين أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات ، فقد روى الطبراني في المعجم وصححه الألباني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، (يعني مسجد المدينة) شهرا ) ، والإصلاح بين الناس صدقة من الصدقات: فمن الصدقات التي ينبَغِي أنْ يتقرَّب بها المؤمن كلَّ يوم إلى ربه، شكرًا له على أنْ عافاه في بدنه: الصلحُ بين المسلمين. ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، ـ أي على كل مِفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها العبد شكراً لله تعالى على نعمة الصحة والعافية ـ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الاثنين صَدَقَةٌ ـ أي تصلح بينهما بالعدل ـ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ». ونواصل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء